الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من دفاتر الخادمات صاحبة الخزنة

من دفاتر الخادمات صاحبة الخزنة
16 مارس 2008 03:47
لا أحد يصدق بأنني لم أنفق فلساً واحداً على نفسي طوال العشر سنوات التي قضيتها في الخدمة، نعم هذه هي الحقيقة، جميع الخادمات اللواتي تعرفت عليهن هنا كن ينفقن المال في شراء الملابس والعطور وبعض الحلويات أو المأكولات التي تعجبهن إلا أنا، حرمت نفسي من كل شيء من أجل تجميع المال في بلدي، وصدقوني لم أذهب في زيارة واحدة، ولم آخذ إجازة يوم واحد حتى لا يفوتني راتب أو أخسر بعض المال في شراء الهدايا للأهل والأصحاب· كنت أرسل راتبي كل نهاية شهر ليستلمه زوجي المخلص المحب الذي كان يشجعني برسائله المليئة بالكلمات المحمسة والحب والحرص، كانت تصلني أخباره فتشعرني بالحماس للعمل والإخلاص فيه· اشترينا الأرض، بنينا الأساس، رصفنا الطابوق، جاءتنا التمديدات، بيتنا سيكون أجمل البيوت وأكبرها، ستعيشين معززة مكرمة، سترتاحين مدى حياتك، سأعوضك عن كل التعب الذي تعانين منه· كنت أعمل لدى أسرة كبيرة، المرأة وزوجها وأربعة أولاد شباب وثلاث بنات شابات، أصغرهن في الإعدادية· تزوج الأولاد واحداً تلو الآخر، فبنيت لهم بيوت في ساحة البيت الخارجية الكبيرة التي كانت مخططة لتشمل خمسة بيوت، لكل ولد وبيت مستقل، ثم تزوجت البنات الواحدة تلو الأخرى وبقيت المرأة وزوجها وحيدين في البيت الرئيسي، فتوفي الزوج وبقيت المرأة لوحدها معي· بعد أن استقل الأولاد في بيوتهم أحضر كل واحد منهم خادمته الخاصة، فأصبح في البيت خمس خادمات من جنسيات مختلفة، وكنت أنا أكبرهن وأكثرهن خبرة· عشر سنين مرت علي وأنا في انتظار إشارة زوجي بانتهاء البيت والعودة حتى أصبحت في الأربعين من العمر وأنا أحلم بالوقت الذي سأرتاح فيه وأصبح أنا سيدة بيتي أنام على راحتي وأنهض على راحتي بلا مسؤوليات ولا أعمال مرهقة لا تنتهي· كان عمري خمسة وعشرين عاماً عندما تزوجته، عشنا سوياً خمس سنوات لم أنجب فيها الأولاد ولم أكن أعرف أين السبب في عدم الإنجاب، كان زوجي يعمل مهندساً وكان راتبه كافياً لنا، وقد حدث أن توفيت أختي الوحيدة وتركت ولدها يتيماً، فتكفلنا أنا وزوجي بتربيته، فلم نعد نشعر بحاجتنا لوجود طفل· ثم حدث أن فقد زوجي عمله وجلس في المنزل لفترة طويلة، ولم يكن سهلاً عليه الحصول على عمل من جديد، ففكرت بأن أعمل في الخليج كخادمة لأجل توفير المال لأسرتي، في البداية عارض زوجي الفكرة ولكنه أضطر للموافقة نتيجة الظروف المادية الصعبة التي مررنا بها، وكانت الفكرة في بدايتها أن أعمل لسنتين فقط حتى يجد هو عملاً فأعود أنا لبلدي وتنتهي المشكلة· جئت إلى هنا وعملت عند هذه السيدة الطيبة الكريمة التي صارت تعاملني كابنتها فطمأنت زوجي إلى أن أوضاعي ممتازة، فارتاح نفسياً وصار يشجعني على المواصلة· قبل انتهاء عقدي اقترح علي ان أواصل العمل لأنه قد جمع مبلغاً كبيراً من راتبي وسيشتري أرضاً لنا نبني عليها بيتاً يؤوينا مدى الحياة، فرحبت بالفكرة وصرت أرسل له الراتب كل شهر بلا تأخير· السنين تمر وأنا على حالي من العمل وإرسال الأموال وزوجي يطمئنني على أن الأمور تسير على أحسن وجه وأن ابن أختي يدرس بأحسن المدارس وهو