الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقاربة «بارك»... في مواجهة «الشمال»

23 ديسمبر 2012
تشيكو هارلان سيؤول بانتخاب «بارك جون هاي» رئيسة لكوريا الجنوبية يوم الأربعاء الماضي تدخل البلاد مرحلة جديدة من الحذر والتقارب المشروط مع كوريا الشمالية، الدولة النووية والشمولية التي فشل الرؤساء الكوريون الجنوبيون السابقون في ترويضها على امتداد السنوات الماضية. ومع أن موضوع كوريا الشمالية لم يظهر كثيراً في الحملة الانتخابية التي دامت ثلاثة أسابيع في ظل تركيز الناخبين على القضايا الاقتصادية، إلا أن بيونج يانج تظل مع ذلك تحدياً مهماً يطارد الرئيسة بارك، حسب العديد من المحللين السياسيين، وكانت بارك قد أعلنت في وقت سابق عن نيتها إيجاد طريق وسط بين المقاربتين اللتين تعرضتا لانتقادات واسعة من الشارع سواء تلك التي انتهجها الرئيس الأسبق، «روه مو هيون»، والقائمة على إغداق المساعدات غير المشروطة على كوريا الشمالية أملا في التقارب معها وإقناعها بالتخلي عن ترسانتها النووية، أو المقاربة الأخرى التي اعتمدها الرئيس المنتهية ولايته، «لي ميونج باك» بتعامله الصارم والمتشدد مع الجارة الشمالية. ومن جانبها نجحت بوينج يانج في استثمار المقاربتين والاستمرار في تطوير أسلحتها وإطلاق الصواريخ في الوقت الذي انخرطت فيه سيئول في محاولات فاشلة لإقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي، بل إن بيونج يانج تحولت في السنوات الأخيرة إلى أسلوب أكثر عنفاً عندما شنت هجومين على الجنوب متبنية نبرة حادة في خطابها تجاه سيئول. ولذا قررت بارك وهي تخوض حملتها الانتخابية أن تجمع في مقاربتها بين سياسة الردع الصارمة من جهة للتصدي للتهديد العسكري الشمالي، وبين استعدادها للقاء زعيم الجارة الشمالية الرئيس الشاب كيم يونج أون «إذا كان ذلك سيدعم العلاقات بين البلدين ويدفعها إلى الأمام» على حد قولها. وهذه اللقاءات، حتى على مستوى متدن من مسؤولي البلدين، كانت قد انقطعت تماماً في عهد الرئيس المنتهية ولايته مقارنة مع 35 لقاء جرى خلال السنوات الخمس من ولاية الرئيس «روه مو هيون». وفيما تكتسي العلاقات مع كوريا الشمالية بعداً غير مستعجل في نظر واشنطن بالنظر إلى الصعوبات الدبلوماسية التي تحف العلاقات الثنائية، إلا أنها تظل من وجهة نظر سيئول ضرورية لما تنطوي عليه من حمولة خاصة وشخصية، ولاسيما فيما يتعلق بالعائلات المقسمة بين البلدين وانعدام إمكانية التواصل بين أفرادها بعدما ساءت العلاقات في السنوات الأخيرة، كما أن الرئيسة نفسها تستصحب قصة مأساوية تلخص تاريخ العلاقات المتوترة بين الجارتين، حيث اغتيلت والدتها خطأ قبل 38 عاماً عندما كان المستهدف في هجوم نفذته عناصر تابعة لكوريا الشمالية والدها الرئيس، «بارك تشونج هي»، وهو ما عبرت عنه الرئيسة قائلة «إن انقسام الوطن مأساة تمس جميع الكوريين، وبالنسبة لي ينطوي الأمر على ألم دفين يرجع إلى سنوات بعيدة خلت». ووفقاً لاستطلاع للرأي أجرته الحكومة يعتقد ثلاثة من بين كل خمسة كوريين أن الرئيس المنتهية ولايته، «لي ميونج باك»: تبنى سياسة متشددة تجاه الشمال خلال ولايته التي استمرت خمس سنوات، حيث أوقف جميع المساعدات الإنسانية والمشروعات الاقتصادية الموجهة نحو بيونج يانج، مشترطاً لاستئنافها تخلي كوريا الشمالية عن برنامجها التسلحي، مشيراً في العديد من المناسبات إلى حتمية الوحدة بين الكوريتين، وملمحاً أيضاً إلى أن الشمال غير مستقر ولن يستمر النظام طويلا، وهذه السياسة الصارمة هي ما يفسح المجال أمام الرئيسة بارك، كما يعتقد ذلك سكوت سيندر، المتخصص في الدراسات الكورية بمجلس العلاقات الخارجية «لرسم طريقها الخاص في التعامل مع الجارة الشمالية واتخاذ المبادرة في التقارب مع بيونج يانج في وقت لم يعد أمام واشنطن فيه من فرص للتقارب مع الشمال، ولذا من المفيد لأوباما في هذه المرحلة ترك الأمور بيد سيئول والابتعاد قليلا عن الانخراط المباشر في الصراع». ومع أن مقاربة الرئيسة بارك أقل حدة من سلفها المنتهية ولايته، إلا أنها تبقى في جميع الأحوال أشد صرامة من سياسة الشمس المشرقة التي أرساها «كيم داي جونج» في عام 1998 التي استمر على نهجها الرئيس «روه»، فمهما كانت تصرفات الجارة الشمالية فقد أكدت الرئيسة بارك عزمها استئناف الحوار السياسي مع الشمال مع توفير قدر من المساعدات الإنسانية، كما أنها تخطط لإطلاق بعض المشاريع الاقتصادية الصغيرة بالإضافة إلى استئناف التبادل الثقافي بين البلدين، ولكن حتى ترتقي العلاقات على نحو كبير وتنخرط سيئول في مساعدات جوهرية لجارتها الشمالية فقد أكدت الرئيسة أنه يتعين على بيونج يانج البدء في تفكيك أسلحتها النووية، وهو الأمر الذي تعهد الشمال بعدم القيام به أبداً. وفي وثيقة من سبع صفحات ضمنتها الرئيسة ما سمته بسياسة استعادة الثقة مع الشمال تتعهد فيها بمساعدة كوريا الشمالية على شق الطرق وتطوير شبكة الكهرباء وتأهيل البنية التحتية، كما أشارت أيضاً إلى إمكانية تشغيل المناطق الاقتصادية الخاصة ودعم الشمال في استقطاب الاستثمارات الخارجية، ولكن كل ذلك تقول الوثيقة «مرهون بالتقدم في مجال التخلي عن البرنامج النووي»، وهو ما يرى بعض المحللين ومن بينهم روبت كيلي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بوسان بكوريا الجنوبية، أن الرئيسة وضعت من خلاله نفسها «في مأزق حقيقي بين رأي عام لا يريد التشدد إزاء الجارة الشمالية، وبين صقور حزبها المحافظ غير المتحمسين للانفتاح على بيونج يانج». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©