الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وطن الشاشة

20 يوليو 2007 00:57
قبل ثلاث ليال شهدت هواتف مجموعة من الزملاء موجة لتبادل رسالة نصية عاجلة: ''محمود درويش على الجزيرة مباشر''، وكنت قد انتهيت للتو من مشاهدة لقاء مع المفكر الفلسطيني عزمي بشارة على قناة ''المنار''، فتفرغت لسماع درويش، الشاعر العملاق الذي عاد في مرور مؤقت إلى حيفا بعد أن تم إجبار عزمي بشارة على مغادرتها للأبد على ما يبدو!· غبت عن المكان مع درويش الذي أصيب في قلبه قبل سنوات، فتباهى به من منطلق: ''وأين يمكن للشاعر أن يصاب في موضع غير ذلك: القلب؟'' درويش الذي شفي ليواصل مرضه القديم: العيش في الزمن الصعب الذي يطل فيه على حيفا بعد غياب 40 عاما، عبرّ عنها بقوله: ''لم أغب تماما، ولا أحضر إلا لماما، لأن المجاز هو أداة الشاعر القادرة على جعل الخيالي واقعا، وعلى جعل الواقعي خياليا''· جاء درويش إلى جبل الكرمل ليطل على مهل وعلى عجل في الوقت ذاته، بعد أن كاد المنظمون أن يصابوا باليأس بعد انتظار موافقة سلطات الاحتلال الصهيوني لعدة أشهر، لكن الأمسية شهدت النور أخيرا أمام 2000 وجه فلسطيني، جاء بعضهم من داخل أسوار الوطن المحتل، وجاء البعض الآخر من محنة جهات الشتات الدولي الجديد الذي تنوع بتنوع مصادفات الجغرافيا وأقدارها· جلس الجمهور أمام الشاشة وخلفها في الوقت عينه، وعيناه تحدق لتنصت لأجمل ما كتب درويش من قصائد مميزة ورائعة، عبر أسلوب وإلقاء لم يقل روعة في استدعاء الألم والأمل والجمال والدمار والغربة والوطن الذي صار يسكن في اللغة العربية أكثر من أي شيء آخر· تأملت الوجوه الذائبة في محمود درويش الذي أسهب دون قصد في الحديث عن ''الفلسطيني الذي فينا''، وأطال بقصد واضح في الحديث عن ''العربي الذي نحن فيه''، كان يرسم بالكلمات بلادا على الشاشة، ففجأة تحول الزمن لوطن كان يأتي عبر الأثير من مكان ما، كبيتٍ في مكان ما، يضعه البث الفضائي على دمعة القلب مباشرة، عندما تعجز الجغرافيا عن الإتيان به وبأسراره إلا في القصيدة، فتعجبت، لأنها هي الشاشة ذاتها التي كانت ولم تزل مسرحا يوميا للألم، للوطن المؤجل على يد عدو الأمس واليوم والغد، وعلى يد العدو والشقيق والرفيق اليوم، وهو ما دفع درويش ليقول: ''إن الشعب الفلسطيني البطل الذي استعصى على أعدائه استئصاله، سيعرف كيف يضع حدا لجنون أبنائه''!!· دخلت في الشاشة وخرجت ليبكي القلب وحده قليلا، ثم دخلت طويلا حتى أضعت طريق العودة، لكني كنت ممتنا لقناة ''الجزيرة'' على ليلة من ليال الشعر والعمر، ممتن لأني عرفت أن الشاشة العربية يمكن أن تصلح لشيء آخر غير عري ''الفيديو كليب'' وسخافة مسابقات الأغاني، وبرامج تلفزيون (الواقع)، وأضع الواقع بين قوسين لأعني (الساقط) الذي يتدحرج من ارتفاع شاهق على منحدر وهاوية· alhalwaji@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©