الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن والحصاد المر لسياسات المحافظين الجدد

واشنطن والحصاد المر لسياسات المحافظين الجدد
22 يوليو 2007 02:24
في تلك الأيام الموجعة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، عندما جعل إذعان الأمة المصعوقة حلم المحافظين الجدد بقوة أميركية وتنفيذية غير محدودة قريب المنال، بدأ يحلو للمجموعة التي تدير البيت الأبيض أن تردد المقولة التي اشتهر بها الناقد ''إيرفين كريستول'': ''المحافظ الجديد هو ليبرالي صوِّر من قبل الواقع''· فُهم ''الواقع'' في هذه الصيغة على أنه العنف والقوة -اللذان تجسدا في كل من الهجمات الإرهابية التي أطاحت بالبرجين التوأمين وسط سيل من الجثث المتساقطة والأنقاض التي يتصاعد منها الدخان، والرد الأميركي المخطط له في أفغانستان والعراق (لاحقا)· فبالنسبة للمحافظين الجدد، فإن ''الواقع'' يتمثل في القنابل والدم والنار؛ أو التأثير المتحول للصدمة والرعب· وفي مقال نشرته ''نيويورك تايمز، عام ،2004 وصف الصحافي ''رون سوسكيند'' حواراً مع مستشار كبير لبوش-يعتقد الكثيرون أنه كارل روف- أضاف تفسيراً إضافياً لمقولة ''كريستول''، وهو ما يوضح أن ''الواقع'' يمكن أن يعني أشياء مختلفة بالنسبة لأشخاص مختلفين· يحكي ''سوسكيند'' القصة قائلاً: ''إن مساعد بوش قال إن الأشخاص مثلي هم ''ممن يمكن أن نَصِفهم بالطائفة المستندة إلى الواقع''، والتي عرَّفها بأنها تضم الأشخاص الذين ''يعتقدون أن الحلول تتأتى بعد الدراسة المتأنية للواقع الملموس''· أومأتُ وقلت شيئاً حول مبادئ التنوير والمنهج الاختباري· ولكنه قاطعني وقال: ''لم يعد العالم يعمل على هذا النحو· إننا في امبراطورية اليوم؛ وعندما نتصرف، فإننا نخلق واقعنا الخاص بنا· وبينما تدرس الواقع -بتأن، مثلما ستفعل- سنخلق مرة أخرى وقائع أخرى جديدة يمكنك أن تدرسها أيضاً، وتلك هي الطريقة التي تنتظم بها الأشياء· إننا فاعلون في التاريخ· وأنتم، جميعكم، ستبقون فقط لتدرسوا ما نقوم به''· منتقدو الإدارة الحالية سخروا كثيراً من هذه التصريحات· فأي غرور هذا أن يتخيل المرء أن رؤيته وتصرفاته يمكنها أن تغير شكل العالم وفق رغباته! فبالنسبة لأشخاص كثيرين، فإن الأحداث الأخيرة في العراق وغيره لم تعمل سوى على تأكيد هذا الاستياء المبكر من فهم المحافظين الجدد لـ''الواقع''· فهذا الأسبوع، على سبيل المثال، صدر أحدث تقرير حول ''التقديرات الاستخباراتية القومية''، التي تمثل تقييم وكالات الولايات المتحدة الاستخباراتية الست عشرة؛ وقدم هذا التقرير وصفاً مقلقاً للعالم الذي نعيش فيه اليوم: ظهور ''القاعدة'' من جديد، ونمو سريع للحركات الإسلامية المتطرفة، وارتفاع التهديدات الإرهابية في العالم، وخروج أعمال العنف عن السيطرة في العراق· وبالتالي، فيمكن تفهم شعور الكثيرين من منتقدي الإدارة الحالية الذين خلصوا اليوم إلى أن تصور ''المحافظين الجدد'' للنحو الذي يعمل به ''الواقع'' كان دائماً مفتقداً للمصداقية· فإذا كانت الإمبراطوريات تستطيع خلق واقعها الخاص، فلماذا لم تخلق إمبراطورية بوش الأميركية عالماً مستقراً وأكثر سلاماً؟ ولماذا لسنا أكثر أمناً مما كنا عليه قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ ولماذا خدع ''المحافظون الجدد'' أنفسهم عندما تخيلوا أن باستطاعتهم التحكم في الواقع؟ بيد أنه من ناحية أخرى، تثبت الأحداث أن ''مستشار بوش الكبير'' مصيب أكثر مما هو مخطئ· فالإدارة خلقت بالفعل واقعا يتماشى مع رؤيتها السوداء، إذ أعادت تشكيل العالم بسرعة مذهلة وعلى نطاق واسع· في ،2001 أشار أعضاء من الإدارة الحالية إلى أن أسامة بن لادن يضاهي هتلر في الخطر الذي يطرحه على أمن الولايات المتحدة، وشددوا على أن قوة ''القاعدة'' كبيرة جداً إلى درجة أن لا شيء دون ''حرب عالمية على الإرهاب'' يفي بالغرض· وقتها، قال معظم الخبراء إن هذا الوصف الذي قُدم عن ''القاعدة'' ليس صحيحاً على اعتبار أنها أكبر بقليل فقط من مجموعة مغمورة من السفاحين المتطرفين ممن لديهم تمويل جيد ويشكلون خطراً على نحو متقطع، ولكن تأثيرهم السياسي العالمي والإقليمي محدود نسبياً؛ وقد حالفهم الحظ في الحادي عشر من سبتمبر -ولكن بالرغم من النجاح غير المتوقع لهجومهم على الولايات المتحدة، فإنهم لم يشكلوا تهديداً قاتلا وشيكاً على البلاد· غير أن الأمور مختلفة اليوم· إذ بفضل السياسات الأميركية، أضحت ''القاعدة'' التهديد العالمي الكبير الذي تخيلته الإدارة الحالية في ·2001 فعمليات الاعتقال الخرقاء التي قمنا بها، وتكتيكات الاستنطاق التي اعتمدناها، وقرار غزو العراق غير الحكيم كلها أمور تسببت في عداء قطاع واسع من العالم الإسلامي لنا، وأذكت التطرف ومشاعر معاداة الولايات المتحدة· ونتيجة لذلك، فإن ''القاعدة'' اليوم لم تعد منظمة وحيدة، بل تنظيما لديه فروع عبر العالم، تتهافت عصابات الإرهابيين عبر العالم على الانضمام إليه· والحقيقة أن نزوات أخرى لـ''المحافظين الجدد'' تحققت أيضاً· ففي ،2003 لم يكن ثمة أي تحالف بين صدام حسين و''القاعدة''، كما لم يكن في العراق أي مجموعات إرهابية مرتبطة بها· أما اليوم، وبفضل تصرفات الإدارة الحالية، أصبح العراق ساحة للتجنيد والتدريب بالنسبة لـ''القاعدة''؛ ويذكر هنا أن تقرير أجهزة الاستخبارات الأميركية أعلن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين واحدا من أكبر التهديدات بالنسبة لأمن وسلامة الولايات المتحدة· فمرحبا بكم إلى واقع المحافظين الجدد! الحقيقة أن مساعد بوش الذي أشار إليه سوسكيند كان مصيبا على طول الخط· فعندما تتصرف إحدى الامبراطوريات، فإنها تخلق واقعا جديدا -سواء جيدا أو سيئا- أما بقيتنا، فعلينا أن ندرس هذا الواقع الجديد، وللأسف، العيش معه أيضا· كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©