الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السجن أو الانتحار أو الموت.. نهايات حتمية للإدمان

السجن أو الانتحار أو الموت.. نهايات حتمية للإدمان
30 ديسمبر 2012
لم تشهد البشرية من أوبئة تحصد البشر، يفوق تأثيرها الطاعون والإيدز، مثل وباء المخدرات!، لكن الاختلاف الكبير الذي يقدم إدمان المخدرات عما سواه، أن أي وباء يمكن محاصرته والتعامل معه مهما كانت خطورته. لكن المصيبة الأكبر تكمن في استحالة محاصرة آثار الإدمان المدمرة وقصرها على الشخص المدمن فقط، بل إنها تمتد لتشمل أسرته والمجتمع الذي يعيش فيه بأسره! المخدرات.. باتت وباءً عالمياً يفوق جسامة مخاطرها ما أحدثته كافة الحروب التي دارت في أنحاء العالم على امتداد العصر الحديث مجتمعة دون أدنى مبالغة. آخر تقارير الأمم المتحدة يؤكد أن من أهم الأسباب الرئيسية لوصول تعاطي المخدرات إلى المستوى الوبائي الذي نراه عليه اليوم، هو فشل كثير من الدول والحكومات والمؤسسات المعنية في إيصال المعلومات الصحيحة حول خطر استخدام المخدرات والإدمان عليها إلى الناس، في ظل عوامل ومتغيرات عالمية عديدة خلفت ظلالاً سلبية عديدة على اتجاهات وسلوكيات الصبية والمراهقين والشباب. “الاتحاد” وبالتعاون مع “مركز أبوظبي للتأهيل”، تطرح هذا الملف الشائك من خلال التعريف بالمشكلة، وأهمية التوعية المجتمعية في ضوء المتغيرات الثقافية الجديدة، واستعراض جوانب الإدمان وأهم المخاطر النفسية والأسرية والاجتماعية، وكيفية التعامل معها على صعيد العلاج والتأهيل، على امتداد خمسة أيام. لقد أكدت تقارير الأمم المتحدة، أن من الأسباب الرئيسة لوصول تعاطي المخدرات للمستوى الوبائي اليوم، هو فشل المؤسسات المعنية في الماضي في كثير من دول العالم المختلفة في إيصال المعلومات الصحيحة حول خطر استخدام المخدرات على الناس والشباب والكبار، ولقد بدأت كثير من الدول والمؤسسات اليوم تعي أهمية إعطاء معلومات صحيحة ودقيقة، وذلك لمساعدة الشباب في التعرف على القيم الإيجابية لعدم تعاطي المخدرات، ومن ثم التعرف على أساس هذه القيم، فعلى الرغم من الجهود الإعلامية التي بذلت وتبذل في مجال التوعية بأضرار المخدرات، فإنه لا يزال هناك من يعتقد في فوائد المخدرات ويتعامل معها من هذا المنطلق. اعتقادات زائفة هناك دراسات متخصصة عديدة، تؤكد أن أحد أهم أسباب تعاطي المخدرات هو الاعتقاد الزائف بفائدتها وقلة الضرر منها، وعدم الاستبصار بمآلها الطبي والنفسي والاجتماعي، ومن ثم يجب أن تكون برامج الوقاية والعلاج والتأهيل تستند إلى طبيعة اتجاهات المراهقين والشباب نحو مشكلة الإدمان، وكيفية الوقاية منها. لذلك نجد أن من المهام الأساسية عند دراسة مشكلة تعاطي المخدرات والعوامل المؤثرة فيها والعمل على الوقاية منها، أنه لا بد من التعرف على اتجاهات المتعاطين المرتبطة بهذه المشكلة، والتعرف على طبيعتها، هل هي اتجاهات إيجابية أم سلبية نحو الإدمان والمشاركة في برامج الوقاية؟ وما هو الشكل الذي تتميز به تلك الاتجاهات؟. وكيف يمكن العمل على توجيه وتغيير الاتجاهات السلبية نحو المشاركة في برامج الوقاية من الإدمان، إلى اتجاهات إيجابية مما يدعم فاعلية البرامج وتأثيرها في الشباب للوقاية من الإدمان. اعترافات يروي «م.ع.