الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

منغوليا·· جمهورية منسية تسبح في بحر من المعادن

منغوليا·· جمهورية منسية تسبح في بحر من المعادن
22 يوليو 2007 00:52
أولان باتور- ''خاص'': كيف لا تعود هذه الجمهوريّة ضائعة بين امبراطوريتين؟ منغوليا المنسيّة التي تشقّ طريق الديموقراطية بين روسيا والصين اكتشفت أنها ترقد فوق مناجم غير متناهية من المعادن، النحاس، اليورانيوم والفحم· لا بد، إذاً، من الحلم: لن نكرّر النموذج النيجيري بل الكندي· بداية، لا بد من التحرّر من الفساد بعد التحرّر من الشيوعية الخشبيّة، لتوضَع استراتيجية على مراحل من أجل النمو، لكن 40 في المائة من السكان هم من الرّحل، وما يسمّى هنا بإعادة تأهيل الزمن لا بد أن يبدأ بإعادة تأهيل الكائنات البشريّة من خلال إثارة الحنين لديهم إلى ذلك القائد الشهير ''جنكيز خان'' الذي أقام إمبراطورية هائلة، ثم قضى بالسقوط عن صهوة حصانه· لنتصوّر أن ''جنكيز خان'' تحوّل إلى ماركة للسجائر، لا بل أنك تجد اسمه، على محل لبيع الأقمشة، أولبيع اللحوم، فهذا ما علق في ذاكرة الشعب المنغولي من ذلك التاريخ الذي تحطم كلياً كما لو أنه آتٍ من الخزف· على الأقل، تبقى بعض الشظايا· لا حاجة لصناعة الخرافات، لأن الرجل الذي وُلد عام 1161 ومات عام ،1227 بنى تلك الإمبراطورية الهائلة: انتصر على الروس، وعلى الصينيين، وعلى جميع مَنْ في آسيا الوسطى والقوقاز· كتب ارنولد توينبي: ''مشكلته أنّ حصانه لم يكن يسير بالوقود وإلا لكان احتل أوروبا· هذا مع أن إحدى الخرافات المحلية تقول: إنّ حصانه كان يطير فعلاً، وإلا كيف له أن يقطع كل تلك التضاريس الصخرية، والصحاري، والأنهار، والقلاع، والغابات· الآن، المغول يحاولون إعادة تأهيل الزمن· على حدودهم الصين التي استولوا عليها ذات يوم· طول الحدود 4673 كيلومتراً، كما على حدودها روسيا التي أخذت منها سيبيريا· طول الحدود 3441 كيلومتراً· إذاً، منطقة ضائعة بين إمبراطوريتين، وهذا ما يجعل المغول الذين خرجوا من الشيوعية في مطلع التسعينات من القرن الماضي يحاولون أن يصنعوا مستقبلاً مختلفاً· كيف؟ الجغرافيا تضغط، الريف شاسع جداً في بلاد تبلغ مساحتها 1564100 كيلومتر مربع، فيما لا يتجاوز عدد السكان الـ2,5 مليون نسمة· هذه مشكلة· جنكيز خان الذي وحّد المغول وهو حيّ، يوحّدهم وهو ميت أيضاً، وإن كان خبير روسي يقول: إن القائد التاريخي: ''كمَنْ يحاول توحيد··· الفراغ''· فضاء لا متناه للمراعي في بلد يعيش فيه 16 مليون رأس من الخراف، و10 ملايين رأس ماعز، و2,5 مليون بقرة، و360000 جمل، وهو الذي ينتج، سنوياً، 3000 طن· لا أحد ينسى الجياد، إنها التراث القومي حيث الفروسية هي المعيار الأساسي للرجولة والزعامة· الجفاف يضرب منغوليا بين فترة وأخرى، ولا يملك الرعاة سوى أغانيهم الحزينة، لم تعد ملابس الأعياد مزركشة جداً، لكن هؤلاء الناس يقيمون أعياداً رائعة من أجل أن ''لا يرحل المطر''· كثيراً ما يستخدمون تعبير ''رحيل المطر''· خلافاً لدول أخرى كثيرة في المنطقة، فإن منغوليا دولة ديموقراطية، وفي عام ،2001 تمّ التجديد للرئيس ناشاغيين باغاداندي بـ85,13 من الأصوات، وليس بـ99,13 بعدما كان قد فاز في انتخابات عام 1997 بـ60,8 في المائة· سيّاح