الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العدالة يتقدم.. وينتظر الخطوة الأولى نحو التراجع

العدالة يتقدم.. وينتظر الخطوة الأولى نحو التراجع
27 يوليو 2007 06:13
لغة الصالونات والألفاظ المختارة بعناية، عالم لم يعد يجدي مع شرائح عريضة سئمت الكلام قبل أن تضجر من الوعود التي تسمعها في مناسبات الانتخابات، وبات لا يهمها سوى تدبير لقمة العيش وقبلها إيجار المنزل الشهري الذي لا يؤجل أبدا· وإذا كان في العائلة فتاة هنا سيكون هم الأم الأزلي، منذ أن وعت على قيم وتقاليد الاناضول بخصوص تجهيز ابنتها ليوم عرسها· في مواسم الانتخابات لابد من مفردات تحاكي هؤلاء تخاطبهم دون أن تتعالى عليهم، كلمات وجمل تلعب على مشاعرهم، ولا مانع من بعض الكذب الأبيض، أو القليل من المراوغة المقبولة، وفي الوقت المناسب تلبي الحد الأدنى من المطالب، ولا بأس -إذا كان الأمر يسمح- من ترجمة لغة الحاجة فليس مطلوبا البوح صراحة، منعا للإحراج وجرح الكبرياء، من هنا ظفر البعض من فقراء الضواحي البعيدة في اسطنبول وأنقرة على السواء بقطعة الذهب الصغيرة، المرسوم عليها شعار الجمهورية أما وجهها الآخر فيحمل صورة أتاتورك، ويتراوح ثمنها 25 دولارا، هذا بجانب المبالغ التي يحصلون عليها لمساعدتهم على تحمل أعباء الحياة، بالإضافة إلى أكياس الفحم استعدادا للتدفئة في شهور الشتاء الطويلة· والحق بدت هناك خزائن عامرة معدة لتلك المناسبة، لا تسأل من أين جاءت؟ يقولون إن أهل الخير بالآلاف، ورجال الأعمال وهم بالعشرات لا يتأخرون عن تقديم الدعم لصاحب المصباح، لكن يبدو أنه كان هناك شرط ألا وهو قبول هدية الحزب وسط إجراءات سرية، لكن مع الأجهزة المعمرة التي وجدت أمام عدد من المنازل انكشف السر! نجاحات جماهيرية وصعود الليرة عودة بسيطة للوراء وتحديدا قبل شهور، فمعها يمكن فهم الزحف نحو العدالة والتنمية، ففي الطريق من ''أسينبوا'' مطار أنقرة، وفي الاتجاه إلى قلب المدينة، كان يمكن للقادم أن يرى عشرات العشوائيات منحوتة في قلب المرتفعات المتوسطة، القائمون على العاصمة، وهم من حملة المصابيح الصفراء، قرروا إزالتها، لكن قبل ذلك لابد من إيجاد بديل أفضل حتى شعر معه المواطنون بالفرق، ولأن الخزائن عامرة، تم تدبير عشرات الأماكن لشاغلي تلك العشوائيات الذين قاموا بنقل أغراضهم فقط، فالمسكن الجديد معد لا ينقصه شئ، بالتوازي بدأت أعمال الجزء الثاني المهم من مترو أنقرة والذي يربط ضاحية ''أوميت كوي'' التي تبعد نحو 23 كيلومترا من وسط العاصمة بـ ''كيزلاي'' أشهر ميادين أنقرة، في اسطنبول أيضا سارع عمدتها، وهو من أرباب العدالة، بتدشين مشروع امتداد لمترو المدينة الأكبر على مستوى تركيا، والعمل مستمر ويقال إنه سينتهي مع احتفالات نهاية العام الحالي ·· في مقابل الإنجاز وتحسين الخدمات وتلبية حاجة الفقراء، كان طبيعيا أن يثير البعض التساؤل أين الأحزاب الأخرى؟ والحق لم تكن هناك مقارنة، فالبون شاسع بين العدالة الذي يتحرك مدعوما بما هو مادي ومعنوي وسط الذين يحتاجون، أما بقية الأحزاب فـ''معظمها مثل العدد في الليمون'' بيد أن تأثرها لم يتعد دائرة مقارها سواء في أنقرة وأسطنبول أو في بقية مدن الأناضول· ومع النجاح هلت البشائر، ففي الوقت الذي أغلقت فيه بورصة اسطنبول أبوابها استعدادا لعطلة نهاية الأسبوع، كان الدولار مساء الجمعة الموافق 20 يوليو الحالي يستقر عند 1,285 ليرة، وفي صباح الاثنين أي بعد ساعات من إعلان النتائج غير الرسمية للانتخابات البرلمانية المبكرة، كان الدولار يشهد تراجعا ملموسا أمام الليرة التركية محققا ،1,244 وفي الثلاثاء أي بعد يوم واحد فقط تراجع الدولار من جديد ليصل إلى 1,22 ليرة، وهو ما اعتبرته قطاعات مؤثرة في الحياة الاقتصادية، مؤشرا يعكس حالة تفاؤل بتكريس الاستقرار في للبلاد بعد مارثون انتخابي، أجبرت عليه الحكومة التي كانت تفضل إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بشهر نوفمبر القادم· الخصوم من جانبهم تفننوا في إيجاد أسباب لحالة تراجع الدولار واليورو، ليس من بينها فوز العدالة أو ما يسمي بالاستقرار، فتفوق العدالة وتمكنه من تشكيل حكومة بمفرده ليس له علاقة، فهم يرون أن تقدم العملة المحلية أمام الدولار أمر طبيعي في مثل هذا الوقت من السنة، حيث زحف الآلاف من الأتراك المقيمين في أوروبا لقضاء العطلات في الوطن الأم، فضلا على الأفواج السياحية وهي تعد بالمئات، فهذا هو الموسم الذي ينتهي مع نهاية أكتوبر من كل عام، وبالتالي يشهد سوق النقد، كميات كبيرة من العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار واليورو· سبب آخر وهو أنه طوال شهور الصيف تتوقف أقساط الديون وفوائدها التي يبدأ تسديدها اعتبارا من الخريف، ويستشهد هؤلاء بما حدث في العام الماضي، وكذا بالأعوام العديدة الماضية· أردوجان يعيد مندريس قبل خمس سنوات ومع النتائج الكبيرة التي حققها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية المبكرة بحصوله على ما يزيد على الـ 34بالمائة من أصوات الناخبين، ومن ثم استحواذه على 60 بالمائة من مقاعد البرلمان بفضل النظام الانتخابي، أعلن ''الطيب رجب أردوغان'' أن حزبه سيحكم البلاد لعشر سنوات متتالية ليعيد بالتالي نموذج الراحل ''عدنان مندريس'' زعيم الحزب الديمقراطي والذي تولى رئاسة الحكومة خلال فترة متصلة من 1950 وحتى ·1960 البعض حينذاك بدا مندهشا من تلك الثقة المفرطة بيد أن أقلام علقت ساخرة ''أن خريج مدارس إمام خطيب وعمدة أسطنبول السابق يحلم''، لكن الأيام تمر وحلم اردوجان يقترب من أن يصبح حقيقة، فبعد أيام سيشكل حزبه الحكومة الجديدة لا ينازعه فيها حزب آخر من الحزبين اللذين دخلا البرلمان، الشعب الجمهوري والحركة القومية بالمنعوت باليمين المتطرف· الطريف أن أنصار ''اردوغان'' عادوا، ليوجهوا نفس السخرية لخصومهم ناصحين إياهم بعدم الإفراط في أحلام اليقظة والكف عن أوهامهم التي توحي لهم أن