الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

35 شاعراً وشاعرة يحاولون تكريس الحداثة

35 شاعراً وشاعرة يحاولون تكريس الحداثة
22 يوليو 2007 02:17
شعراء مخضرمون وشباب، وتجارب شعرية ناضجة وأخرى غضة، كل ذلك كان حاضراً خلال مهرجان النثر الأول الذي أقيم مؤخرا في المركز الثقافي الروسي بدمشق· وعلى هامش المهرجان، احتدم الجدل القديم مجدداً حول تجنيس قصيدة النثر، وتفاوتت الآراء بين الانحياز المطلق لها باعتبارها قصيدة العصر، وبوصفها تأسيساً لحساسية جديدة في الشعر، وخيارا لا غنى عنه حين نتحدث عن الحداثة الشعرية، وبين الرفض القاطع لما يقدم من تجارب تحت يافطة النثر، باعتبار قصيدة النثر قصيدة استثنائية، وليست قصيدة القاعدة· وبين مرحب وقابل بها على مضض، ألقيت قصائد كثيرة، تنتمي لأجيال مختلفة من الشعراء، وأطياف عديدة من التجارب الشعرية، تفاوتت في مستوياتها بين الجيد والرديء· ويزعم منظمو المهرجان أنهم اختزلوا بها المشهد الشعري في سوريا، في حين شكك بعض النقاد بذلك، لافتين إلى أن أصواتاً شعرية مهمة غابت عنه· شارك في المهرجان خمسة وثلاثون شاعراً ينتمون لأجيال متعددة منهم: فؤاد كحل، وجودت حسن، ومحمد خالد رمضان، وراسم عبد الله، ولبنى مرتضى، وأحمد الخطيب، وغسان شيحاوي، وكمال سحيم، وآصف عبد الله، ووفيق أسعد، وسناء الصباغ، وأحمد عموري· وقدمت العديد من الدراسات النقدية لنقاد معروفين منهم: الدكتور غسان غنيم، والدكتورأحمد جاسم الحسين، والدكتور خالد الحسين، وعبد القادر الحصني· محاولة إحياء الشاعر فاتح كلثوم الذي حمل على عاتقه مهمة إطلاق المهرجان وتنظيمه، قال إن القصائد التي ألقيت فيه جرى اختيارها بدقة من بين أكثر من مئتي قصيدة لمئتي شاعر، وهذا الانتقاء جرى على قاعدة التنويع، ليحيط بكامل المشهد الشعري لقصيدة النثر في سوريا، حيث تم انتقاء قصائد لأطياف مختلفة من التجارب والأعمار، كما أفسح المجال أمام تجارب جديدة تماماً لتعلن حضورها· ويرى كلثوم أن قصيدة النثر بدأت مع المشروع النهضوي العربي، وكانت تحمل ألق الحداثة والأمل، وعندما بدأ هذا المشروع يتعثر، تعثرت قصيدة النثر أيضاً، ويأتي إطلاق هذا المهرجان كمحاولة لإعادة إحياء مشروع الحداثة الشعرية (!)، وفي العام القادم سيتم توجيه دعوات لشعراء معروفين من الوطن العربي وأسماء جديدة أيضاً· ويضيف كلثوم: (أؤمن بأن قصيدة النثر هي مستقبل الشعر العربي ومستقبل الكتابة، فهي قصيدة غير مؤطرة تحمل طموحات النص المفتوح، أما العودة إلى الأوزان الخليلية، فهي تراجع في الشعر (!)، فالقصيدة الكلاسيكية لم تعد تستطيع أن تقدم شيئاً، ويجب أن نتعامل معها كتراث، لأن التقدم الشعري هو في تقديم تجارب جديدة حتى لو كانت في بداياتها فاشلة، لأننا نراهن دائماً على المستقبل)· تجارب جديدة أما الشاعر المخضرم صالح هواري صاحب التجربة الطويلة في قصيدة التفعيلة، فهو لا يرفض قصيدة النثر، وإنما يرى أن التجارب التي تقدم في إطارها متفاوتة في المستوى، ويقول: هذا المهرجان فاتحة لمستقبل قصيدة النثر التي جوبهت كثيراً، وها هي تعود لتكرس نفسها، وقد اطلعت على تجارب كثيرة في هذا المهرجان، تنم عن مواهب تتحرك في فضاء شاسع من الحرية التعبيرية، وأثبت بعض الشعراء الذين شاركوا فيه أنهم قادرون على الخوض في غمار هذه القصيدة· لكن