الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ناقمون على الجميع ومهجرون في مأساة متنقلة

ناقمون على الجميع ومهجرون في مأساة متنقلة
22 يوليو 2007 02:21
من تهجير إلى تهجير، وحكاية المعاناة لدى الشعب الفلسطيني مستمرة منذ العام ،1948 ولا شيء ينبئ بأن المستقبل أفضل· جاءت مأساة 40 ألف نسمة من هذا الشعب كانوا يعيشون في مخيم نهر البارد غرب طرابلس شمال لبنان، فاضطروا إلى النزوح عنه فجأة وبدون أية مقدمات، لتطرح علامات استفهام كبيرة حول ما هو ينتظرهم، دون الحصول على إجابة يمكن أن تشفي غليل طفل رضيع يتمسك بأهداب والدته التي تركت منزلها في المخيم الذي ولدت وتزوجت وأنجبت فيه أولادها الأربعة وتنتظر اليوم أمام احد مدارس ''الاونروا'' في مخيم البداوي للحصول على حصة تموينية· منذ شهرين، كان أهالي مخيم نهر البارد يعيشون حياة مستقرة وهادئة مقارنة مع حياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الـ11 الأخرى الموجودة في لبنان، فهذا المخيم يتميز عن غيره باتساع مساحته ووقوعه على شاطئ البحر، وانخراط سكانه في الأعمال التجارية ··· وغيرها· فجأة انقلبت الأوضاع رأساً على عقب جراء الاشتباكات الدائرة بين الجيش اللبناني ومسلحي ''فتح الإسلام'' حيث اضطر هؤلاء اللاجئون إلى مغادرة منازلهم تاركين وراءهم جنى العمر، وذكريات السنين بحلوها ومرّها، وليجدوا أنفسهم يتكدسون بآلاف في أزقة مخيم البداوي المجاور، الذي يختنق بسكانه العشرة آلاف، فكيف هي الحال وقد أضيف إليهم 25 الفاً على الأقل· ''الاتحاد'' جالت في أحياء وزواريب مخيم البداوي المكتظة بجموع النازحين من مخيم البارد، كل شيء يدل على حجم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها هذا الشعب الذي يستطيع بسرعة أن يتأقلم مع الظروف التي تفرض عليه· نكبة ثانية!! في الشارع الرئيسي للمخيم هناك مجموعة من الشبان بلباسهم العسكري يعملون على تأمين السير في الشوارع الضيقة للمخيم التي تشهد ازدحاما لا مثيل له بسبب كثرة السكان من جهة وازدياد الزوار من سياسيين وصحافيين ومنظمات إنسانية من جهة ثانية جاؤوا ليشهدوا على نكبة فلسطين الثانية كما يقول نازحي مخيم نهر البارد· وفي مدرسة ''الانروا'' يعمل شبان وشابات على توزيع المساعدات التموينية التي وصلت من دول عربية ومنظمات إنسانية دولية··· في ملعب المدرسة تجمع الأطفال ومن أعمار مختلفة، البعض يتشاجر مع زملائه والبعض الآخر، اختار أن يضع في إحدى الزوايا لوحاً خشبياً وأوراقا ليرسم عليها لوحات فنية تحكي سيرة شعب ما زال يبحث عن هويته التي فقدها منذ 60 عاماً في حيفا ويافا وباقي المدن والبلدات الفلسطينية، بينما انهمك هناك في فسحة واسعة نسبياً بعض الصبية في الركض وراء كرة قدم علهم في ذلك ينسون بعضاً مما أصابهم· النازحون من مخيم نهر البارد ناقمون على منظمة ''فتح الإسلام'' ويؤكدون أن لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد، ولا يجدون حرجاً في القول ان عناصرها غرباء عن الشعب الفلسطيني وعاداته وتقاليده، وان الذي أدخلهم إلى المخيم في غفلة من الزمن عليه إخراجهم، ويتساءلون بحسرة هل ان القضاء على هذه الجماعة كان يستوجب تدمير ثاني اكبر المخيمات في لبنان؟ وهل هناك ما يخطط لهذا الشعب من جديد؟ ولسان حال الجميع يقول إن المؤامرة على الفلسطينيين لم تنته!