الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غزو العراق··· والبحث عن النهوض من نير القهر

غزو العراق··· والبحث عن النهوض من نير القهر
17 مارس 2008 01:32
مرور خمسة أعوام على الغزو الأميركي للعراق، يعد مناسبة لاستطلاع آراء عدد من الخبراء العسكريين والساسة والمتخصصين في الشؤون الدولية، بهدف معرفة رأيهم في تقييم ما أحرزه الغزو من نتائج، وما إذا كان العراق قد مضى بالفعل في وجهة الاستقرار الأمني وإعادة البناء والمصالحة السياسية والتحول الديمقراطي، وهي أهم الأهداف التي بني عليها الغزو، وفيما يلي نلخص وجهة نظر كل واحد من هؤلاء الخبراء· يقول ''بول بريمر'' -حاكم سابق للسلطة الانتقالية في العراق- إن الأداء العسكري لقواتنا كان باهراً في تنفيذ خطة الغزو والإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي طالما اتفقت شتى الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض، على تصنيف نظامه على أنه إرهابي، لكن وعلى إثر وصولــي إلـــى عراق مـــا بعد صدام حسين، بصفتي رئيساً للسلطة الانتقالية هناك، سرعان ما تبين لي أن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن على استعداد كاف للتعامل مع المخاطر الأمنية المتنامية، وبالنتيجة فقد عمّت أعمال النهب في كافة المدن العراقية، دون أن يردعها أحد، وبحلول نهاية عام ،2003 حيث تنامى الإرهاب والتمرد بشكل ملحوظ، بدا واضحاً أن التحالف الدولي كان يفتقر لاستراتيجية ناجعة لمكافحة التمرد· ورغم ما أثبته جنودنا في ميدان القتال، إلا أن التخطيط السابق للحرب لم ينشر سوى أقل من نصف العدد الكافي من الجنود، الذي أكدت دراسات مستقلة أهمية نشره لإنجاز مهام ما بعد الغزو، كما أن بلادنا لم تكن لها خطة خاصة بتمكين الحكومة الانتقالية من القيام بالمهمة الأساسية الملقاة على عاتق أي حكومة كانت كتوفير الأمن للمواطنين، وقد نما اعتقاد هناك عن عجز التحالف الدولي عن حماية المدنيين· وكان من واجبي أن أدفع منذ وقت مبكر من وصولي إلى العراق، باتجاه تبني استراتيجية عسكرية أكثر فعالية، إذ يلاحظ أن تنظيم القاعدة قد استثمر كثيراً ذلك الفراغ الأمني خلال الفترة الممتدة بين عام 2004 وحتى نهاية العام الماضي، إلا أن استراتيجية زيادة عدد القوات التي تبناها الرئيس بوش في العام الماضي، تمكنت من وضع حد لدائرة العنف الشريرة هذه· أما ''رتشارد بيرل'' -رئيس مجلس السياسات باللجنة الاستشارية لشؤون الدفاع 1987-2004- فيقول إن قرار غزو العراق كان صائبا، وقد أنجز في 21 يوماً فحسب، وبموجبه تم تحرير 25 مليون مواطن عراقي من بطش صدام، لكن ومن حينه بدأت المشكلة، فبدلاً من تسليم العراق للعراقيين كي يبدأوا عملية بناء أمتهم، تحفظت مجموعة من كبار مسؤولي الإدارة، بمن فيهم وزير الخارجية السابق ''كولن باول'' و''كوندوليزا رايس'' مستشارة الأمن القومي حينئذ، و''جورج تينيت'' المدير السابق لوكالة ''سي آي إيه''، بموافقة الرئيس بوش، وعليه تخبطنا في خطة احتلال أفضت إلى استشراء تمرد دموي لم نبدأ الخروج من جحيمه -العراقيون ونحن- معاً إلا مؤخراً، وبسبب ثقتنا الزائدة واعتقادنا بأننا نعرف كيف يعاد بناء العراق أكثر من العراقيين أنفسهم، ارتكبنا خطأً فادحاً بإرسال أميركي كي يحكم العراق، ورغم أن ''بول بريمر'' قد قلل من فداحة هذه المهمة فيما يبدو، إلا أنه بذل أقصى ما في وسعه لكي يجعل من ''فسيخ'' تلك الخطة ''شربات''، ومن أشد ما لفت انتباهي الآن أننا لم نسع لتولية معارضي صدام من ذوي الشعبية والنفوذ الواسعين مهام السلطة الانتقالية تلك، أما قواتنا العسكرية، فقد كان ممكناً لها أن تواصل بقاءها هناك وفق اتفاق يتم