الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الصدف» يبوح بأسراره لقرية «ساقية كفر المنقدي» في مصر

«الصدف» يبوح بأسراره لقرية «ساقية كفر المنقدي» في مصر
24 ديسمبر 2012
«ساقية كفر المنقدي» اسم لقرية صغيرة في دلتا مصر، إلا أن شهرتها تمتد عربيا وعالميا لاسيما بين عشاق المشغولات الخشبية المزينة بالصدف مثل الكراسي الفخمة والطاولات والمناضد وقطع الأثاث واللوحات الجدارية الخشبية التي تتلألأ بألوان الأسود والأبيض والأزرق والأخضر، حيث الخشب مطعم بالصدف ومعه الموزاييك الزخرفي اللوني. ويتوارث أبناء تلك القرية أسرار تلك الصناعة اليدوية من زمن الفراعنة، وتلقى منتجاتهم حفاوة بالغة في معارض الأثاث والبازارات وأماكن عرض التحف في الغرب، إلى جانب السوق المصرية والعربية. محمد عبدالحميد (القاهرة) - قرية ساقية كفر المنقدي تنتمي إدارياً إلى مدينة اشمون بمحافظة المنوفية، وتبعد عن القاهرة 50 كيلو مترا من جهة الشمال، ويسكنها عشرة آلاف نسمة يعمل غالبيتهم في إنتاج المشغولات الخشبية الصدفية، ويؤمنون بالإبداع اليدوي حتى ولو أخذ منهم تصنيع سرير أو كرسي مرصع بالصدف الزخرفي شهرا أو أكثر، وحتى لو أن غالبية زبائنهم من الميسورين والأثرياء وأصحاب المنشآت السياحية التراثية. فهم يرون أن ما يعملونه يوميا ليس مجرد مهنة لكسب الرزق وإنما هو عمل فني على من يشاهده أن يتوقف ليتأمل مفرداته ومقدار الجهد والإبداع الذي بذله الصانع أو «الصدفجي» كما يحلو للمصريين تسميته. مهنة وتراث يقول علاء هاشم، وهو أحد حرفيي ساقية كفر المنقدي في مجال تصديف الأثاث «المهنة قديمة وتراثية وتوارثناها أبا عن جد والقرية منذ آلاف السنين اشتهرت بين سائر قرى ومدن مصر ببراعة أهلها في إنتاج المشغولات الخشبية المصدفة، ويحضر إلى القرية سياح من أماكن شتى لمشاهدة فنون تلك المهنة، وكيفية إبداع العاملين بها للمشغولات المختلفة». ويضيف «هناك نوعان من الصدف الأول طبيعي وهو عبارة عن قشور حيوانات أو قواقع بحرية تستخرج من البحار ومنها بيت اللؤلؤ، ويتميز بألوانه المتعددة التي تمثل ألوان الطيف وهو أغلى أنواع الصدف. ويتم استيراد المواد الخام من الخارج. وهناك نوع آخر من الصدف يتم إنتاجه من البلاستيك»، موضحا أن الصدفجي يعمل وفقا لرغبات الزبائن فهناك من يرغب في أن تكون رسوم الصدف مستمدة من التراث الفرعوني أو الإسلامي ولذا فتحديد المطلوب أول خطوة في المهنة فمن غير المعقول أن يقوم الصانع بإنتاج أعمال من دون أن يكون لها زبائن أو اتفق عليها مسبقا مع إدارة فندق أو قرية سياحية أو بازار أو انتيكات. فتكلفة المواد الخام مرهقة للغاية لأي صانع ناهيك عن الوقت والجهد الذي يبذل ومن ثم يقوم الصانع برسم الشكل المراد حفره على ورق «الكالك» بقلم الرصاص، وينقل الرسم إلى الخشب، ويقوم بخطوات أخرى لتزيينه بالصدف، وفقا لمقاسات دقيقة ثم تبدأ عملية الصنفرة إلى أن يصبح الصدف ذا ملمس ناعم، ثم يقطع إلى شرائح رفيعة تسمى الواحدة منها «مبرزة» ويصل سمك المبرزة إلى 3 ملمترات، ثم توضع إلى جوار بعضها لتكون الشكل الهندسي الفني المطلوب مثل الشكل الخماسي أو السداسي أو الثماني حسب التصميم الذي يسعى المزخرف إلى تزيينه، منوها إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار نوع القطعة وحجمها فكلما كانت القطعة المشغولة أكبر كان تطعيمها أسهل وكلما صغر حجمها كان الشغل فيها أدق وأعمق. بعدها يقوم الصانع بتثبيت كل قطعة صدف بمادة لاصقة ونفضل الغراء الطبيعي ونراعي أن تكون في مكانها الدقيق من دون الخروج عن الرسمة المحددة وهذا يبرز جمال العمل عند اكتماله». أنواع التصديف يشير الحرفي مجدي عبدالمنعم إلى أن هناك أنواعا عديدة للتصديف تختلف من حيث أحجام الصدف أو أشكاله أو طريقة تزيينها. ويوضح «هناك التصديف الفرعوني والإسلامي والتصديف المشجر والتصديف الهندسي ولكل نوع ما يناسبه من قطع صدف بمقاسات كبيرة قد تصل لنحو 10 سم، وهناك ما يناسبه القطع الصغيرة جدا والمنتجات التي يتم تصديرها إلى أوروبا وأميركا تتراوح بين التصديف الفرعوني والمشجر، بينما