الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورة السورية... وتحديات ما بعد الأسد

الثورة السورية... وتحديات ما بعد الأسد
22 ديسمبر 2012
توم بيتر حلب بدا واضحاً خلال الأسابيع الأخيرة أن عدداً من فصائل المعارضة السورية في مدينة حلب بدأت تستعد لسقوط نظام بشار الأسد على أساس أن انهياره قد بات عملياً مسألة وقت لا أكثر، ولكن قد تكون الإطاحة بالنظام هي الجزء الأيسر من التحديات بالنظر إلى ما ينتظر السوريين من مهام جسيمة في مرحلة ما بعد انهيار النظام، وأهمها توحيد الثوار الذين يبدو في بعض الأحيان وكأن ما يجمعهم في هذه اللحظة هو كرههم للنظام ورغبتهم في إسقاطه. وبدون هذا الهدف الذي يوحد الجميع اليوم ليس معروفاً ما الذي سيُبقي فصائل المعارضة المختلفة صفاً واحداً لفترة طويلة، وهذه الرغبة في رص الصفوف والحديث بصوت واحد تحقق جزء منها على الأقل خلال الشهر الماضي عندما اتفقت المعارضة على توحيد صفوفها في الدوحة وتشكيل ائتلاف جديد للمعارضة يعبر عن الحساسيات المختلفة في الثورة السورية، وهي الخطوة التي رحب بها العديد من الثوار داخل سوريا معتبرين أنها الطريق الأمثل لإدارة البلاد بعد تنحي الأسد ومنع حدوث انشقاقات في صفوف المعارضة. ولكن على غرار باقي مظاهر التفاؤل في سوريا التي لا تعمر طويلا سرعان ما بدأت الشكوك تتسرب إلى احتمالات الانقسام في مرحلة ما بعد الأسد وتداعياتها السلبية على الفترة المقبلة، ولعل مما أثار المخاوف من احتمالات الخلاف ما صدر عن مجموعة من قادة الثوار في حلب مباشرة عقب الإعلان عن تشكيل الائتلاف الجديد في قطر ومؤداه أنهم لا يوافقون على ما تم إنجازه في العاصمة القطرية، معلنين عن تشكيل مجلسهم الخاص وقيام «دولة إسلامية» في المناطق المحررة بحلب، وهو ما عبر عنه محمد عبده، قائد لواء التوحيد، أحد أكبر فصائل الجيش السوري الحر في حلب قائلا «إن الإسلام الحقيقي يقوم أصلاً على حقوق الإنسان وتحقيق العدالة، وهو ما نريده في الدولة الجديدة، نحن نريد أن تكون الشريعة هي دستور البلاد، أو نُطبق الحدود». ومع أن باقي مكونات المعارضة السورية في الداخل، ولاسيما من المدنيين، لم تشارك في إعلان الدولة الإسلامية، ولم يؤخذ رأيها، إلا أن عبده أكد أنهم سيوافقون. غير أن رأي المدنيين يبقى مختلفاً حسب ما أوضحه مثنى الناصر، المتحدث باسم جمعية المحامين الأحرار في حلب، واصفاً قرار تشكيل دولة إسلامية بالمتعجل، وأنه «لا يمثل المعارضة»، وهكذا بدا أن لحظة الاصطفاف وراء مواقف موحدة ومتفق عليها، التي جاء الائتلاف الوطني للثورة السورية في اجتماعه بالدوحة ليعززها، بدأت تواجه تحديات حقيقية على أرض الواقع بعد التصريحات المتضاربة لمكونات أخرى في الجيش الحر. بل أكثر من ذلك فقد ظهرت أيضاً عناصر أخرى في كتائب الثوار ممن شاركوا في الاجتماع الذي أعلن الدولة السورية ليعلنوا أنهم قد غُرر بهم وضُللوا للمشاركة في التصريح، وهو الأمر الذي أكده أحد القادة الذين حضروا الاجتماع، واسمه أبو محمد، حين قال: «كان الاجتماع مخصصاً للحديث عن الاستراتيجية العسكرية، ولكن فجأة طلبت منا جبهة النصرة ما إذا كنا مع دولة إسلامية، ولأننا مسلمون كان علينا الرد بالموافقة»، وأضاف أبو محمد الذي ينتمي إلى «الإخوان» ويقود كتيبة دار الوفاء «كانت خطوة غير محسوبة من قبل جبهة النصرة، والعديد من الكتائب الأخرى نددت بالإعلان غير المتوقع