· ''الاتحاد'' التقت عدداً من نازحي مخيم نهر البارد الذين توزعوا على مخيمات البداوي (25 ألفا) وبرج البراجنة وشاتيلا ومار الياس وغيرها، واطلعت على أوضاعهم واستمعت إلى مطالبهم وجاءت أقوالهم على الشكل التالي: ''خرجنا من المخيم غدراً'' هذا ما استهل به ''ماهر احمد'' حديثه بالقول: استيقظنا صباحاً على دوي القذائف، واضطررنا إلى المغادرة دون أن ندرك ماذا تفعل، لم نحمل معنا شيئاً سوى ما نلبسه على أجسادنا، معاناتنا صعبة نأكل منذ شهرين المعلبات، لا مياه باردة، لا أدوات منزلية لا حمامات، كأننا نعيش حالة حرب· أضاف: نسمع وعودا بالعودة إلى المخيم ولكن لا شيء يؤكد ذلك، لا علاقة لنا بالسياسة ولم نؤذ احدا، الفقير يدفع الثمن دائماً· نتمنى من كل العالم خصوصاً من الدول العربية أن يعرفوا اننا كفلسطينيين مأساتنا كبيرة وكل همنا العودة إلى بيوتنا في مخيم نهر البارد تمهيداً للعودة إلى فلسطين نحن سنعود فور انتهاء المعارك إلى المخيم ومستعدون للعيش في المخيم وتعودنا على ذلك· أما السيدة ''خولا احمد'' فقد بدأت حديثها متساءلة ''هل يجوز أن يعيش الشعب الفلسطيني بهذا الشكل؟'' هل يقبل العالم أن نترك بيوتنا ونشرد في الطرقات؟، أخرجنا من المخيم ولا نعرف ماذا نفعل، في الغرفة الواحدة تسكن أكثر من عائلة والمشاكل قائمة جراء الكثافة السكانية نحن لا نريد مساعدات نريد العودة إلى بيوتنا ننصب الخيم ونسكن فيها· مشكلة ''فتح الإسلام'' كان يمكن حلها بالسياسة وليس عبر تهجير الناس من المخيم لا احد يعرف كيف وصل مسلحو ''فتح الإسلام'' إلى مخيم نهر البارد البعض وصل من البحر، والبعض الآخر من المخيمات الأخرى أو من طرابلس لا احد يعرف· ''هذه ليست حياة'' هذا ما قررته السيدة أم محمد السعدي، مضيفة: وضعنا مأساوي، المسألة ليست أن نأكل أو نشرب، نريد أن نعود إلى بيوتنا بأقرب وقت، تصور كيف يمكن للمرأة مثلاً أن تلبي حاجاتها في غرفة يتواجد فيها عشرة أشخاص، وكيف يمكن أن تكون هناك عناية صحية وهناك حمام واحد لأكثر من 200 شخص، الله لا يقبل بذلك، فتشت كثيراً من اجل أن أجد غرفة مستقلة، لأن بناتي صبايا وأولادي شباب، أنا املك في مخيم نهر البارد محلا للإكسسوار والهدايا، ونجلي لديه مزين رجالي ومنزلنا ثلاثة طوابق، وفجأة وجدنا أنفسنا في الشارع ولا نعرف أين نسكن وكيف نعيش؟! لا نريد التوطين تقول السيدة إنعام المصري هذه مؤامرة على الشعب الفلسطيني وليس على فتح الإسلام أو غيرها، لا نريد التوطين نريد العودة إلى نهر البارد، يكفي تضييقا على الشعب الفلسطيني، ابني وعروسه لم يسكنا في منزلهما سوى أربعة أيام وهدم بالكامل، بعض المهجرين انتقلوا إلى مستشفى للأمراض العصبية والعقلية لأنهم لم يتحملوا ما يحصل لهم· عمران غريس قال: الحقيقة أن الوضع كارثي لا يمكن وصف ما يجري للنازحين في مخيم البداوي، لا قيمة للإنسان وخصوصياته· نحن كشباب من مخيم البارد نهان بشكل شبه يومي لأننا نضطر إلى البقاء معظم الوقت في الشارع، وهذا يؤدي إلى الاصطدام بالآخرين، الآن نأمل أن يتم الانتهاء من ظاهرة فتح الإسلام للعودة إلى المخيم حتى مع وجود منازل مدمرة، ونأمل أن تفي الحكومة بوعدها لجهة إعمار ما تهدم، ونتمنى على الدول العربية المساعدة في ذلك· لقد ولدت في مخيم نهر البارد وكذلك والدي، ويكفينا تهجيرا، كنا ننتظر أن ننتقل إلى فلسطين لم نعد نستطيع التحمل والتهجير إلى مكان آخر، كنا نعيش حياة شبه طبيعية وننتقل بين المناطق اللبنانية اليوم نحن محاصرون، الأجهزة الأمنية تلاحقنا، يطالبوننا بإبراز بطاقات الهوية، وهذا حقهم، ولكننا نشعر بالإهانة خصوصاً أنه ليس لنا علاقة بكل ما يجري نحن مجرد مواطنين نريد العيش بسلام·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©