الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا ومعضلة فراغ السلطة في مرحلة ما بعد بوتين

روسيا ومعضلة فراغ السلطة في مرحلة ما بعد بوتين
15 يوليو 2007 09:41
تعم العاصمة الروسية موسكو حالياً موجة من الشائعات عن البديل المحتمل لبوتين، وعما سيفعله هذا الأخير ، إثر تنحيه عن السلطة، إن فعل· وعلى كثرة وتنوع التكهنات الخاصة بمرحلة ما بعد بوتين، فإنها تجمع على صعوبة توقع ما سيحدث، مع وجود ميل واضح بينها إلى التكهن بعدم استقرار الأوضاع إثر تنحيه· وكلما اقترب الموعد المحدد لإجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة، كلما اتسعت دائرة تكهنات الخبراء والمحللين السياسيين، داخل روسيا وخارجها، وكذلك التحليلات الصادرة عن العاملين داخل أروقة الكرملين· غير أن الملاحظ أن غالبية هذه التحليلات لا تعتمد على حتى مجرد معرفة جزئية بما يدور حقاً في دهاليز سلطة بوتين، كما يغلب عليها طابع التنافس فيما بينها على أن تبدو كل واحدة منها أكثر إثارة وتشويقاً من غيرها· هذا وتبدأ قائمة المرشحين لخلافة بوتين في المنصب الرئاسي، بكل من نائبي رئيس الوزراء، سيرجي إيفانوف وديمتري مدفيديف، اللذين دفع بهما بوتين بعيداً إلى مقدمة السباق الانتخابي· وقد خصصت لكليهما ساعات بث تلفزيوني كافية، وذاعت شهرتهما· لكن وفيما لو غير بوتين وجهة نظره في هذين المرشحين، فسرعان ما سيدرك الجمهور الروسي، من هي الشخصيات الجديدة المفضلة لديه، من خلال التغيير الذي سيطرأ على خيارات وامتيازات التغطية التلفزيونية تلك· بيد أنه ليس ثمة في الافتراضات التي تعم دوائر المحللين والمراقبين السياسيين  في روسيا، حول المرشحين الفعليين لخلافة بوتين في المنصب، خاصة وأن هذه الدوائر تفترض أن ترشيح إيفانوف ومدفيديف ليس مقصوداً منه شيئاً آخر سوى صرف أنظار الرأي العام عن المرشحين الفعليين· غير أن رصد التحركات السياسية، وكذلك التعليقات العرضية العابرة التي ترد على لسان بوتين، فضلاً عن مراقبة أي تغييرات ربما تطرأ على الهرم القيادي للسلطة، يتواصل على أمل الإمساك ببعض الخيوط المؤدية إلى معرفة التحولات المستقبلية المحتملة في جهاز السلطة· والجديد أن لعبة التخمين والتكهنات هذه، قد مضت شوطاً أبعد بكثير من الانغلاق في أوساط المحللين السياسيين الأكثر جدية· ففي الأسبوع  الماضي، بث راديو ''إيكو موسكي'' وهو محطة إذاعية سياسية مشهورة، برنامجاً طالب فيه جمهور المستمعين باختيار الرئيس القادم الذي يحلمون به، من بين أشهر شخصيات كتاب الأدب الروسي الكلاسيكي· أما أولئك الذين يتوخون قدراً أكبر من الحذر في التكهن بالأسماء المحتملة لخلافة بوتين، فيوجهون تكهناتهم إلى قضايا أخرى ذات صلة، من بينها ما إذا كان الذي سيخلف بوتين في المنصب، سيكون شخصاً ضعيف الشخصية، مما يعني استمرار بقاء بوتين كصانع فعلي للقرارات من خلف الكواليس بعد تنحيه، أم سيكون قوي الشخصية، ما يرغم بوتين على مغادرة الحلبة السياسية برمتها·  وهذا بدوره يقودنا إلى مجال آخر من مجالات التخمينات الانتخابية هذه· والمقصود هنا مصير بوتين المهني، في أعقاب تنحيه· ففي حين يراه مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، زبيجينيو بريجنسكي، باعتباره ''زميلاً'' أو نائباً أو رئيساً للمستشار الألماني السابق جيرهارد شرويدر، الذي يعمل رئيساً لشركة روسية-ألمانية تعكف الآن على بناء خط لأنابيب الغاز بين روسيا وألمانيا، فإن هناك من الروس من ينظر إليه بصفته رئيساً محتملاً للجنة الأولمبية الدولية· وهناك من يعتقد أنه سوف يتولى منصب رئاسة الوزراء، أو رئيساً للمحكمــة الدستوريـــة، أو رئيساً لمجلس الأمن الروسي، أو رئيساً لمؤسسة خيرية عملاقة، أو زعيماً لأكبر الأحزاب السياسية الروسية الموالية للكرملين، أو رئيساً لإحدى أكبر شركتي النفط في البلاد· وفيما لو تحقق ذلك، واندمجت الشركتان المعنيتان، فإن المتوقع لبوتين أن يتولى رئاسة أكبر شركة نفطية عالمية·  غير أن من البديهي أن أياً من هذه التكهنات، لا معنى لها البتة· والذي نجهد في الوصول إليه، لا علاقة له بأية تداخلات في المصالح، على النحو الذي تمثله المؤسسات الديمقراطية عادة· فالحقيقة أن السياسة الروسية قد قضت تماماً على المؤسسية نفسها، بحيث تفقد جميع المؤسسات معناها وسلطتها، عدا السلطة المطلقة للرئيس وكبار مستشاريه ومساعديه· ولذلك فإن الذي نحاول استنتاجه هنا، هو الكيفية التي تعمل بها ذهنية رجل واحد فحسب في روسيا كلها، مع العلم أنها ذهنية شديدة السرية والحذر· ولذلك فليس مستغرباً أن يتحاشى بوتين أي حديث أو مجرد إشارة إلى الشخصيات الحقيقية التي سوف يرشحها لخلافته، حتى في حال إجابته عن أسئلة الصحفيين عن السباق الانتخابي الرئاسي المتوقع· وعادة ما يكتفي بوتين في مثل هذه  الحالات، بالقول إن روسيا سوف تخوض سباقها الرئاسي الانتخابي، شأنها شأن أي ديمقراطية أخرى· ومهما يكن من أمر هذه الترشحيات، فإن المتوقع للانتخابات المقبلة أن تكون استمراراً لذات العروض الهزلية التي اتسمت بها الانتخابات السابقة، مع احتمال إضافة جرعة هزلية مضاعفة هذه المرة· والسبب أن الشرائح السياسية العليا في روسيا، قد تراصت خلف مصالح جد متنازعة ومتناحرة، ما يعني تهديد حالة الاستقرار السياسي الحالية هناك، بالفراغ الذي سيعقب تنحي بوتين، خاصة وأنه هو  الذي يحفظ التوازن القائم الآن بين هذه القوى والمصالح مجتمعة، بحكم دور المحكّم والوسيط الذي يؤديه بينها·   محررة دورية  كارنيجي  بموسكوينشر بترتيب خاص مع خدمة  لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©