الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فرح يكتب عن الصوماليين الممزقين

فرح يكتب عن الصوماليين الممزقين
19 يوليو 2007 02:43
الكاتب الصومالي نور الدين فرح الذي يعيش الآن في جنوب إفريقيا ويدعو إلى إنقاذ الأحزان في بلاده من الموت، يقول: ''لكن الفقراء لا يهزّون العالم''· من أجل المعذّبين الذين يتمزّقون إرباً إرباً، وضع ''فرح'' عشر روايات وعدداً من المسرحيات· بالإنجليزية ''لأظهر أننا محطّمون لكننا ما زلنا بشراً''،حيث وجه آخر للصومال التي بالكاد تصل صراخها إلى الشاشات· التقرير التالي يرصد ما يقوله ويكتبه عن بلاده الصومال وكان التالي: أين قلبك؟ إننا أمام الكاتب الصومالي ''نورالدين فرح'' الذي يكتب بالإنجليزية، والذي قرّر أن يكافح، ولو على الورق، من أجل الأشياء الجميلة في بلاده، بعدما كان قد دُفِعَ إلى المنفى في عهد الرئيس ''محمد سياد بري'' الذي يعتبره مسؤولاً عن زراعة كل تلك القنابل التي تنفجر الواحدة تلو الأخرى· آخر رواياته هي ''عقد'' التي يروي فيها حياة امرأة تدعى ''كامبارا''، ظلت 20 عاماً في المنفى (من الهند إلى أوروبا ثم جنوب إفريقيا) قبل أن تقرّر العودة إلى الصومال ''لأنّ ثمّة يدين امتدتا من البعيد: تعالي···''· يقول فرح إنّ القليلين جداً أولئك الذين كتبوا عن الصومال، بعيداً عن الأحداث السياسية المدمّرة· الإنسان هو مجرّد رقم معذب، وعابر· لا أحد يتوقف عنده ليسأله: ''أين قلبك أيها الرجل؟''· لو طُرِحَ مثل هذا السؤال لأجاب في الحال: ''إنه هنا في هذا التراب''· ليس صحيحاً أنّ الصومالي الذي احترف، بشكل عام، تربية الإبل، لا يشعر بـ''عبقرية المكان''· ويؤكد فرح على ''قوّة المكان'' في الصومال· الناس يتعلقون بكل شيء؛ لا ينسون أبداً نكهة الهواء، ويتحدثون عن القمر ''الذي كان ضيفنا المفضّل على سطوح المنازل، بعضهم كان يتكلم إليه ويدعوه إلى تناول القهوة· هناك العلاقات حميمة، وعميقة، مع كل الطبيعة، قد يضطر عوز البعض إلى أن يمشوا حفاة، ولكن مَن عرف منكم ماذا يعني أن تلتصق أقدامنا العارية بالأرض؛ القدمان ذاكرة، ولا تعرف النسيان؛ لا تستطيعون أن تتخيلوا ماذا يحدث عندما تعشق القدمان الأرض''· يرى الروائي الصومالي أنّ بلاده انتهكت ممَّن هم أشد هولاً من الثعابين: ''قد تجد لدى هؤلاء لحظة للقلب· أمراء الحرب شيء مختلف· إنهم يبتلعون الجثث تماماً مثلما يبتلعون الذهب أو الأطباق الساخنة التي تُوضَع أمامهم، فيما عيون الحرّاس تنتظر الفتات، لا أحد يعرف كيف يمكن أن يحدث هذا· لا بد أنّ ''سياد بري'' جرّ الشيطان بالحبل إلى هنا لكي يتحطم كل شيء· أكاد أسأل ما إذا كان الشيطان إياه قد نشر أولاده في هذه الأرض· هذا لن يستمر أبداً· إن الحنين نظيف وخلاق''· الابن والعشيقة قد تستطيع البندقية أن تقتل أي شيء ما عدا الحنين ''الذي هو مخزوننا من الأمل''· ''كامبارا'' بطلة روايته '' عقد'' التي تزوّجت مرتين من صوماليين في تورنتو ـ العنف ليس دائماً في الأدغال أو في الشوارع، بل داخل المنزل أيضاً ـ عانت الأمرّين، مقدّمة صورة مذهلة عن ''كمّية الحجارة التي تحت جلدنا وننقلها إلى أي مكان''· ابنها مات غرقاً بينما كان أبوه يلهو مع عشيقته·· في الصومال كان عليها أن تقاتل من أجل استعادة منزلها الذي اغتصبه أحد أمراء الحرب، وكان عليها أن تعيد إلى الأذهان ذلك الشيء الذي يدعى ''ثقافة'' من خلال مسرح متنقّل يقدم بعض القطع التي يمكن أن تذهب بالخيال إلى مكان آخر بعدما شاع كثيراً الخيال الذي يرتطم، ويستقر، عند حائط المقبرة· النقاد لا يتعاطون مع ''نورالدين فرح'' على أنه يقف عند باب الأكاديمية