ع. شاب عمره 25 عاماً»، رحلته مع الإدمان، ويقول: «بدأت طريق الانحراف في المرحلة الابتدائية، حيث تعلمت من رفاقي التدخين، في ظل غياب رقابة الأسرة، وعندما كانوا يسألون عن رائحة الدخان في ثيابي أتعلل بجلوسي مع بعض المدخنين، مضت الأيام ولم أستطع أن أقاوم رغبتي في أن أجرب الخمر، ثم الحشيش، اللذين تناولتهما خلسة بعيداً عن عيون الأهل». ويكمل: «تعددت سهراتي خارج المنزل، وكنت أتسلل للبيت خلسة في جنح الظلام، وعشت جو السهرات مع رفاق السوء، وتردت حالتي الدراسية، واضطررت للكذب على الأسرة للحصول على الأموال، واستدنت وسقطت في شرك القروض، وسافرت مع بعض أصدقاء السوء إلى تايلاند، وفي سهرة ماجنة هناك جربت الهيروين لأول مرة بحثاً وراء متعة قاتلة في عالم افتراضي، صحوت منه لأجد نفسي مدمناً. واضطررت لأن أعيش بعيداً عن أسرتي حتى لا أجلب لهم العار بعد أن تورطت في قضية ما، إلى أن سقطت في أيدي الشرطة، وليس أمامي طريق إلا التوبة والعلاج. لقد بدأت أشعر بأنني أعيش من جديد». حتمية الكذب ويقول شاب آخر«ح.غ.ش»: «كنت أشعر بالفراغ والملل، ورافقت شلة من رفاق السوء، وجاريتهم في كل ما يعملون، ولم أستطع يوماً أن أقول لهم «لا»، قال لي أحدهم يوماً: جرب هذه الحبوب، وكانت حبوب الهلوسة، ودخلت حينها عالم المخدرات من أوسع أبوابه، وعندما بلغت السادسة عشرة، أقنعني صديق بأن الحشيش مثل الدخان، ليس فيه إدمان، وأنني أستطيع أن أقلع عنه في أي وقت، لكن للأسف منذ ذلك اليوم أدمنته، وعرفت أنه عادة ما يكون مخلوطاً بالهيروين حتى يسبب إدماناً». ويضيف:«تطورت علاقاتي مع المدمنين والمروجين حتى تعرفت على المروج الكبير، فكان يعطيني كميات من الحشيش لأقوم ببيعها للشباب في مقابل نسبة منها أتعاطاها، وبعد ثلاث سنوات من إدمان الحشيش شعرت بأنه لم يعد يكفيني هو ولا الخمور ولا الحبوب، فنصحني أحد الشباب بأن أجرب الهيروين، ومن ثم تحطمت حياتي، وزادت مصروفاتي، وكنت أدخل البيت وأسرق النقود من جيب والدي، وبعض الأشياء الثمينة كالذهب وأبيعها لأوفر ثمن جرعة الهيروين». كذب واحتيال من جانب آخر يقول صاحب القصة: «كثيراً ما كنت أكذب وأحتال على الوالد المسكين، ففي إحدى المرات أخذت كرتون علاج من البيت، ثم ركبت معه السيارة، وقلت له: أريد أن أشتري الدواء من الصيدلية، وأعطاني النقود وجلس في السيارة، فنزلت وذهبت إلى أحد المروجين واشتريت منه جرعتين من الهيروين، ثم رجعت للوالد بسرعة، وسألني عن سبب التأخير، فتعللت بأن الصيدلي كان يصلي وقال: أين الدواء؟ فأخرجت له الدواء الذي كنت قد أخذته من البيت. ومن ثم زادت مشاكلي، وديوني، وتورطت في أكثر من قضية، وافتضح أمري، وفشلت في دراستي، وأنا الآن أحاول أن أستعيد شيئاً مما فقدت، والله المستعان». سمات المدمن يشير الدكتور محمود رشاد، الاستشاري النفسي بمستشفى الأمل بالدمام «السعودي» إلى سمات شخصية المدمن، والانعكاسات النفسية السلبية بسبب الإدمان، ويقول: «شخصية المدمن عادة ما تكون شخصية غير سوية قبل الإدمان، وتتحول إلى شخصية مليئة بالاضطرابات والمشاكل النفسية بعد الإدمان، فمعظم المدمنين عانوا في طفولتهم مشاكل عديدة، ومنهم من يهرب من واقع مؤلم يعيشه، ومنهم من يهرب بعيداً إلى المخدر بحثاً وراء نشوة أومتعة زائفة، لكنه في النهاية شخص مريض، ومرضه يحتاج علاجاً وتأهيلاً خاصاً. انحراف أم مرض؟ إن الإدمان يقود صاحبه عنوة وقهراً إلى النهاية الحتمية إن استسلم لإنكار حاجته إلى العلاج، والذين سقطوا في شراك الإدمان، وابتلوا بويلاته وأمراضه، ومصائبه وأوحاله، يصفونه بأنه «بداية النهاية»! لأن من يؤجل قرار التوقف الفوري والعلاج منه لا تنتظره سوى نهاية حتمية واحدة من بين اثنتين لا ثالثة لهما «الانتحار..