أوروبيون زاروا منغوليا، وتوقفوا عند تلك المشاهد القروية الضاربة في الزمن· جمهورية منسية لكنها تحاول أن تكون على تماس مع العصر، وتتخطى معدلات الفقر، إذ إن معدل الدخل الفردي السنوي هو 500 دولار، فيما يناهز الذين دون خط الفقر الـ35 في المائة· ناس ضائعون ومتفائلون، يأتي أحدهم بشيء من عرق الحصان ويمسح به صدغه· هذا يعطيه القوة، كما القدرة على أن يصبح ثرياً· إذا كان عازباً، فلا بد أن يعثر على عروس مرصّعة بالمعادن وذات وجه يميل إلى الاحمرار بدل الاصفرار، لكن المستقبل يبدو واعداً في منغوليا بعدما تبيّن لشركات التنقيب وجود مناجم معدنيّة مهمة، وبدأت المؤسّسات الكورية واليابانية والروسية تنشط من أجل العمل هناك، فيما يلاحظ اتساع النشاطات العقارية، مما يشير إلى فترة مقبلة من الازدهار· العاصمة ''اولان- باتور'' بمبانيها الشاحبة من العهد السوفيتي، لا تبدو مثل العواصم الزاهية في شمال آسيا أوجنوبها الشرقي لكن هناك مظاهر كثيرة للتطوّر· زحام السير الذي يزداد حدة يوماً بعد يوم، النمو الاقتصادي والبطالة، ''رقصة الباليه'' بين الحكومة والمتظاهرين أمام البرلمان، زيارات المستثمرين والمسؤولين العالميين، تدفق الجماعات الرّحل على أبواب المدينة، وانتشار السيّاح الأجانب في أرجاء شتى من البلاد· 800 سنة موطئ قدم لهؤلاء الفرسان، بوجوههم القاسية، على لائحة الاقتصاد العالمي، وهو ما حاولوا تأكيده في عام 2006 خلال احتفالهم بالمائوية الثامنة لتأسيس الأمّة المغولية· المطار الدولي يحمل اسم جنكيز خان، وارتفع تمثاله العملاق في جادة ''سوخباتار'' المركزية· والحقيقة أنّ عملية توظيف اسم ''ابن الذئب الأزرق'' تجارياً لا تتوقف عند حدّ معين، لكن هؤلاء ''الذئاب الزرقاء'' يريدون لبلادهم أن تتسلق الأرقام العالمية مثل الصين التي تحجب منغوليا· يحاول الكثيرون مثلاً اجتذاب مطاعم ماكدونالدز ومقاهي ستارباك إلى بلادهم، فثمة مظاهر للأناقة، رغم أن 40 في المائة من سكان البلاد هم من الرح،ل ولكن كيف يستطيع المنغولي أن يظهر أمام الملأ، وهو يدعو صديقته إلى فنجان قهوة في مقهى أنيق، سروال الجينز وصل إلى هناك، لكنك قد لا تجد أثراً لموسيقى التوب· الفنون المحلية طاغية· يقول أحدهم، وقد شاهد رقصة الروك اند رول على الشاشة: ''لقد ظننتهم يرقصون في مستشفى للمجانين''، قبل أن يستدرك: ''قد نحتاج إلى بعض الوقت لنتعرّف أكثر على ثقافات الآخرين''· التلفزيون يقوم بدور كبير، لكن المسألة تحتاج إلى ''التفاعل''· ''جنكيز خان'' الاقتصادي كلمة ''العولمة'' رنانة في آذان المنغوليين، لكنهم واثقون من أن هذه الكلمة ستصبح متداولة جداً إذا ما تمّت إدارة الثروات المعدنية بصورة سلمية، فقد أثبتت أعمال التنقيب التي قامت بها شركة ''ايفانهو ماينز'' الكندية في حقول ''اويو تولغوي'' وجود احتياطي ضخم من النحاس قد يجعل من منغوليا تحتل احدى المرتبات الأولى في إنتاج هذا المعدن الهام، كما أن أعمال التنقيب أكدت أنّ التشكيل الجيولوجي للجمهورية سيأتي بأموال طائلة من استخراج الفحم واليورانيوم والمعادن الأخرى· وحتى لا يبقى التصدير عشوائياً، بادرت السلطات إلى فرض رسوم مرتفعة على تصدير المعادن كي لا تستنزف سريعاً، ولا تتوازى مع الخطط الخاصة بالتنمية الداخلية