الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

من محنة الأرصفة المهلهلة.. إلى امتحان الكتب الرديئة

من محنة الأرصفة المهلهلة.. إلى امتحان الكتب الرديئة
18 فبراير 2018 22:40
ناصر البكر الزعابي ارتبطت العشوائية بالتخبط وفقدان الهدف والأسباب، وأطلقت على العديد من الأماكن والخرائب (العشوائيات) دون أن يتعمّق البعض في تفسير هذه العشوائية، وهل هي وليدة الصدفة أم الإهمال أم التأجيل والتسويف؟ أم ثمة أسباب أخرى مجهولة أو مختبئة في مكان ما؟ إذن، لا بد من معاينة سريعة للتعرف على العشوائية عن قرب في محاولة لعلاج هذا الخلل الذي يداهم حياتنا كشبح خفي وعدو غامض مما يؤدي إلى تدهور الأوضاع لاحقاً.. أمثلة المجهر نلمح خلف مركز تجاري فاخر، ممراً يفصل بين جدارين أصبح مرتعاً للأشجار التي لم تعرف التقليم في حياتها، ومكاناً مفضلاً للأوساخ والقاذورات.. ويستند على ظهر الجدار «قارب صيد قديم» تحوّل إلى حاوية للأشياء القديمة التي يلفظها الناس في انتظار التخلص منها بعد تراكمها. القارب الطافح بأشياء لا تمت إلى طبيعته بصلة يغوص في الرمل، يحمل ذنب الإهمال وانتهاء صلاحيته الافتراضية أو استبداله بقارب أكثر متانة وقوّة.. فبدلاً من أن يذهب القارب إلى مخزن الصيد، أصبح حارساً وهمياً للممر وملاذاً آمناً للقطط السائبة.. فهذه النفاية المصطنعة لم يكن لها داعٍ سوى العشوائية والفوضى التي تراكمت وسدّت الممر تقريباً أمام كل عابرٍ يفرّ من ازدحام الشارع الرئيس. وحينما يلتقي عابر مخضرم أراد استرجاع خطوات طفولته بإصرارٍ عجيب، لكنه يصطدم بالعشوائية والفوضى وأصبح عليه أن يختار طريقاً بديلاً، ولعل الرصيف يكون حلاً مثالياً في شارع أبعد بقليل، إلا أنه وما إن وطأت قدماه الرصيف حتى أحس بنداء استغاثة من الشجرة التي احتلت مساحة واسعة منه لفترة زمنية طويلة مما صعّب مهمة العابرين.. أسئلة الراهن هل انتقلت الفوضى من الجماد إلى النبات؟ وهل تعاني الطبيعة من اضطراب واضح حيث نلاحظ تقلّبات الطقس في الفصل الواحد واليوم الواحد مما يسبب العديد من الأمراض التقليدية (الإنفلونزا والحمى والربو وغيرها)؟! ألم تتغلغل الشجرة إلى الرصيف دون أن يردعها بستاني محنك أو عامل نظافة منذ البداية وأهمل وجودها حتى تفاقمت المشكلة وأصبح اقتلاعها من جذورها حلاً ضرورياً؟! لماذا نترك المشكلة تكبر معنا وبداخلنا حتى تتفاقم إلى أن تصل إلى قمة الخطورة؟! إذن، فالنفاية هي نتيجة حتمية ونهائية بعد العشوائية والفوضى، وهي المنتج الحقيقي للإهمال.. والغريب أن للنفاية عدة فوائد من إعادة تصنيع بعض المواد مما يشكّل ثروة لأصحاب المصانع، وهذا يتعارض مع فكرة العشوائية ظاهرياً إلا أنهما يلتقيان في جانب الربح والمنفعة، وقد يكون هذا الإهمال المتعمّد بوابة أخرى للثراء!! عشوائية ورقية ومن يقرأ عشوائية الكتب في عصرنا الحاضر واتساع أسواق النشر في جميع أنحاء العالم وغزارة الإنتاج، ستخطر في باله كلمة العشوائية.. فكثير من الكتب الرديئة والضعيفة تحتل مساحاتٍ واسعة بعناوين رنّانة وأغلفة برّاقة، حيث انتقل التنافس من المحتوى والمضمون إلى معدل البيع والشراء.. ومن هو صاحب العنوان الأبرز، وصاحب الغلاف الأجمل!! ربما يكون للقارئ وللمثقف العتيق رأي صادم باستخدام كلمة الفوضى أمام سوق الأزياء الثقافي الذي نلمحه طوال العام بعيداً عن جودة الإصدار، وهناك بعض النقاد من كان صريحاً باعتبار بعض الإصدارات نفاية! قد نختلف، وقد نتفق، وقس على ذلك في مختلف المجالات.. فهناك من يستفيد من هذه العشوائية بذكاء، وهناك من يغرق مع الفوضى، وهناك من يفنى مع النفاية.. فهذه المفردات الثلاث تجمعها قواسم مشتركة قديماً وحديثاً، وتحتاج إلى مزيد من التأمّل للوصول إلى نتيجة نهائية وحاسمة.. ومن يطلع على كتاب «النفايات» لمؤلفه جون سكانلان الصادر عن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ضمن مشروع (كلمة) ترجمة د. محمد زياد كبة، يكتشف مساحاتٍ واسعة ونظرة فلسفية عميقة لمفهوم (النفاية) عبر خمسة فصول قيّمة، وقد ربط بين العدم والتشرّد والنقائص بأسلوبٍ أخّاذ، وكما أشار المؤلف إلى مقولة إيمانويل دانتي: «المواد المعفرة في التراب الآن يمكن أن تتحول إلى بناء رائع» («النفايات»، ص 87). فخ النفاية رغم نبوغ عدد كبير من الأدباء، فإنهم وقعوا ضحية العشوائية والتخبط في حياتهم.. وانعكس ذلك على إبداعاتهم التي ضاعت في متاهات التشعّب تارة، وسوء النشر وعدم جمعها بالشكل الملائم تارة أخرى.. ولو أنها قدّمت بشكلٍ منظم ومناسب، لربما نالت الانتشار عند شريحة عريضة من الجمهور.. وقد تكون الكتابة انعكاساً واضحاً لحالة الشتات والضياع.. وقد تتأثّر هذه الإبداعات بالاضطرابات النفسية التي أثّرت على مشاريع الكتابة، وفي موضوعٍ متواصل فإن إبداعاتٍ كثيرة قد ضاعت هباء وتحوّلت بشكل مؤسف إلى نفاية بسبب الإهمال الفادح.. فلا شك أن هناك نتاجات أدبية ضائعة لم تدوّن، مما حرم المتلقّي من كنوزٍ ثقافية متوقعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©