أو الموت»! فظاهرة تعاطي المخدرات والإدمان عليها عرفتها المجتمعات البشرية عموماً على مر الزمن والعصور، حتى أصبحت مشكلة علمية معقدة ذات تأثيرات سلبية مدمرة ومتعددة، ولا يمكن قصر هذه التأثيرات على الشخص المدمن فقط، بل إنها تشمل الأسرة والمجتمع بأسره». و يتساءل الدكتور رشاد: هل الإدمان انحراف سلوكي أم مرض نفسي؟ ويجيب: «كثيرون يتحدثون عن إدمان المخدرات على أنه جريمة وجرم وانحراف أخلاقي، بل وطالب البعض في أوقات وأماكن عديدة بضرورة استئصال هذه الفئة من المجتمع لما يخلفه الإدمان من دمار وترد وآثار سلبية خطيرة على كافة المستويات. ومع تغير النظرة العلمية والطبية للمدمن والإدمان كمرض أو سلوك، تغيرت معه طرق وأساليب العلاج والتأهيل، ومن المؤكد أننا لا ننفي مسؤولية الشخص عن إدمانه بشكل قاطع، فالمدمن يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية بكل تأكيد، وعليه أن يواجه مسؤوليته في العلاج، لكن علينا أن نلتفت إلى جوانب مهمة للغاية قد تعيننا على تفهم حقيقة الإدمان كمرض عضوي ونفسي واجتماعي، أو أهمية تغيير النظرة المجتمعية إلى المدمن. عدم استبصار فالواقع يقول إن جميع مدمني المخدرات تقريباً لم يكن لديهم الوعي الكافي والاستبصار الحقيقي بما ستؤول إليه حالتهم بعد الإدمان، أو حقيقة إدراكهم لمخاطر حب الاستطلاع والميل إلى حب التجربة عندما تعاطوا المخدر للمرة الأولى، أو تصورهم بأنهم سيكونون قادرين على التوقف عن التعاطي في أي وقت يشاؤون، ومن المؤكد أن هذه النماذج لم تكن محصنة نفسياً أو قيمياً وسلوكياً ضد اكتساب القيم والثقافات والسلوكيات والعادات الغريبة أو الضارة بقدر كافٍ، وتلك مسؤولية الأسرة والمجتمع بأسره، فضلاً عن وجود تفاوت وفروق فردية- سلباً وإيجاباً- بين الناس في كيفية التعامل مع مشاكل وضغوط الحياة المتعددة، هذا إلى جانب وجود بعض من الأمراض أو الاضطرابات النفسية التي تسهم في حدوث الإدمان، دون أن ننسى أن المتعاطي عندما تحول كراهية إلى «مدمن»، فإن الإدمان يتسبب في تشويه صورته وشخصيته وكيانه من جميع النواحي، ويفقد السيطرة على نفسه. وتختفي وتتوارى كل اهتماماته ومفردات معايير كل القيم لديه، ولا يصبح له سوى هم واحد هو «الحصول على المخدر» بأي طريقة وبأي ثمن، ويذوب ضائعاً في دوامة المشاكل، ويتحول إلى بقايا أوحطام إنسان يحتاج إلى إعادة «ترميم» وتأهيل، وهذا يستحيل أن يقدم عليه بمفرده، فالنظرة إلى مدمني المخدرات في العقدين الأخيرين قد تغيرت في العالم بأسره، وأصبح التعامل معهم على اعتبار أنهم «مرضى»، وأن الإدمان مرض من الأمراض، وأن أصحابه يحتاجون تدخلاً مهنياً دقيقاً وفق برنامج علاجي طبي ونفسي واجتماعي وتأهيلي متكامل». المخدرات تهدد استقرار المجتمع وأمنه انتشار المخدرات والإدمان عليها يهيء الأرضية الخصبة لكثير من الخروقات الأمنية والدافع المباشر، أو غير المباشر لعدد من الجرائم المرتكبة ذات التأثير السلبي على استقرار المجتمع وأمنه، ذي الصلة بالأشخاص، أو المعلومات، أو المعدات، أوالمنشآت، حتى أصبح الإدمان ثغرة أمنية ينظر إليها من حيث الصلة بين الجريمة وتناول المخدرات، وتؤكد الدراسات أن المخدرات مسؤولة عن تحفيز الميل لارتكاب الجريمة الموجود أصلاً في التكوين النفسي لبعض الأفراد، وعندها يصبح تناول كمية منها كافيا لدفع الشخص - أي من لديه ميول ذات طبيعة إجرامية في الأصل- باتجاه ارتكاب جريمة معينة خاصة لمن اعتاد العنف، ذلك أنها- أي المخدرات - تضعف من القدرة على الإدراك ومن السيطرة على الإرادة بالمستوى الذي لا يستطيع فيه المدمن كبح دوافعه الإجرامية، وأنها بنفس الوقت تبدد الخوف من العقاب، وبالمحصلة يمكن القول إنها تغلب عقد العزم على ارتكاب الجريمة على الدفاعات المانعة منها. وإذا ما أضفنا إلى ذلك جرائم وحوادث الطرق، فإن الصورة تكون أكثر ضبابية «لأن المخدرات تقلل القدرة على الرؤية الواضحة، والانتباه اللازم للقيادة، والقوة العضلية اللازمة للأداء الحركي في الوقت المناسب، إضافة إلى الثقة المفرطة بالنفس إلى حد المغالاة في أحيان كثيرة». تصدعات اجتماعية على صعيد الأسرة والمجتمع الأخصائية الاجتماعية موزة المنصوري، توصف الانعكاسات الاجتماعية للإدمان على صعيد الأسرة والمجتمع، وتقول: «ترى أنه إذا كانت الحكمة القديمة، تقول «الوقاية خير من العلاج»، فإن خبراء التربية والعلوم السلوكية يجمعون على أن أفضل سبل الحماية الأسرية للأبناء ووقايتهم من أي انحراف، تتمثل في تنشئة الأبناء بعيداً عن التفكك أوالتصدع الأسري، وحمايتهم من كل مظاهر الإيذاء النفسي أو الجسدي، وتحصينهم بسياج آمن من المبادئ والقيم الأخلاقية والسلوكية منذ نعومة أظفارهم، وتربيتهم على وازع ديني قوي، وفضائل أخلاقية وسلوكية تتمثل في قدوة والدية حسنة، وتجنيبهم ازدواجية المعايير والضوابط بما لا يشتتهم بين ما هو صحيح وما هو خطأ، وأن ينشأ الطفل في بيئة اجتماعية صحية، ويتعلم مبكراً «كيف.. ومتى يقول «لا»، وكيف لا تصبح شخصيته فريسة سهلة للانقياد والتبعية لرفاق السوء، وتعويده على الحوار والوضوح والصراحة والمناقشة بعيداً عن لغة التخويف والزجر والتهديد والتحقير التي تدمر ثقته بنفسه وكيانه، وأن يعي مبكراً «الخطوط الحمراء» التي يجب أن يقف عندها، مع أهمية عدم الإسراف في التدليل والحماية المبالغ فيها حتى لا يكتسب «الاعتمادية»، ويألف تحمل المسؤولية وتشجيعه على السؤال والاستعانة بوالديه أو مدرسيه عند الحاجة. وأن يدرك أن قيم الأسرة هي مرجعيته الأولى، إلى جانب تكامل وتناسق المتابعة والتعاون بين الأسرة والمدرسة، ومتابعة علاقته برفاقه، وملاحظة نشاطاته وهواياته واهتماماته عن كثب، وهذا لا يتأتى إلا بقرب والديه وأفراد أسرته منه، ووجود مناخ صحي للحوار والمكاشفة، وهذا يسهم في التعرف المبكر على تورط الطفل أو الصبي أو الفتى في أي ظاهرة سلوكية سلبية ربما لا يدرك أبعادها وخفاياها، وبالتالي يسهل التعامل معها وتجنبها، أما إذا حدث خلاف ذلك لأي سبب من الأسباب، وتورط الفتى في أي من مشاكل التعاطي، يجب ألا يتعامل الوالدان مع الحالة على أنها جريمة لا تغتفر، أو اعتبار الفتى مجرماً يستحق العقاب وحتى لا يشعر بأنه انتهى وأصبح في عداد المجرمين، بل يجب استيعابه والوقوف على الأسباب الحقيقية للانحراف، والاستعانة بأهل التخصص والخبرة إن دعت الحاجة، والابتعاد مع المراهق عن لغة النصح المباشر لأنه لا يحبذ هذا النوع من النصح، ويعتبره نوعا من فرض الوصاية والمواجهة التي لا بد أن ينتصر فيها، بل ندعه يشعر بأننا نقف معه ولسنا خصما له، وأن كل من يحبونه سيساعدونه على الخلاص من المشكلة التي تورط فيها». الحلقة الثالثة غداً: أهمية التوعية المجتمعية في مكافحة المخدرات والادمان
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©