السويدية· ويأخذون عليه بعض الركاكة، والتكرار، في البناء الدرامي لشخصياته، كما أن اللغة يمكن أن تكون على حافة اللغة، فيما هو يدافع عن ذلك بالقول إنه يعاني من فائض في الأحاسيس، هذا يمنعه من التوقف طويلاً لدى اختيار المفردات، وإن كان يعتبر انّ اللغة هي امتداد ''جيوبوليتيكي'' للأحاسيس· كيف تضحك الإبل لا فارق بينه وبين ''كامبارا'' التي عادت إلى الصومال، حيث هو أيضاً سيعود، ويعتبر أنّ الكارثة بدأت تقترب من نهايتها وأساقفة الحرب باتوا عراة تماماً، والناس استنفدوا كل طاقتهم في العذاب أو في الموت، ويعتقد أنه حتى عندما تطأ قدماه أرض الصومال، لن يتوقف الحنين بل أنه سيزداد اشتعالاً لأنّ ثمّة تفاصيل كثيرة ذهبت؛ إناس كثيرون ماتوا، منازل لا تحصى تحوّلت إلى خراب: ''لن أقلد ''ت·س·إليوت'' في ''الأرض اليباب'' بل أنني سأحاول أن أعلّم الإبل كيف تضحك؟ هل هذه مهمّة الكاتب أو المهرّج· لا بأس إذا ارتديت وجه المهرج؛ إذا كان ذلك يحمل الناس على الخروج من المقابر''· مقابر في كل مكان: ''إنهم يتقاتلون على الفتات، لا ناطحات سحاب في مقديشو، ولا مؤسسات أو مصارف يسيل لها اللعاب، لكن أمراء الحرب يستطيعون دوماً أن يجدوا تلك الأشياء التي يملأون بها بطونهم، البطون انتفخت كثيراً، ولا بد أن تنفجر''· هل من مقارنة (أو مقاربة) بين مَن يكتب عن بُعد، ومَن يستشعر عن بُعد؟ لا، لا، يرفض ''نورالدين فرح'' أن يكون ينظر إلى الدموع، وإلى الضحايا، وإلى الغرف الممزقة، من وراء الزجاج: ''حين أضع أصابعي على الورق، أشعر أنني أضعها فوق كل هذه الأشياء الساخنة، أحاول أن أكفكف الدموع التي تتساقط من أظافري''· الرحيل موت يستغرب نور الدين فرح كيف أن الكتّاب العرب، في المشرق كما في المغرب، لا تهزّهم إلا قليلاً قليلاً تلك الليلة التراجيدية الطويلة في الصومال: ''قولوا إننا بشر ونستحق الصراخ''· لكنه يغفر لهم لأن ''لعبة الشظايا'' في كل مكان: ''ثمّة مَن يمزّقنا جميعاً''· هل هو الماضي؟ المسألة، وكما يرى، أكثر تعقيداً بكثير من أن تكون هكذا: ''لن أجثو أمام الغراب وأصلي''· لكن هذا الذي يحصل الآن: ''اطردوا كل تلك الغربان من المرايا، ومن الأصابع، ومن ملابس الأطفال''· ملابس للأطفال؟ سؤال يهزّ ''نورالدين فرح''، فيقول: ''آسف، أن تكون لغتي إنجليزية، لعلها تشعِرهم بصقيع إضافي، لكنني أريد أن أنقل ذلك الحنين إلى العالم''· لماذا إلى العالم؟ ''لا، لا، لا أتوسّل علب الحليب، ولكن لأقول لهؤلاء إنّ الذين يموتون ليسوا بضاعة بشرية· إنهم بشر مثلكم، ولديهم حنين إلى منازلهم، وإلى وجوه أصحابهم الذين إما ماتوا أو رحلوا· لا فرق في الصومال· الرحيل موت''· (أورينت برس) نور الدين فرح ''نورالدين فرح'' وُلِدَ في مدينة ''بيدوا'' عام 1945 يتقن عدّة لغات· لم يضع رواياته بالصومالية التي بدأ الكتابة بها عام ،1991 ولا بالعربية الرسمية، بل بالإنجليزية· كتب عشر روايات، وروايته الثانية ''إبرة عارية'' هي التي أثارت غضب ''سياد بري'' الذي طلب رأسه، فلاذ بالفرار ليعود بعد وفاة هذا الأخير عام 1991 ثم ليستقر في مدينة الكاب في جنوب إفريقيا· حاز على جائزة كافور الإيطالية كما على جائزة نوستاد الألمانية· ويقول النقاد عنه إنه واحد من أبرع الكتّاب في مقاربة شفافية المرأة ومشكلاتها المستحيلة في القارة السوداء، حتى أنّ روايته ''وُلِدَت من ضلع آدم'' أثارت دوياً كبيراً، كونها أضاءت حياة امرأة واجهت، في كل التفاصيل اليومية، التقاليد الضاغطة التي تنظر إلى الأنثى على أنها مخلوقة دنيا·
المصدر: الاتحاد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©