كان هناك أيضاً تجارب متواضعة لم تتجاوز في معالجتها القصيدة التقليدية، فبعض النصوص اتكأت على السجع، بينما قصيدة النثر متحررة من كل شيء، وهذا يدل أن التجارب لم تنضج في هذا المضمار· وباختصار فقصيدة النثر تلألأت كل يوم على أيدي شاعر أو اثنين من خمسة، وتراوحت بين القصيدة الجيدة والهابطة جداً· ولكننا نبارك هذا المهرجان، لأنه يفرز تجارب شعرية جديدة، سيبقى منها الجيد ويذهب الغث· تأسيس لحساسية جديدة ويرى الناقد الدكتور خالد الحسين أن قصيدة النثر ـ على عكس قصيدة التفعيلة والشعر العمودي ـ تخلصت من الوحدة العضوية، مما فتح أمامها آفاقاً جديدة على التشظي، وأصبح هناك تواز بين القصيدة والصورة· أما الدراسات النقدية فقد كانت متفاوتة أيضاً، وفي العموم هذا المهرجان متناسب مع الإمكانيات المتوفرة· ويختلف الحسين مع منظمي المهرجان، من حيث أنه استطاع أن يحيط بكامل المشهد الشعري لقصيدة النثر في سوريا، ويرى أن الشعراء المشاركين لا يمثلون كل الفضاء الشعري السوري المعني، لأن هناك تجارب وشعراء لديهم تجارب متقدمة لم يشاركوا فيه· بين الشعر والطلسمة! ويستند الناقد الدكتور أحمد الجاسم الحسين إلى أكاديمية رصينة في تحليله ورؤيته، باعتباره أستاذاً في كلية الآداب بجامعة دمشق، فهو يرى أن قصيدة النثر تتناقض مع المنبر، وهي لا تصلح للإلقاء، بل معدة للقراءة أولاً، لأنها تهرب من الموسيقا نحو الإيقاع الداخلي، وتعتمد على الأجواء أكثر من اللغة والموسيقى· ويضيف: وجدت في هذا المهرجان أن كثيراً من المشاركين التجأ إلى اللعبة اللغوية والاستغراق فيها حتى بدت القصيدة مجرد أحجيات أو معادلات رياضية· وهذا ما يفسر عدم استجابة الجمهور، وعندما استجاب هذا الجمهور تتبعت القصائد فإذا هي قصائد موزونة مقفاة، فتفاعل معها لأن الموسيقا طغت، فالجمهور ابتعد عن القصائد التي اتخذت طابعاً نثرياً· ويرى الحسين أن ما يطرح على المتلقي لا يبشر بالخير، لأن هذه القصيدة نمط صعب من الشعر، ويجب أن لا يأتي إليه الشاعر إلا بعد اكتمال تجربته الشعرية، ونضج رؤيته للدنيا والعالم، وعندما يمتلك التجربة الحياتية· وعندئذ يمكنه أن يجرب هذه الحالة الاستثنائية، لأنها ليست القاعدة· ويضيف الحسين: إن من يبدأ بقصيدة النثر أولاً سيبقى أعرج مدى عمره· فمن الواجب عليه أولاً أن يعي تراثه الموزون والمقفى، ثم المصاغ على نمط التفعيلة، ثم يقرأ المنثور حتى تحتفظ ذاكرته بالكثير من الأشياء التي تجعل منه قابلاً لأن يكتب قصيدة النثر الصعبة، أما هذا الاستسهال فيوقع مبتدعيها بأخطاء جسيمة· محاولة لتوضيح الرؤية بين مؤيد لها ومعارض، تشق قصيدة النثر طريقها بصعوبة، مستندة إلى أسماء شعرية كبيرة كمحمد الماغوط وأدونيس، لكن أزمتها الحقيقية تكمن في أن الأجيال الجديدة لم تستطع أن تتجاوز تجارب هؤلاء الكبار، فلم يبرز على الساحة حتى الآن تجربة نثرية جديرة بأن تساهم في تجنيس هذه القصيدة أو ترسم لها مستقبلاً واضحاً، ولا سيما أن معظم من دخل إلى مضمارها هم إما مستسهلون أو مقلدون، فظلت تراوح بين الجيد والرديء جداً· لكن إقامة مهرجان للشعر أو مهرجان لقصيدة النثر، يبقى محاولة لتبديد الغبش وتوضيح الرؤية، ومن ثم فهو يبقى حدثاً ثقافياً جميلاً، في هذا الزمن غير الشاعري·
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©