الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محمود درويش ·· جبل الكرمل فوق الاتهام

محمود درويش ·· جبل الكرمل فوق الاتهام
21 يوليو 2007 02:31
كنت أخاف على قلب الشاعر الهش من لقائه مع مدينته، وهو القلب الذي تدخل مشرط الجراح فيه مرتين، ليبقيه يعمل، وليبقي الشاعر ليبدع روائعه· خفت عليه من لقائه مع كرملة، الكرمل جبل مدينة بداياته، لا مجلته التي سكنها استعارة إبداعية لأكثر من عقدين· ولكن يبدو أنني لست الوحيدة التي خافت على قلب الشاعر، الكثيرون خافوا على قلبه الهش من صدمة اللقاء وسألوه، لذلك افتتح أمسيته الحيفاوية بالقول: سألت: ألا تخشى على حياتك من زيارة الكرمل؟! قلت: لا أتمنى نهاية أعلى وأجمل تجاوز الزوبعة لقد حاول محمود درويش تجاوز الزوبعة التي أثيرت حول أمسيته الشعرية في حيفا، التي جرت في الخامس عشر من الشهر الحالي، عندما قال: أحاول أن أنزع عن هذا اللقاء صفة الحدث · ومع الاحترام لرغبة شاعرنا، فإن صفة الحدث التصقت بزيارته قبل أن تحصل· فهو يعود إلى أرض تكوينه الأولى، أرض لم يجعلها التغيير الإسرائيلي تختفي، بقيت حيفا خاصتنا رغم كل شيء· بقيت مع الشاعر وبقي معها، ولذلك يقول لم أغب تماماً، ولم أحضر سوى لماماً، لأن المجاز لغة الشاعر وقد علمنا أعداءنا عكس الدرس الذي حاولوا أن يعلمونا إياه وهو بلغة درويش أن الخروج من الجغرافيا، خروج من التاريخ · لقد كان مطلوب منا أن نختفي وإلى الأبد، ولكننا نجحنا في أمر واحد، نجحنا في ألا نموت ، فالبديهي ما يحاول الآخرون نسيانه، هو أننا لم نولد في غير هذا المكان ، المكان الذي يقف فيه درويش، مدينة حيفا وكل المدن والقرى الفلسطينية التي حاولت إسرائيل إدخالها في الغياب· ولكن المؤسف أن نكون اليوم بحق أنفسنا كفلسطينيين، كما يقول درويش ضحايا في زي جلادين · الشعر ليس حيادياً تجاه القضايا، فهو في قلب الحياة، يسأل درويش ماذا يفعل الشعر في زمن المحنة؟ يجيب: لا شيء وكل شي في آن واحد··· الشعر هو دفاع عن الروح··· وهو مقاومة لكل ما يجعل الحياة عبئاً على الأحياء··· إنه يبحث عن الأمل، أو اختراع الأمل · باقة الشعر ما قاله محمود درويش في بداية أمسيته، لا يقل أهمية عما قرأه من باقة الشعر التي غطت عقدين من نتاجه الشعري الأكثر حداثة ورهافة· ولكن بقيت الزوبعة التي أُثيرت حول زيارته، تخدش الأبعاد الإنسانية وأعماق الزيارة في التجربة الفلسطينية وفي التجربة الشخصية لشاعر بقامة محمود درويش· عشية سفره قال درويش لصحيفة الحياة اللندنية مدينة حيفا تعني لي الكثير· إنها مدينتي، إنها جزء من وطني· وذكرياتي فيها لا تحصى· وحيفا كانت البوابة الأخيرة التي غادرت منها إلى بلاد المنفى من أرض حيفا انطلق كشاعر مقاومة، كما صنف شعراء الأرض المحتلة في منتصف الستينات· وأن يلتقي الشاعر مع وطنه بعد ثلاثة عقود ونصف فيه الكثير من الهيبة· والعلاقة الإنسانية لشاعر مرهف منفي مع الوطن لم تعجب الكثيرين لأسباب مختلفة، فانبرت الأقلام في اتهام الشاعر الرمز، دون الانتباه إلى المفارقة الجارحة لشاعر يزور وطنه· وكم من المعاني العميقة غابت عن أصحاب الحملة البشعة على الرمز الأكبر للثقافة الفلسطينية الحديثة، والتشكيك برمز مثل محمود درويش يشكك في الثقافة الفلسطينية على حد تعبير الشاعر اللبناني عباس بيضون· استباحة الرموز في تعليقه على الأمسية أو الحدث : تهيب بيار أبي صعب المحرر الثقافي لجريدة الأخبار اللبنانية التابعة لحزب الله، من شتم الشاعر مباشرة، فاستعار شتائم فلسطينية بحق الشاعر الذي اعتبره عائد إلى حيفا مستعيراً عنوان رواية غسان كنفاني، ولكن حسب أبي صعب المشكلة في التوقيت، وفي شكل الدعوة، يجيب أصدقاؤنا في الداخل ـ داخل فلسطين ـ من هم أصدقاؤهم في الداخل لا يحدد· ولكنه يحيل الشتائم عليهم إن درويش يدخل اليوم مناطق الـ ؟؟ بإذن عسكري من جيش الاحتلال··· وعبّر كاتب شاب عن المزاج العام، مشيراً إلى أنها زيارة سيئة جداً وتوقيتها أسوأ، ولا يمكن إلا أن تكون مسيئة إلى التيار الوطني في الداخل · محمود نجمتنا الأخيرة··· لا تذهب إلى حيفا! وغيرها من الاتهامات التي علكها أبي صعب ، للأسف، بفم فلسطيني· واليوم بعد أن تمت استباحة الرموز· تشكل الهجمة على درويش استهدافا للرموز الفلسطينية التي لم تعد محرمة، لا العلم الفلسطيني، ولا نصب الجندي المجهول، ولا حتى الشهداء الأبرار رموز محرمة· تأتي الحملة على درويش في هذا السياق، ولكن يستحيل على هذه الحملة أن تصيب الرمز الشعري الفلسطيني، الذي حول فلسطين إلى قيمة شعرية جمالية، من المستحيل أن تؤثر عليها أقلام حاقدة، فهي زبد يذهب هباء·
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©