التفاوض عليه، لكن وبعد مرور خمس سنوات الآن، وكل تلك الخسائر المروعة التي لحقت بنا، فربما حانت الفرصة للتوصل لاتفاق كهذا· وترى ''كنيث إم· بولاك'' -مدير سابق لشؤون الخليج العربي بمجلس العلاقات الخارجية وزميل بمؤسسة ''بروكنجز''-: ان الأهمية الآن في كيفية مغادرة العراق الآن وليس في الكيفية التي دخلنا بها! فإذا ما خلفنا وراءنا عراقاً أكثر استقراراً وأقل خطراً أمنياً على جيرانه من ذلك الذي غزوناه، فعندها سوف تسقط عنا كافة الأخطاء الاستخباراتية التي ارتكبناها بشأن أسلحة الدمار الشامل والعلاقة المزعومة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة··· إلى آخره من مبررات الغزو -بما فيها خطأي الشخصي بالطبع- أما إذا خلفنا وراءنا عراقاً تعمه الحرب الأهلية، وتسوء فيه أحوال المواطنين أكثر مما كانوا عليه في عهد صدام، بينما أصبح الشرق الأوسط أشد عرضة لخطر تفشي الفوضى العراقية فيه، فعندها لن يأبه أحد لمدى حسن نوايانا السابقة للغزو· ''بول دي· إيتون'' -جنرال متقاعد، تولى مسؤولية تدريب الجيش العراقي 2003-2004- يرى أن الكونجرس الاميركي فشل في تأكيد سلطاته ونفوذه أمام الجهاز التنفيذي للحكومة في تلك الحرب، وبسبب ذلك الفشل فقد استمرت المصاعب التي واجهها الجيش، بسبب عدم كفاءة وزير الدفاع في خوض حرب يتحقق فيها النصر الفعلي لقواتنا في العراق، وفيما لو نهض الكونجرس في وجه التركيز المطلق للسلطات بيد نائب الرئيس ووزير الدفاع، لما وجدت قواتنا العسكرية نفسها في هذا المأزق الذي هي فيه اليوم، ويعود السبب في كل هذا، إلى تعنت الكونجرس الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون وامتناعه عن عقد جلسات الاستماع وإجراء التحقيقات اللازمة حول أدائنا العسكري هناك· ومن بين من غيروا وجهة نظرهم بعد أن أيدوا تلك الحرب ''فريدريك كاجان'' -باحث مقيم بمعهد ''أميركان إنتربرايز''- الذي قال: على الرغم من كوني أحد المعارضين لتفضيل الإدارة لاستراتيجية الحروب التقنية العالية، القائمة على محدودية النشر الميداني للجنود على الأرض واستخدام التكنولوجيا الحربية المتطورة في المقابل، وبخاصة معارضتي لتكرار نموذج الحرب الأفغانية على العراق، إلا أنني أيدت متحفظاً الغزو على العراق، وقد ثبتت صحة تحفظاتي تلك لاحقاً، إلا أن الظاهرة الأكثر إثارة في هذه الحرب، هي التحول الذي حدث للجيش الأميركي، إلى القوة الدولية الأكثر فاعلية في مكافحة التمرد على الإطلاق، ويعود السبب في ذلك إلى النجاح الباهر الذي حققته قواتنا في الدمج بين التقدم التكنولوجي العسكري من جهة، والتفاعل الإنساني بين جنودنا والمواطنين العراقيين من الجهة الأخرى، وقد أسفر هذا الدمج عن انقلاب هزيمة عسكرية محتومة إلى نصر مؤزر، بدأت تلوح ملامحه منذ إقدام الجنرال ''ديفيد بترايوس'' على تطبيق خطة زيادة عدد القوات في العام الماضي، وعلى الرغم من وقوف مسؤولين كبار وراء هذا النجاح، إلا أن الفضل المباشر فيه يعود إلى الجنود المرابطين في ساحات القتال، وإلى المدنيين العراقيين المتحالفين معنا، الذين خاطروا بحياتهم دفاعاً عن بلادهم وتضحية من أجلها· ''أنتوني دي· كوردسمان'' -زميل بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية- إن أشد ما يثير دهشة المرء إزاء سير هذه الحرب، هو فشل إدارة بوش المستمر منذ عام 2003 وحتى 2006 في ابتكار برامج ناجعة في مكافحة التمرد، وفي تعزيز جهود إعادة البناء والتنمية وتوفير المساعدات اللازمة، إلى جانب فشلها في الدفع بالعراقيين نحو المصالحة الوطنية، وبناء القوات العراقية ذات الكفاءة، وبصفتي جمهورياً فإنه لم يخيل إليّ مطلقاً أن يهدر الرئيس ''بوش'' ونائبه ''ديك تشيني'' ووزير دفاعه السابق ''دونالد رامسفيلد'' كل الفرص الثمينة التي أتيحت لهم، وأن يبلغ بهم العجز والضعف حداً يجعلهم أنداداً بل أكثر سوءاً من رموز الطاقم الأمني والدفاعي للرئيس الأسبق ''ليندون جونسون''· ويقول ''ناتانيل فك'' -زميل بمركز ''نيو أميركان سكيوريتي''- إنه كان بين أفراد كتيبة قوات المارينز المرابطة في الصحراء الكويتية في انتظار صدور قرار الغزو في شهر فبراير من عام ،2003 مضيفا قوله: عندما تابعنا عبر جهاز الراديو، وزير الخارجية ''كولن باول'' وهو يلقي خطابه أمام الأمم المتحدة، الذي أكد فيه حصول العراق على أسلحة الدمار الشامل، وكانت خطتنا العسكرية قد بنيت حول ما يجب القيام به، في حال لجوء ''صدام حسين'' لاستخدام أسلحته الكيماوية ضدنا، وما أكد تلك الهواجس، اعتقالنا لأحد الضباط العراقيين في اليوم الثاني للحرب وهو يحمل قناعاً واقياً ضد الغازات السامة، وقد أسفرت التحقيقات التي أجريناها معه عن عدم استبعاد استخدام صدام لأسلحته الكيماوية تلك، ولم ننتبه لتلك الخدعة المدبرة إلا لاحقاً، حين تبين لنا عدم وجود أي أسلحة كيماوية مزعومة، قصد بها صدام تضليل الرأي العالمي، بل وتضليل القوات الغازية لبلاده بالذات، وبالفعل حقق ''صدام'' نجاحاً في تشتيت خططنا العسكرية وصرف أنظارنا عن خطر التمرد الحقيقي الذي نواجهه اليوم، وفيما لو تنبهنا لذلك التضليل في حينه، لما كنا في مواجهة التمرد الذي لا نزال نخوض حرباً ضده، على رغم مرور خمس سنوات على الغزو· وتقول ''آن ماري سلوتر'' -عميدة كلية ودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية في برينستون-: بعد شهر واحد فحسب من تأمين قواتنا للعاصمة بغداد في أبريل من عام ،2003 بدأ بعض العراقيين نهب كنوز المتحف الوطني، وعندها إما كانت قواتنا أقل عدداً مما هو مطلوب، أو أننا لم نكترث أصلاً لنضع حداً لعمليات النهب تلك، باعتبارها لم تكن أولوية من أولوياتنا العسكرية على حد تصريح ''دونالد رامسفيلد'' وزير الدفاع '' والجنرال ''رتشارد مايرز'' -رئيس القيادة المشتركة لأركان الحرب حينئذ-، وقد تكشف ذلك التقصير لاحقاً عن أن لبلادنا القدرة على الدمار، دون القدرة على البناء والتعمير، والحقيقة أن حماية الرموز الثقافية للتراث العراقي كانت من أوجب واجبات بناء الديمقراطية، على الأقل لأولئك الذين يدركون معنى تاريخ العراق وقيمة وعراقة ثقافته· وسوف يواصل الأميركيون دفع ثمن ذلك الجهل باهظاً لعدة عقود تالية· إن تلك التماثيل والكنوز المتحفية النادرة التي سرقت أو حطمت، إنما ترمز إلى فداحة الخطأ والخسائر الفادحة التي تكبدناها وتكبدها العراقيون، ذلك أنها كنوز يسهل هدمها بينما يستحيل التعويض عنها أو إصلاحها· أما ''دانيل بليتكا'' -نائب رئيس دراسات السياسات الخارجية والدفاعية بمعهد ''أميركان إنتربرايز''- يقول: لطالما اعتقدت وأنا مرتاح البال، أن كل الشعوب التواقة إلى الحرية، سوف تحسن استخدامها ما أن تحصل عليها، غير أن التجربة العراقية أثبتت لي خطأ هذا الاعتقاد، وعندها أدركت ألا وجود لثمة شيء اسمه ''جينات الحرية''، أي ليس هناك من مرشد نفسي داخلي، مدرك لفضائل المجتمع المدني، ولوجود الأحزاب السياسية المتعددة، وعملية الاقتراع السري، بل اتضح أن سنوات بطش ''صدام حسين'' قد كيفت العراقيين على الامتثال للقيادة غير الشرعية، وعلى تحمل الفساد، والركون لسلطة العشيرة والطائفة الدينية على الفكر· ولا يزال على العالم الحر تقديم العون لضحايا الاستبداد في سبيل القيام بدورهم في النهوض من نير القهر، ما أن تتاح لهم الفرصة المناسبة· ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©