الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضحايا المرميون خارج الذاكرة

الضحايا المرميون خارج الذاكرة
12 يوليو 2007 02:37
كانت مجزرة قانا، عام ،1996 ضمن الحملة العسكرية الإسرائيلية على لبنان، المعروفة باسم ''عناقيد الغضب''، من أسباب توقف تلك الحرب· فـأصداء تلك المجزرة وصلت إلى كافة أنحاء العالم، الذي وجد نفسه معنياً بوقف الحرب والوصول إلى اتفاق أو ''تفاهم'' حول وقف إطلاق النار· تحوّلت قرية قانا الجنوبية الصغيرة بعد انتهاء الحرب مباشرة، إلى أثر مهم، وانشغلت الصحف ووسائل الإعلام اللبنانية والعربية بتفاصيل المجزرة وقصص ضحاياها، كما بمصير الناجين منها وأقرباء الضحايا· قام ''فشل'' الحملة الإسرائيلية في 1996 إذن على الضريبة الثقيلة التي دفعت من الضحايا المدنيين، أو على الأقل كان هذا الانطباع السائد وقتذاك· وقتذاك كنا نعيش في عالم مختلف، عالم ما قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وحربي أفغانستان والعراق، أو العنوان الأميركي العريض ''الحرب على الإرهاب''· وقعت حرب 2006 ضمن ''العالم الجديد''، وبثقافة حروب هذا العالم، التي ليس للمدنيين فيها أي اعتبار· منذ اللحظة الأولى لدخوله الحرب، كان الإسرائيلي يعرف أن حرمة المدنيين، التي تثبت الوقائع أنه لم يحترمها يوماً، قد سقطت تماماً، أو على الأقل هي في مرحلة تأجيل يمدد باستمرار· في حرب تموز وقعت قانا ثانية، وظن الجميع، معتمدين على تجربة قانا الأولى، أن العدوان سيتوقف، لكن هذا لم يحدث· هذه المرة توقفت الحرب فقط لأنه بات مستحيلاً عملياً وعسكرياً استمرارها، لا بسبب الأعداد الهائلة من المدنيين الذين سقطوا أو بسبب حجم الدمار الذي حصل· ومثلما لم يكن ثمة أي اعتبار للمدنيين خلال الحرب، أتضح بعد انتهاء الحرب، ومرور سنة عليها، أن المدنيين الذين سقطوا فيها ليس لهم أي اعتبار· فقد ساهم انقسام اللبنانيين حول الحرب نفسها، وانقسامهم الأعمق اللاحق والمستمر، حول شتى المسائل التي تصل إلى هوية لبنان ومصيره ومستقبله، في أن تمحى من الذاكرة (القريبة) ذكرى هؤلاء الذين سقطوا والذين يربو عددهم على الألف ضحية· في الصحف اللبنانية التي بدأت تنشر تحقيقات ومقالات في الذكرى السنوية الأولى لهذه الحرب، يندر أن تجد قصصاً حول الضحايا المدنيين، كما يندر أن تجد على المستويين الرسمي أو المدني أي جهد تذكاري رمزي، من النوع الذي يعقب حدثاً ضخماً كهذا· لقد كتب على هؤلاء الضحايا أن يرموا خارج الذاكرة· لقد كانوا الضحايا الخطأ في التوقيت الخطأ· وعليهم أن ينتظروا - هم الذين سقطوا جزئياً ضحية الصراع اللبناني - اللبناني، والصراع الإقليمي الدولي، على لبنان - انتهاء الانقسام الوطني اللبناني، حتى يتم تذكرهم بطريقة لائقة· حتى يعتبروا شهداء وطن بأكمله، لا شهداء طائفة أو فئة أو خيار سياسي خاطئ أو صائب· عليهم هذه المرة أن ينتظروا حدوث ''تفاهم'' لبناني - لبناني، يخرجهم من ثنائية ''الانتصار'' الذي يستعمله طرف لبناني موحياً بأنه كان يستحق هذه التضحيات، و''الحسابات الخاطئة'' التي يستعملها فريق آخر، مستعملاً معها الضحايا طبعاً، لإثبات أن الثمن الذي دُفع لا يجيز (للفريق الخصم) استعمال كلمة ''انتصار''· علق هؤلاء الضحايا إذن في دهاليز الحسابات السياسية اللبنانية، التي لم تكن يوماً لبنانية بالكامل· لن يتذكر أحد قصصهم· لن يسرد أحد أسماءهم· لن يرفع أحد نصب غيابهم التذكاري· لن تطالب جهات حقوقية ومدنية إنسانية، محلية أم عالمية، بحقهم عبر محاسبة (ولو معنوياً) المتسبب بقتلهم· ذهب هؤلاء الناس، الذين ذنبهم الوحيد أيضاً أنهم كانوا موجودين في اللحظة الخطأ في المكان الخطأ، ضحية صراع لم يُسألوا عن رأيهم فيه أو موقفهم منه· وإذا كان يفترض بصدمة وقوع ما يربو على الألف قتيل، في بلد صغير كلبنان، أن يحقق حداً أدنى من الإجماع الوطني اللبناني، على نحو ما شهدنا في أميركا بعد 11 سبتمبر، فإن ثقافة القتل اليومي التي باتت أكثر انتشاراً من أي وقت مضى، (للمفارقة، بسبب مجزرة 11 سبتمبر)، يبدو أنها منعت، نفسياً على الأقل، إن لم يكن سياسياً ووطنياً، مثل هذا الإجماع· فإذا كان سقوط هؤلاء مرتبطاً في نهاية الأمر بما يحدث في العالم، وتحديداً في العراق، فإن تذكّرهم، ورفع نصب غيابهم الرمزي، أو على الأقل الشعور العادي بفداحة ما جرى، لم يتحقق، بسبب ثقافة الموت نفسها التي تنتج يومياً في العراق· وإذا اكتفينا بالبعد اللبناني وحده، فعلى هؤلاء الضحايا أن ينتظروا اليوم نهاية حرب نهر البارد، والحرب اللبنانية على الإرهاب، ومصير الانتخابات الرئاسية، وحكومة الوحدة الوطنية، ونتائج المحكمة الدولية·· ويبدو أنهم سينتظرون طويلاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©