الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الأدب الاستعجالي.. هل أثرى الأدب الجزائري أم أضعفه؟

الأدب الاستعجالي.. هل أثرى الأدب الجزائري أم أضعفه؟
23 يوليو 2007 03:59
في عشرية التسعينيات دخلت الجزائر في أزمة أمنية خانقة واغتيل عشرات المثقفين والصحفيين، وغادر المئات منهم الجزائر باتجاه فرنسا ودول أخرى فرارا بجلودهم، وظهرت الكثير من النصوص الأدبية التي ترجمت يوميات الأزمة،وباللغتين العربية والفرنسية، ولاسيما لدى الكتّاب الشباب، فأثار ذلك حفيظة الأدباء القدامى الذين هاجموا هذه النصوص وبخاصة الروائية منها وصنفوها ضمن ''الأدب الاستعجالي'' وقالوا إنها تفتقر إلى جماليات الرواية وتقنياتها،وساهم هذا النقاش في إحداث شبه قطيعة بين الطرفين· '' الاتحاد'' حملت هذه الإشكالية وتحدثت مع عدد من الروائيين الذين اختلفوا بين مؤيد ومعارض لهذا النوع من الكتابة ـ '' الأدب الاستعجالي'' ـ قال المعارضون إن أغلب من كتبوا نصوصا روائية أو قصصية ''استعجالية'' في فترة التسعينات للتعبير عن يوميات الخوف والرعب التي تميزت بها الأزمة الجزائرية، هم صحفيون ذوو ميول أدبية ونزر من الروائيين الشباب· نصوص تقريرية وللروائي والناقد محمد ساري رأي مميز في ''نصوص الأزمة والفجيعة'' إذ انتقدها مراراً وقلل من أهميتها الأدبية واعتبرها كتاباتٍ تقريرية تتصف بالتصوير الفوتوغرافي لوقائع وأحداث مرحلة الإرهاب بعيدا عن جماليات وتقنيات النص الروائي الجيد،كما اعتبرها ترجمة لحاجة الكاتب للتعبير عن مشاعره أكثر ما كانت رغبة بكتابة نص أدبي والذي يحتاج إلى حرفة ومجموعة شروط لغوية وفنية رفيعة''نحن لانكتب رواية نتحدث فيها عن الواقع كما هو موجود تماما؛الرواية تحتاج إلى حكاية منسجمة وصراعات وحبكة قصصية··· ومعظم النصوص الأدبية التي ظهرت في سنوات الدم والفجيعة وباللغتين العربية والفرنسية،مجرد شهادات عن الحياة الخاصة كتبها صحفيون ومثقفون أرادوا أن يعبروا عن خوفهم وقلقهم بروايات،لكنها كانت مُباشِرةً لصيقة بالواقع إلى حد التماثل وتصويراً فوتوغرافياً له،وكانت تعبيراً عن أفكار وحالات عاطفية وسير ذاتية وليست كتابات فنية أدبية بالمعنى المتعارف عليه· ويميل أغلب روائيي السبعينات والثمانينات بالجزائر إلى التقليل من أهمية ''نصوص الأزمة'' ومنهم الطاهر وطار وأمين الزاوي وواسيني لعرج ورشيد بوجدرة··· وحتى الأدباء الشباب الموهوبين يرفضون أيضاً هذه الكتابات التي أساءت إليهم حيث يُحسبون عليها برغم عدم السقوط في فخّها· يقول بشير مفتي،وهو أحد أبرز الروائيين الشباب الذين ظهروا في التسعينات،إن ''روايات الاستعجال'' سيّئة وجاءت بدوافع إيديولوجية تارة وتجارية تسويقية تارة أخرى؛إذ أنّ أغلب كتابها فرنكفونيون اختاروا فرنسا وجهة لهم آنذاك وكتبوا فيها رواياتٍ تهاجم الإسلاميين· وقد''تسرَّعوا'' في كتابتها لأن أحداث العنف في الجزائر كانت تستقطب أنظار العالم كله لما عرفته من مجازر مهولة،فكان من الطبيعي أن يُقرأ جلّ ما يكتب عن الأزمة فاغتنم هؤلاء الفرصة للظهور والرواج،وحينما أصبحت أفغانستان