السوق المصرية والعربية تفضل التصديف الإسلامي». ويشير إلى أن «تقطيع الصدف صعب للغاية ولا يقوم به إلا الصانع ذو الخبرة الكبيرة فالصدفة الواحدة تحتاج إلى دقة متناهية في القطع المضبوط، وأي انحراف ينتج عنه أن القطعة التي تجاورها لا تكون متناغمة معها، وتبدو في حالة مشوهة ما يجبر الصانع على نزعها فتصبح تالفة؛ ما يعني هدرا للمال وللجهد»، لافتا إلى أن أفضل أنواع المشغولات الخشبية التي يتم تزيينها بالصدف هي المصنوعة من خشب الجوز لأنه سهل الحفر وقطعه كبيرة ولونه بني محروق متين لا يتشقق مع الزمن. وإذا كانت القطعة محفورة وبها الصدف تعيش لفترة طويلة تمتد لمئات السنين مثلما هي في بعض التحف منذ زمن الفراعنة وذلك من دون أن تتأثر بالتغيرات المناخية. ويؤكد عبدالمنعم أن تعلم المهنة يجب أن يكتسب في سن مبكرة لأن عملية التزيين بالصدف تمر بمراحل عديدة، وبها تقسيمات في العمل وكل مرحلة تحتاج إلى وقت وصبر وقوة ملاحظة لتعلمها وإتقانها، مشيرة إلى أنه يصعب تحديد سعر ثابت لأي قطعة مصدفة فالأمر يختلف وفقا لكل قطعة منجزة، ومقدار ما يحتاج إليه الصانع من خامات، وما بذل فيها من جهد وحرفية وفن وحجم الدقة بين القطع وروعة التداخلات الفنية. طرق العمل حول طرق تطعيم الخشب بالصدف، يقول شحاتة عبدالله «هناك طريقتان لتطعيم الخشب بالصدف وتفضيل أي من هاتين الطريقتين يكون بحسب المزخرف نفسه ومهارته، وربما تعوده؛ فهناك الطريقة العربية القديمة وهي أصل الطرق المتبعة في التصديف، وتحتاج إلى أيد عاملة ماهرة وتتلخص في عمل القطعة كاملة من قبل النجار ثم يأتي الصدفجى ليرسم النقشة المرغوبة، ثم يقوم بالدق والحفر على هيئة خيوط هندسية لوضع قطع القصدير، وبعدها يقوم بوضع قطع الصدف المقطوعة حسب الرسمة، وأحيانا يتم استخدام النحاس والحديد داخل الصدف لتطعيمه وإضافة لمسة جمالية، كما يمكن إدخال خيوط الفضة في القطع الثمينة الغالية». ويتابع «هناك طريقة أخرى تسمى الطريقة البلدي وهي تعتمد على رص الصدف بجانب بعضه بالشكل المراد، ويملأ الفراغ بمعجون فيظهر بشكل متناسق ولا يستطيع أحد التفريق بين الطريقتين، وبعد أن تنتهي مرحلة تنظيم الصدف على قطعة الخشب ولصقه تأتي مرحلة أخرى تسمى مرحلة التسوية من خلال جرد الصدف بالمبرد حتى يصبح بمستوى واحد، ويصبح سطحه أملس مثل الرخام، ثم يقوم الحرفي بتنعيمها، وبعد ذلك يتم دهانها بزيت خاص يسمى زيت معدن يعطي لمعانا يدوم لفترة طويلة، كما يبقي الصدف محافظا على ألوانه على عكس أنواع الدهانات الأخرى التي قد تغير من لون الصدف الأصلي، وهناك ألوان متعددة للصدف منها الزهري والأبيض وقوس قزح والأخضر بألوانه المتعددة والأسود والأصفر، ويختلف سعر القطع المصدفة حسب حجم وشكل القطعة والوقت الذي استغرقته والجهد المبذول ونوع الصدف المستخدم في الزخرفة». وحول مجالات التطوير في هذه المهنة، يقول شحاتة «طورنا في المهنة من خلال ابتكار رسوم وزخارف جديدة، وتطعيم الصدف بالقصدير والحديد والفضة. والطلبات تتنوع بتنوع الزبائن فمنهم من يرغب في أن نصنع له غرفة نوم من الصدف. وهناك من يرغب في تزيين كرسي أو طاولة مائدة وهناك من يرغب في تصديف علبة مجوهرات فنحن ننتج قطعا فنية باتت الحاجة إليها تقتصر على المهتمين بالديكور والذين يعرفون قدر وأهمية وجود قطع المشغولات الصدفية في البيت أو في مكان العمل»، منوها إلى أن الشيء المميز لهذه المهنة أنها لا يمكن العمل فيها إلا يدويا حيث قام وغيره بتجربة إدخال الآلة الكهربائية إليها ولكن لم تنجح في إتمام عملية التصديف خاصة في مراحل الرسوم والتقطيع واللصق. أدوات الحرفي عن الأدوات واللوازم التي يستعملها الصدفجي في مهنته، يقول الحرفي مجدي عبدالمنعم «العدة بسيطة لا تختلف عما كان يستخدم منذ مئات السنين وهي المنشار اليدوي والأزاميل ذات المقابض الخشبية وأطرافها متنوعة منها المنبسط والمستقيم والمحدب بفتحات مختلفة أيضا. وهناك أيضا المبارد الخشنة والناعمة وفراطة الصدف، والملاقط لمسك الصدف الناعم الصغير».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©