الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

"البقشة" تمزج الموروث بالنقد الاجتماعي

"البقشة" تمزج الموروث بالنقد الاجتماعي
25 يوليو 2007 04:29
عندما تقدم السخرية ممتزجة بالدراما تبدو المهمة صعبة في توجيههما معاً مما يجعل المتلقي في حيرة بين المواقف الكوميدية والتراجيدية الهادفة، ذلك ما أراده اسماعيل عبدالله مؤلف مسرحية ''البقشة'' من إنتاج مسرح الشارقة الحديث والتي عرضت أمس الأول على مسرح المجمع الثقافي في أبوظبي ضمن مهرجان المسرح 2007 الذي تنظمه جمعية المسرحيين وتستضيفه في أبوظبي هيئة أبوظبي للثقافة والتراث· ''البقشة'' تعبير عن رأي أراد له مخرجه أحمد الأنصاري أن يقدم انتقاداً للنخبة الاجتماعية·· فالمسرح يقدم بديكور بسيط 5 طاولات وكراس لا تتغير طوال العرض·· الإضاءة هي العنصر المتغير وعلى 5 مراحل وخمسة أشخاص من شرائح اجتماعية وثقافية يجتمعون في مقهى منهم صاحب المقهى الأعمى الذي قام بدوره الممثل (حسن رجب) وصاحب التاكسي الذي ادى دوره (موسى البقيشي) والمدير العام الذي انيط بـ(جمال السميطي) والمثقف الذي برع في تأدية دوره (مرعي الحليان) وجاسم الخراز في دور (خريج جامعي عاطل)· ''البقشة'' مفردة موروثية وهي قطعة قماش كبيرة توضع فيها حاجيات وتربط من أطرافها الأربعة وتخصص عادة للسفر والانتقال وأجمل ما فيها انها تحمل ببساطة فوق الرؤوس لسهولة ذلك وبسبب الفقر فقد استعيض بها عن الحقائب التي دخلت متأخرة على البيئة الثقافية لمجتمعاتنا الخليجية وما جاورها· حول موضوع واحد يبدأ النص·· خمسة أشخاص يتجمعون في مقهى ويغلق باب المقهى فيدور بينهم حوار طويل قبل أن يدخل عنصر ''البقشة'' الملغومة بتصورهم بـ(قنبلة) فتحرك المشهد الذي ظل ساكناً لفترة طويلة من بدايات المسرحية مما أكسبه هذا التطويل مللاً بالرغم من أنه قد يعد تمهيداً للحدث الأساسي· ''البقشة'' بدخولها خشبة المسرح تتحرك الأحداث التي كانت صراعاً بين الشخوص الى توحد أمام قضية اكتشاف المجهول في جسد ''البقشة''·· وأظن أن إسماعيل عبدالله أراد ذلك·· وللمفارقة ان من يكتشف ان ''البقشة'' لا تحتوي على المتفجرات التي ظن الشخوص جميعاً ذلك هو الأعمى بحكم الصدفة في لحظة الفزع التي انتابت الجميع حيث يقع الأعمى فوقها ليسخر من خوف الآخرين·· وبعد أن يستغرق المتلقي في التفكير بماذا تحمل هذه البقشة يكسر المؤلف ''افق توقع'' المتلقي حينما نجد أن ما بداخلها ''بشوت'' ومفردها ''بشت'' وهي لباس يرمز اجتماعياً لرفيعي المستوى من الأشخاص ممن يمثلون قمة هرم البنية الاجتماعية وعلية القوم في دول الخليج·· وكأن القضية قد تحولت من ''البقشة'' بوصفها فعلاً موروثياً الى ''البشت'' بوصفه كياناً اجتماعياً شكّل لهؤلاء الأبطال الخمسة مشكلة فردية لكل واحد منهم·· حينذاك ابتدأ اسماعيل عبدالله بتقديم هذه العناصر ومشكلاتهم الواحد تلو الآخر ليرووا حكاياتهم مع البشت· لعب الأنصاري على الضوء وعلى استبعاد عناصر كثيرة من المقهى، ولم يقدم أي شراب في المقهى وكأنه أعد للمسرح، ابقى على الديكور صامتاً ولم يحركه، انه اعتمد النص اذاً، النص لا غير وكأنه أراد أن يرمز للمقهى عبر الطاولات والكراسي فقط ليقول لنا إن روح المسرح هو نصه، حواراته التي تكشف العمق الاجتماعي·· النقد الساخر، الكوميديا الممتزجة بالموقف من العالم·· من التقاليد·· وفي حركة المثقف ''مرعي الحليان'' عندما يعتلي الطاولات والكراسي في أغلب حواراته كشف الانصاري أن روح المثقف هي هكذا·· ان يتصدر الأماكن المرتفعة·· الضوء والظلمة هما لعبتا الانصاري الوحيدتان، يسلط الضوء على أرضية المسرح فيخلق عمقاً ويسلطه تارة أخرى على الزوايا·· وينهيه بالانطفاء التدريجي لتعتم القاعة منهية المسرحية بلا حلول· هكذا أراد اسماعيل عبدالله أن يقدم موقفاً من ''البشت'' ولا يعطي حلولاً، كل ذلك قد تركه للمتلقي مصحوباً بموقف ''بريختي'' وبطرفة لذيذة وبشخوص يبقون في الذاكرة، ولكن إسماعيل عبدالله في تعرضه للمؤسسة الاجتماعية بوابل من النقد عوض بالبشت عما لم يجده الشخوص من ''قنابل'' في ''البقشة''·· وقد نتساءل هل أراد أن ينتقد الموروث الذي حمل في ''بقشته'' اعرافاً اسبغت على النخبة صفة المهيمن وكأني به أراد أن يقرأ موروثات البنى الاجتماعية الخليجية ويفككها من خلال الملبس· الأنصاري لعب مع بواطن النص ولم يسرح بعيداً عنه في بهرجة الديكور وتغيراته اللامبررة·· نص كبير وإخراج يوازيه·· التفاتات لشرائح مهمة لها مواقف انسانية وأخلاقية جسدها الحليان وحسن رجب وجمال السميطي والبقيشي بكل براعة بالرغم من كثرة الفجوات أو (الفراغات) التي لم تملأ وفق المنظور المسرحي إلا بدخول عنصرين مهمين ''البقشة'' و''البشوت'' اللذين حركا عتبة السكون الذي أصاب القسم الأول، وقد نبشت هنا حالة شابت العرض وهي ارتفاع الأصوات للممثلين جميعاً وكأنهم يمثلون على درجة واحدة من الصوت· إن التحول من النص القصصي الى الرؤية النقدية وكليهما يمتزجان بالطرفة والسخرية وفيهما نمط جديد من التأليف أحسب أن المسرح بحاجة إليه· وأخيراً يمكن تسجيل أهم المشاهد لصالح النص المسرحي حينما ألقى المثقف - الشاعر قصيدة اتسمت بمنتهى التطرف الحداثي واللامعقول بالشعر وبصورها المتداخلة الغريبة التي أراد فيها المؤلف أن - ينتقد إلا ان الجمهور استقبلها بصمت مطبق ولم تثر ضحكة بالرغم من صورها الفنتازية وحين انتهى المثقف منها قابله الجمهور بالتصفيق والإعجاب·· هنا برع ''مرعي الحليان'' في تقمص دوره الناجح فأضاف تألقاً على براعته، انه نص يحسب للمسرح الإماراتي تجديداً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©