وفلسطين ثم العراق هي من يستقطب أنظار العالم،اتجه هؤلاء للكتابة عنها أيضا،وهكذا انتقل كاتب مثل''ياسمينة خضراء'' برواياته من موضوع العنف في الجزائر إلى أحداث فلسطين عبر رواية''الاعتداء'' وصولاً إلى''أجراس بغداد'' في 2006 لإبقاء الأضواء مسلطة عليه· أما الروائي الشاب عزالدين جلاوجي فيقول إنه لا يستعذب مصطلح''الأدب الاستعجالي'' الذي يُطلق هكذا اعتباطا على إنتاج جيل بأكمله، فهناك روايات جيِّدة كُتبت في التسعينات،والنصوص لا تقاس بالحيِّز الزمني الذي كُتبت فيه بل بقيمتها الفنية والروائية· إلا أن جلاوجي يرفض بدوره الروايات ''المستعجلة'' ويقول إنها''عرجاء'' لا ترسم الحياة ولا تتعمَّقها:''لست أدري ما الذي يدفع بعضهم إلى ذلك،كأنهم يقدمون خبراً في صحيفة يخشون أن يلفظ أنفاسه،ولذلك فإن معظم الذين كتبوا روايات متعجلة هم من الصحفيين وليسوا من الروائيين المحترفين، ومعظم ما كتبوه يتسم بالسطحية والارتجالية ويعتمد لغة صحفية ساذجة ويجنح كثيرا أن يكون نقلا لحادثة عاشها الكاتب فلا ترى فيها الإنسان والحياة وعبق المكان وروعة اللغة· المؤيدون ومقابل هذه المواقف الرافضة لـ''الأدب الاستعجالي'' فإن هناك أدباء شباباً يدافعون عنه ويقولون إن مهاجمة الأدباء القدامى له نابع من خوفهم على مكانتهم الأدبية، يقول الروائي عيسى شريّط إن الأجيال الراهنة من الكتّاب أكدت حضورها بشكل ''ملفت للانتباه ومحيّر أيضا'' لم تعرف الساحة الأدبية الجزائرية مثيلاً له، وهي ظاهرة ''صحية'' تستدعي''الدعم والتشجيع'' لِمَا يمكن أن تتيحه من بروز أقلام قد تكون لها الريادة الأدبية في الجزائر مستقبلا· وقال شريط إن هذه الأعمال،وإن اتسمت بالاستعجالية دون مراعاة البناء الفني والسردي المتأني،فستظل أعمالا روائية تتوفر على كل عناصر الرواية من شخوص ومواقف وأحداث··· أما الأديبة طعّام حفيظة فترى أن معظم الأعمال الإبداعية العالمية أُنجزت في خضمّ المعارك والأحداث ومنها الملحمة الخالدة''جلجامش''،كما أن روائع الأدب العربي كتبت أثناء أزمنة محددة،والنص الأدبي إذا كان غير مثقل بشواغل راهنة فلا قيمة له،وهي ترى أن الشعر الجاهلي''أدب استعجالي'' عبّر تعبيرا فنيا خالصا عن الإنسان العربي وبيئته آنذاك،كما أن المتنبي كتب''أدباً استعجاليا'' بالتعبير عن راهنه،وكتب أدباء أمريكا اللاتينية عن راهنهم فاضحين الديكتاتوريات بطرق فنية أبهرت العالم فكانت جوائز نوبل دليل عرفان لهم· وكتب هيمنجواي في كل كتاباته ع نراهنه،وكتب الفرنسي''فيكنور''روايته''السريعة ''المعنونة بـ''صمت البحر'' ليلهب المقاومة ضد النازية· وتنبه الأديبة إلى أن هذه التصنيفات تحدث قطيعة بين جيلين أدبيين وهي أحكام اعتباطية تلغي جيلا بكامله وهو''جيل الاستعجاليين'' وتقصيه بدل توجيهه ونصحه،وإذا كانت هناك روايات مهترئة متهالكة في نسيجها اللغوي لتهافت أصحابها على الظهور،فإن هناك نصوصاً إبداعية تستحق الاعتراف بها،حتى ولو رفضها وطّار وغيره؛لأنها جميلة راقية ويمتلك أصحابها تقنية التحكم في الكتابة ·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©