العدالة والتنمية يقترب من النهاية، وها هي الانتخابات خير دليل!! مؤتمرات الجمهورية واليمين القومي هكذا حفلت أدبيات الصحف السيارة المحسوبة على الحزب الحاكم بكم من التحليلات التي بدا بعضها قريبا إلى المنطق، خاصة عندما أشارت إلى أن إرهاصات مؤتمرات الجمهورية والتي عمت البلاد من أقصاها إلى أدناها قبل أسابيع، لم تفلح في إثناء الملايين الذين قرروا التصويت للعدالة· المثير أنك لا تستطيع أن تلمح إلى وجود صدمة في الشارع العلماني، حتى الصحف ووسائل الإعلام التي روجت للعدالة بما فيها القنوات التي تشرف عليها الدولة لم تر وجود تعارض في خروج الملايين إلى الشوارع تحمل ضمنيا معارضتها لأي دمج أو تداخل بين الدين والسياسية وتصويت نفس الملايين للعدالة، اليس هناك ما يدعو للدهشة؟ بل العكس أن اردوغان استجاب لدعوات الآلاف الذي خرجوا كي يعلنوا تمسكهم بمبادئ الجمهورية وعلى رأسها العلمانية وأعلن هو نفسه تمسكه الكامل بالعلمانية ومبادئ الجمهورية· انظر إلى هذا المواطن البسيط وهو يقول ''نعم اشتركنا في مؤتمرات الجمهورية من أجل استمرار دولتنا على نفس نهج أتاتورك، لكن قيادات العدالة أكدوا لنا أنهم سائرون على نفس النهج، أمر آخر أن الحزب قدم لنا الطرق بطول البلاد وعرضها، كما أن حكومته حرصت على عدم فرض ارتفاعات جديدة في أسعار السلع الاستراتيجية وهو ما يعرف هنا باسم ''ظام'' أي موجة غلاء، بل على العكس سعت الحكومة جاهدة بقدر الإمكان إلى الحفاظ على مستوى الأسعار· آخر قال ''الحزب دشن عشرات المشروعات، والتي اتاحت بدورها المئات من فرص العمل، خصوصا في الأقاليم المكتظة بالآلاف العاطلين''، ومضى يقول ''ليس هناك مبرر للخوف، فالعدالة، وفي التطبيق العملى، لا يختلف أن أي حزب علماني آخر لقد تغير بنسبة 180 درجة''· لكن الغريب أن المتعاطفين مع ''العدالة والتنمية'' تجنبوا التعليق بشكل مباشر أو غير مباشر على ما تعرض له عشرات المواطنين البسطاء الذين تسلموا من ''اردوغان'' نفسه مفاتيح شقق جديدة، وعندما ذهبوا بأغراضهم ليضعوها في شققهم، فإذا بالمفاتيح لا تفتح الأبواب التي ظلت موصدة حتى اللحظة، وليت الخداع توقف عند ذلك، فالمئات اكتشفوا وبعد أن انتهت زفة الانتخابات أن أجهزة الكومبيوتر المحمول التي أهديت لهم لا تعمل بل عصية على الإصلاح أيضا· على أية حال، تلك تفاصيل، لكن لا أحد قدم تفسيرا لقيام نحو خمسة ملايين مواطن بالتصويت لحزب الحركة القومية المعادي للاتحاد الأوروبي، الرافض بشدة أي تخاذل بشأن محاربة العناصر الانفصالية، والمؤيد لأي عمل عسكري في شمال العراق، تقدم العدالة للأمام هذا صحيح، لكن الصحيح أنه فقد نحو 25 مقعدا لصالح اليمين القومي الصاعد، وهو ما يعني - قياسا على سوابق تاريخية في العقود الستة الماضية- أن ''اردوغان'' عليه أن ينتظر الخطوة الأولى نحو التراجع ·· فتلك هي الحياة السياسية التركية!!
المصدر: أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©