التي لا شك أنها تواجه تعقيدات كثيرة، إنها بسبب اتساع المساحة والتبعثر الديموغرافي أوبسبب الشيخوخة التي تعاني منها البنى الأساسية· المغول يتحدّثون عن ''جنكيز خان'' الاقتصادي· ليس من الضروري أن يتجسّد برجل، وإنما بالدولة، وقال رئيس الوزراء السابق تساخياغيين البرغدورج، وهو أيضاً رئيس للحزب الديموقراطي: إن الشيوعيين السابقين هم الذين يقودون التظاهرات ضد الفساد، مستخدمين مفردات تجد صداها لدى البعض، مع أنهم كانوا غارقين في الفساد''· والواقع أن قصص الفساد على ''ألسنة كثيرة''، والمعارضة تعتبر أن الحياة السياسية لا يمكن أن تتقدم خطوة واحدة إذا ما ظلت هذه الآفة تضرب كل المؤسسات، مع اقتناع ''البرغدروج'' الذي قاد عملية إسقاط الديكتاتورية في بلاده مع انهيار الإمبراطورية السوفيتية، بأن الثروات قد تتشتت، أوهي ستتشتت فعلاً إذا ما تركت بين الأيدي الملطخة· وأضاف: تلك الثروات ''ستذهب هباء ما لم نوظفها في تطوير قطاع التعليم، وكذلك قطاع الصحة، فنحن لا نريد أن نكون نيجيريا أخرى، بل علينا أن نستفيد من أخطاء البلدان الأخرى، وعندنا نموذج الآن هو كندا، أواستراليا، أوتشيلي، صحيح أننا لسنا على تخوم الولايات المتحدة، لكن ماذا عن اليابان التي وصلت إليها سفن آباءنا ذات يوم؟ إننا مصرّون على أن نتمثل بالنماذج الخلاقة''· المنغوليون يعرفون حساسية موقعهم الجغرافي· لا وجود لأي ثغر بحري، وعلى هذا الأساس لا بد من علاقات دافئة مع الجيران، الأبواب تفتح أمام الروس للاستثمار في المجالات المنجمية، وهم يعملون جنباً إلى جنب مع اليابانيين، والكوريين، والأميركيين الشماليين، والاستراليين والأوروبيين· فردوس المغول يطلق المنغوليون صفة ''الجار الثالث'' على كل بلد يساند استقلالهم، وإذا كانت هذه الصفة قد لازمت، في السنوات الأولى، الأميركيين، فهي تنسحب الآن على اليابانيين والكوريين والفرنسيين· حتى هذه العبارة أخذت منحى آخر في السنوات الأخيرة· ''الجار الثالث'' هو مَنْ يستقبل، بصورة أفضل، المنغوليين ويمنحهم تأشيرات الدخول، وإن كان معروفاً أنّ الانفتاح الذي شهدته البلاد أدى إلى نزوح الأدمغة والأيدي الماهرة· كثيرون يحلمون بالالتحاق بأقرباء أوأصدقاء هاجروا إلى الولايات المتحدة، لكن كوريا الجنوبية هي التي تُعرف بـ''فردوس المغول''، إذ يعمل فيها ما بين 20 ألفاً و40 ألف منغولي بصورة غير شرعية· أيضاً إنهم يحلمون باليابان، وإن كان قائدهم ''جنكيز خان'' لم يتمكن، رغم محاولات عدة، من غزو الأرخبيل· مساعدات المنغوليون يقولون: إن الأميركيين عاملوهم باهتمام، ومنحوهم الأفضليّة إن في المساعدات أوفي استيراد منتجاتهم، فكان أن ردّوا بالاستجابة السريعة على طلب واشنطن وأرسلوا جنوداً إلى العراق للانضمام إلى الائتلاف الدولي القائم· للمرة الأولى شاهد سكان منغوليا رئيساً أميركياً هو ''جورج دبليو بوش'' يطأ أرض بلادهم في عام ،2005 هذا لا يعني إقامة علاقات استراتيجية بين واشنطن واولان- باتور، وبالتالي السماح بقواعد أميركية في البلاد لأن العلاقات الاقتصادية مع الصين حساسة جداً، وهم يتفادون، بطبيعة الحال، تعريضها لأي خطر ''لأن اقتصادنا ينهار حتماً إذا ما اقفل الصينيون حدودهم''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©