الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحياة في تركيا ليست كلها انتخابات

الحياة في تركيا ليست كلها انتخابات
18 يوليو 2007 02:40
رغم شغف الشعب التركي بالسياسة يعكسه حرصه على المشاركة، إلا أن قطاعات عريضة منه بدأ يصيبها نوع من الملل الذي قد ينقلب إلى ضجر عارم، المراقبون من جانبهم يتوقعون أن تؤثر حالة الاضطراب هذه على نتائج الانتخابات التي ستجرى يوم الثاني والعشرين من الشهر الجاري، وقد تحدث مفاجآت قد لا تكون متوقعة كما حدث في انتخابات إبريل قبل ثمانية أعوام والتي أتت بنقيضين لا رابط بينهما: اليسار من جانب، واليمين المتطرف من جانب آخر· على أية حال، تبدو الحياة الاجتماعية في حيرة ما بعدها حيرة، ترى هل هو الغلاء الكاسح الذي يعصف بالعقول من فرط التباديل والتوافيق لمواكبة المعيشة، وفشل الكثيرون في قضاء إجازة -حتى لو كانت بالتقسيط كباقي الاحتياجات الأخرى الضرورية-، أم أن القنوط عائد إلى الأنباء المزعجة القادمة من جنوب شرق البلاد نتيجة الهجمات الإرهابية التي تقوم بها العناصر الانفصالية التي تريد تفتيت البلاد· رغم كل ذلك، انشغل الناس بحادثين، ظهرا للوهلة الأولى متناقضين في وقعيهما، الأول مأساوي، والثاني خليط من الكوميدي والتراجيدي، الطريف أن الحادثين لا رابط بينهما، لكن البعض جاهد، ليجعل بينهما علاقة، كيف ؟ هذا ما سوف تجيب عليه السطور القادمة·· مناخ يستغيث بالماضي عندما تتخذ الحكومة قراراً بتعطيل المدارس، ومعاهد العلم، وغلق المصالح الرسمية بسبب الحر، فالأمر جد خطير· أنقرة العاصمة التي تصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون العشرة تحت الصفر شتاء، جاء عليها اليوم تلتحف فيه بنار شمس كادت تذيب أسفلت الشوارع· ''إنها جهنم بعينها''·· الكبار والشيوخ، يؤكدون أن السماء غاضبة فهم لا يتذكرون أن عاشوا تلك النار الموقدة· والحق أنه قبل عقد فقط من الزمان كانت أنقرة وحتى الخامس عشر من يوينو تتدثر بالثلج الأبيض، فماذا حدث ؟ فمنذ ذلك التاريخ والبرد في تراجع مستمر أمام زحف لهيب الشمس الحارقة! في '' انطاليا'' المطلة على المتوسط، بدت المأساة فيها فاجعة، فقبل سنوات قليلة جدا ومع موجة قيظ مشابهة، راح العجائز يلفظون أنفاسهم سنة بعد أخرى، ورغم التدابير التي اتخذت والتحذيرات التي أعلنها الإعلام المسموع والمقروء والمرئي إلا ان عددا من كبار السن سقطوا صرعى الحر حتى الذين تجنبوا وهج الشمس ارتسم الوهن على وجوههم وبدوا وكأن عظامهم قد تحطمت! ربما أن المناخ في تغير، وفي نفس الوقت، لا أحد يعلم إلى متى ينتهي؟ هنا كان على المواطنين تدبر أمرهم، فسلوك الناس في العاصمة أنقرة، وهذا هو الجديد، بدأ يعتريه بعض الاختلاف والذي انعكس بدوره على نمط الحياة بالمدينة التي لم تعرف سوى التدفئة، أما التبريد في الإجمالي العام لا حاجة له، فالصيف مهما طال فلن يتعدى شهرين ونصف، وحرارة الجو مهما ارتفعت فيمكن احتمالها خاصة وأنها على أسوأ الظروف لم تكن تتعدى ال30 درجة· الآن الوضع تغير فهل يعاد تصميم العاصمة كي تتكيف مع اتساع ثقب الأوزون أم تنتظر؟ غير أن المشكلة هي إلى متى ؟ الحجاب في الكلوب ''ارطغرول سغلام '' لاعب قديم ''ببشيتكاش'' أحد أكبر أندية كرة القدم في تركيا، لا يعمل بالسياسة، وليس عضوا بأي حزب بما في ذلك الحزب الذي يحكم البلاد منذ خمس سنوات والمصنف بكونه حزباً إسلامياً· ومنذ سنوات أصبح '' ارطغرول '' مدرباً محترفاً، لكن ودون سابق موعد صارت السيدة ''حرمه'' حديث الساعة، بيد أن اسمها بات يقترن بأسماء الهوانم اللاتي فرض عليهن سياج منيع، وتم منعهن من مرافقة أزواجهن في أي مراسم رسمية بالقصر الجمهوري بالعاصمة أنقرة لأنهن محجبات· فطبقاً للقانون، لا يجوز ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة الرسمية، وهنا كان لا بد وأن يثار هذا التساؤل: ما علاقة أندية كرة القدم بمؤسسات الدولة الرسمية؟ ورغم أن الإجابة مازالت معلقة، إلا أن حرم ''ارطغرل'' -التي كادت أن تكون حائلا في إبرام اتفاق نادي بشيتكاش مع زوجها كي يقوم بتدريب الفريق- سيكون حظها أفضل كثيرا مقارنة بزوجات زعماء حزب العدالة والتنمية المحجبات، أما كيف فالإجابة في القصة التالية: كان جمهور ''بشيتكاش'' يحدوه أمل كبير في أن يحرز ناديهم بطولة الدوري لكن هيهات فقد ضاعت المسابقة لتصبح من نصيب ''فنارباتشيه''، ولامتصاص غضب الجماهير اتخذ النادي قراراً بالتخلي عن مدربه والبحث عن آخر جديد، وسرعان ما وقع الاختيار على ابن النادي اللاعب ''ارطغرول'' الذي انهي تعاقده مع نادي ''قيصري''، المثير في الأمر أن ''ارطغرول'' لم يكن محل خلاف إطلاقا، غير أن مفاوضات تعاقده توقفت في اللحظات الأخيرة، فقد اكتشفت إداراة النادي أن السيدة زوجة ''ارطغرل'' محجبة، الأمر الذي وقع على بعض الأعضاء كالصاعقة، وأمام هذا الموقف العصيب أرجأ مجلس الإدارة النقاش لالتقاط الأنفاس والبحث عن مخرج خاصة بعدما انقسم أعضاؤه بين مؤيد ومعارض بعنف· وجاءت الجلسة الفاصلة، بعد أن زادت حدة الخلاف بين كلا الطرفين - شارك الإعلام في تعميقها بجدارة- غير أن رئيس النادي -المفترض أنه عامل حسم- كان حازماً وصريحاً في آن، فأكد على ضرورة الفصل بين الكرة والسياسة، وما يهم النادي هو مدى كفاءة المدرب ومهنيته وليست ايدولوجيتة أو حجاب زوجته، وبعد أخذ ورد اتخذ المجلس قراره بالتعاقد مع '' أرطغرول '' لتدريب الفريق اعتبارا من الموسم القادم ولمدة عامين· حجاب زوجة '' ارطغرول '' أعاد للأذهان قصصا مشابهة من الماضي القريب· فقبل ستة سنوات ، وتحديدا في مايو عام 2001 ، فجر فريق لكرة القدم في مدينة ''كونيا''، التي تبعد عن اسطنبول بنحو 650 كيلو مترا، مفأجاة من العيار الثقيل، بيد أنها كادت تصيب البلاد بالشلل، فالفريق وما ان حقق فوزه الغالي على فريق ''قيصري'' ، وبالتالي صعوده لدوري الدرجة الأولى ، قام اللاعبون بالصلاة في أرض اللمعب شكرا لله، الأمر الذي اعتبرته الصحف الكبرى نكسة في المسيرة العلمانية بالبلاد، فعلى حد وصف جريدة ''جهوريت'' آنذاك فـ'' الشريعة باتت في الملعب الأخضر''، أما صحيفة ''صباح'' فقد اعتبرت ''السجدة في الساحة الخضراء'' تغلغلا للاصولية في كافة مناحي الحياة بما في ذلك الكرة· واقعة أخرى مشابهة ولكن مسرحها كان في مدينة ''دوذجه''، التي تبعد عن العاصمة أنقرة بنحو 236 كيلو مترا، فقد كانت هناك مسابقة كروية محلية، وكما هو معتاد لا بد وأن يعزف السلام الوطني، وبالفعل أصطف لاعبو الفريقين في صف أفقي، وما أن بدأ العزف، أدار لاعب ظهره للعلم رافعاً يده ليقرأ ''الفاتحة'' وبسرعة أتخذ قرار بفصل اللاعب· لكن تلك كانت حكايات الماضي، والتي لم يعد لها مكان في الحاضر المعاش، أما الإصرار على إثارة مثل هذه القضايا، فسوف يقابله عقاب من السماء، وتغير المناخ بتلك الصورة التي لم تعتاد عليها البلاد ما هو إلا غضب من السماء، هكذا روجت بعض الأدبيات السيارة التي تصف نفسها بأنها صدى صوت البسطاء المخلصين لتراب الأناضول، أنهم القوميون الجدد، المنتظر أن يعلوا صوتهم بعد أيام قليلة· المخلصون لتراب الأناضول الحياة الاجتماعية هنا في حيرة ، هل هو الغلاء ؟ أم العناصر الانفصالية التابعة لمنظمة حزب العمال الكردستاني التي تريد تفتيت البلاد وإرهابها الذي يودي بحياة الأبرياء· رغم كل ذلك، انشغل الناس بحادثين، الأول مأساوي، والثاني خليط من الكوميدي والتراجيدي، ورغم أنه لا رابط بينهما، إلا أن البعض الذين يصفون أنفسهم بأنهم وحدهم المخلصين لتراب الأناضول جاهدوا من أجل إيجاد رابط بينهما!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©