يرعاه ويعتني به أفضل عناية· قبل أن تنتهي السنين العشر أخبرني زوجي بأن البيت قد اكتمل نهائياً وقد فرشه بأفضل الأثاث، ولم يبق سوى مبلغ نستعين به على فتح مشروع صغير يكون مصدراً لرزقنا· رفضت الفكرة لأنني لم أعد أطيق البقاء أكثر من هذا فقد تعبت وأصابتني الأمراض ولا أستطيع مواصلة العمل بأي حال من الأحوال· تحت إلحاحه الشديد سألته كم المبلغ المطلوب، فقال انه يساوي خمسة آلاف درهم تقريباً، فأخبرته بأنني سأدبر المبلغ بطريقتي الخاصة، فلم يسألني عن تلك الطريقة وإنما شجعني للحصول على المال وإرساله بأية وسيلة· فكرة واحدة سيطرت على رأسي سيطرة كاملة، فهذه المرأة لديها خزنة في غرفتها، وقد لمحت بعض الأموال المتكدسة في الخزنة، ولم أفكر قبل اليوم أبداً بأن أمد يدي لأسرق منها شيئاً، مع إن الأمر كان سهلاً جداً لأنها تضع مفتاح الخزنة تحت وسادتها عندما تنام وليس صعباً أبداً سحب المفتاح من تحت الوسادة لأنها عادة تغط في نوم ثقيل لا تصحو منه بسهولة· ألحت علي هذه الفكرة وقمت بتنفيذها بأقرب فرصة، فسحبت المفتاح بسهولة ثم فتحت الخزنة وأخذت خمسة آلاف درهم وضعتها في جيبي ثم أعدت المفتاح إلى مكانه ثم أسرعت بتحويل المبلغ إلى زوجي قبل أن تكتشف السرقة· انتظرت لفترة من الزمن ويدي على قلبي ولكن لم يحدث أي شيء ولم تتحدث سيدتي عن مبلغ مفقود، فارتحت نفسياً لهذا الأمر· المفاجأة التي لم أكن أتوقعها هي في اتصال ابن أختي المفاجئ لي، أخبرني بأن زوجي طرده من البيت بعد أن تزوج وأحضر زوجته لتعيش معه، سقطت مغمياً علي من هول الصدمة، أخذوني إلى المستشفى وبقيت لفترة تحت الإشراف الطبي حتى تحسنت حالتي فعدت للبيت، حاولت الاتصال بزوجي فوجدت بأنه قد غير رقم هاتف المنزل، إذن ما يقوله ابن أختي صحيح، لقد سرقني ذلك النذل وضيع جهد عمري كله، فماذا استطيع أن أفعل؟ البيت مسجل باسمه ولا شيء يثبت حقوقي، المشكلة هي إن ابن أختي اليتيم أصبح بلا مأوى، وهو يسكن مؤقتاً عند أصحابه، كان يجب أن أتصرف حتى لا يضيع مستقبله، لذلك اضطررت لسرقة مبلغ أخر من الخزنة وأرسلته إلى ابن أختي كي يسجل نفسه بمدرسة داخلية ويبقى فيها حتى يتخرج· للمرة الثالثة سحبت مفتاح الخزنة لأسرق مبلغاً آخر يعينني على العودة لبلدي كي استعيد حقوقي وأشرف على ابن أختي، ولكن هذه المرة كانت مختلفة· فبعد أن سحبت المفتاح استيقظت سيدتي فجأة وقامت مفزوعة تبحث عن مفتاحها، كان المفتاح في يدي فأسرعت برميه في سلة الزبالة وأخذت العجوز تصرخ بصوتها المبحوح واتصلت بأبنائها فجاءوا إليها مذعورين من صراخها، فأخبرتهم بأنني سرقت منها مفتاح الخزنة، فأنكرت ذلك، فاستدعوا الشرطة، تم البحث والتفتيش في ملابسي وأشيائي وثيابي فلم يعثروا على المفتاح، ولحسن حظي فإن المفتاح دخل في وسط الزبالة فلم يلفت انتباههم· عندما لم يعثروا عليه قاموا بكسر مفتاح الخزنة والغريب هو أن العجوز لم تكتشف السرقة لأنها لم تكن دقيقة في عد أموالها ولم تكن تسمح لأحد بمساعدتها، لذلك مر كل شيء بسلام، حيث قاموا بتغيير القفل، ولكن العجوز لم ترض أن أبقى في بيتها ساعة واحدة، فأخذني أحد أولادها لأعمل في بيته وأحضروا لها خادمة غيري·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©