للدولة الإسلامية». والحقيقة أن تشكيل ائتلاف جامع للمعارضة في الدوحة بعد صعوبات كثيرة شابت العملية، ثم خروج بعض فصائل الجيش السوري الحر من الإسلاميين في حلب لرفض التحالف وإعلان الدولة الإسلامية، وتنديد البعض الآخر ضمن الجيش الحر بهذا الإعلان باعتباره متسرعاً ولا يعبر عن المعارضة في الداخل، يؤكد حجم الصعوبات التي تنطوي عليها عملية توحيد المعارضة في الداخل وبلورة خطة متفق عليها لرسم ملامح المستقبل في سوريا ما بعد الأسد. وهذا الأمر قد يُحدث إشكالات كبرى في حال تمكنت الثورة من الإطاحة بالأسد وإزالته من السلطة، حيث سيكون على البلد حينها وضع خطة لإدماج القوات والفصائل التي حاربت في إطار الجيش السوري الحر. وإذا كان العديد من هؤلاء الثوار يؤكدون استعدادهم للاندماج في صفوف الدولة الجديدة والرجوع إلى حياتهم المدنية، إلا أنه في ظل غياب رؤية واضحة واستراتيجية متماسكة لإدارة المرحلة المقبلة يصبح من غير المؤكد أن تعهدات الثوار بوضع السلاح ستتحقق على أرض الواقع، بحيث يبقى وارداً أن يشعر بعض الثوار بالإقصاء ليعودوا مجدداً لحمل السلاح. وهذا الأمر يتطرق إليه «أرمان نيرجوزيان»، الخبير في الشؤون السورية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية قائلاً: «نحن اليوم نصف الثوار الذين يحملون السلاح في وجه نظام الأسد بالكتائب والألوية، ولكن غداً قد يتحولون في الخطاب السياسي الجديد إلى ميليشيات، وعندما ينقشع غبار المعارك سيتساءل هؤلاء الثوار عن المغانم في الدولة الجديدة، وقد يجدون أنفسهم، أو على الأقل جزءاً منهم، في بلد يهيمن عليه أمراء الحرب والإقطاعات الخاصة، وشبكة من العلاقات الريعية القائمة على أسس جغرافية وقبلية واجتماعية». وهذه الإشكالات بدأت تثير مخاوف محسوسة حتى في صفوف المدنيين، حيث برز قلق لدى البعض في مدينة حلب من تصرفات بعض عناصر الجيش السوري الحر التي تتخذ بمعزل عنهم ولا يشاركون في بلورتها. ويبقى السؤال الحقيقي للنشطاء المدنيين في الثورة السورية ما إذا كان الجيش السوري الحر سيلقي السلاح بعد سقوط الأسد، أم أنه يستمر في ممارسة نفوذه على المدنيين والتحكم في مفاصل الدولة، ولذا فليس غريباً أن تعلو أصوات محتجة على بعض عناصر الجيش السوري الحر. يقول الناشط وائل أبو مريم إنه مع أن الجيش السوري الحر ما زال يحظى في أنظار السوريين بمكانة مرموقة باعتباره الجهة التي تقف في وجه دبابات النظام وتعمل على حماية المناطق المدنية من تجاوزات الميليشيات التابعة للأسد. إلا أن هناك من بدأ يرصد تسلل بعض العناصر إلى صفوفه لأغراض خاصة، بل إن هنـاك مخـاوف أيضـاً من احتمال نشـوب صراعات بين كتائب الجيش الحر المختلفة في الوقت الذي يسعى فيه كل طرف داخله إلى مراكمة القوة واستقطاب أكبر عدد من المتطوعين استعداداً، حسب ما يعتقد البعض، للمواجهة والصراع من أجل السيطرة بعد سقوط الأسد. بيد أنه على رغم هذه المخاوف يرى أغلب السوريين أنه من السابق لأوانه تبني مواقف متشائمة لما سيؤول إليه الوضع السوري بعد الأسد، وإذا كانت بعض الخلافات الأيديولوجية بين عناصر الجيش السوري الحر واضحة ويصعب جسرها، إلا أن الناشطين والثوار يقولون إن تلك الخلافات تبقى في الوقت الراهن فرضيات نظرية فيما الأولوية هي القضاء على النظام وإسقاطه وتحرير سوريا من ظلم استمر طويلاً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©