السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة المسجد الأحمر ··· هل تُغير استراتيجية الغرب تجاه باكستان؟

أزمة المسجد الأحمر ··· هل تُغير استراتيجية الغرب تجاه باكستان؟
11 يوليو 2007 02:42
عهد الجنرال برويز مشرف في باكستان يمر الآن بأزمات صعبة؛ فمنذ التاسع من مارس الماضي، تصاعدت المظاهرات احتجاجاً على إقالته لكبير قضاة المحكمة العليا ''افتخار محمد شودري''· وفي الثاني عشر من مايو، انتهت هذه الاحتجاجات بمواجهات قُتل خلالها أكثر من 40 شخصاً معظمهم من المعارضة؛ وحمّلت معظم الصحف الباكستانية ''الحركةَ القومية المتحدة'' الموالية لمشرف المسؤولية عنها· واليوم تواجه سلطة الجيش الباكستاني تحدياً أكثر من أي وقت مضى، ما يمثل كسراً لأحد التابوهات في باكستان· ومن غير المرجح أن تحسِّن أزمة المسجد الأحمر الحالية صورة مشرف في باكستان مثلما في الخارج؛ فقد تحمّل مشرف الراديكاليين الإسلاميين لأسابيع قبل أن يقرر التحرك ضدهم· ومهما تكن النتيجة النهائية لهذه الأزمة، فإنه سيتعين على الرئيس الباكستاني أن يجيب على ثلاثة أسئلة كبرى هي: كيف أمكن حدوث هذه الأزمة في قلب العاصمة، وعلى بعد حوالي نصف ميل عن مقر وكالة الاستخبارات الباكستانية؟ ولماذا حدثت مباشرة بعد الأزمة القضائية؟ ولماذا انتظر النظــام طويــلاً قبل أن يقرر التحرك؟ كيفما تكن الإجابــات، فمن المرجح أن يبدو مشرف في مأزق، في أحسن الأحوال؛ وفي أسوئها، محاولاً صرف تركيز الرأي العام عن المشاكل السياسية الحقيقيـــة في الوقت الراهــن· الواقع أن واشنطن ومعظم العواصم الغربية الأخرى منزعجة حيال إمكانية فقدان من تعتبره أفضل حليف لها في الحرب على الإرهاب، وسداً منيعاً في وجه ما يفترض أنها ميول تطرفية في المجتمع الباكستاني· غير أن الأزمة تُظهر في الواقع الضعف النسبي للمتطرفين، والطبيعة المُلبسة لتعاون باكستان في الحرب على الإرهاب وضد ''طالبان''· ذلك أن الأزمة الحالية لم يفجرها رجـــال دين راديكاليـــون معادون للغرب، وإنما بدأت باحتجاج على الانتهاك الدائم لحكـــم القانــون والدستور· ويذكر هنا أن من بين المحتجين محامين وممثلين آخرين للمجتمع المدني الحديث، ممن يشعرون بالإحباط من حكم مشرف المستمر منذ ثماني سنوات· بموازاة مع ذلك، بدأت الحقيقة تتضح تدريجياً بخصوص التزام باكستان المختلط بمحاربة الإرهابيين· فمما لا شك فيه أن إسلام أباد سلَّمت عدداً من أعضاء ''القاعدة''، غير أن الدولة التي يسيطر عليها الجيش أبدت تردداً بخصوص التعاون مع الغرب ضد ''طالبان''· وفي هذا السياق، قدَّم القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، الجنرال ''جيمس جونز''، وضباط عسكريون أميركيون آخرون مؤخراً أمثلة لرفض باكستان التعاون بهذا الخصوص· وإضافة إلى ذلك، فإن باكستان لم تفِ بعدد من الالتزامات في جهود محاربة الإرهاب؛ إذ لم تُفكك معسكرات تدريب الإرهابيين، وهدد مشرف بوقف تعاونه في محاربة الإرهاب بسبب الانتقادات الغربية له على خلفية قمع خصوم سياسيين في بلوشستان وغيرها· وعليه، فلا ينبغي النظر إلى الأزمة التي يمر بها مشرف باعتبارها كارثة محتملة مثلما يوحي بذلك التصور الغربي، لأن هذه الأزمة وما ينجم عنها، لا يعني بالضرورة نهاية القوة العسكرية في باكستان؛ إذ من غير المستبعد أن يقرر الجيش، بالنظر إلى الانتقادات التي يواجهها، الرجوع إلى الثكنات والسماح للمدنيين بالنهوض بأعباء الإدارة اليومية للبلاد في محاولة لاسترجاع بعض الشرعية من خلال عقد اتفاق مع الزعماء المدنيين· ومهما تكن النتيجة للأزمة الحالية، إلا أنها ينبغي أن تشكل فرصة لإعادة التفكير في الاستراتيجيات الغربية تجاه إسلام أباد· فقد منحت الولايات المتحدة، والغرب عموما، نظام مشرف دعماً دائماً· صحيح أنه ربما تكون قد مورست على مشرف ضغوط سراً عندما لم يكن يبذل ما يكفي من الجهود في ''الحرب على الإرهاب''، غير أن إسلام أباد استمرت في الاستفادة من كرم الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي مقابل أي مساعدة تقدمها· بل إن مشرف استفاد من هذا الكرم، حتى عندما أعلن أنه لا يستطيع أن يقدم أكثر نظراً لتهديد المتطرفين· الواقع أن حل المشاكل التي يطرحها الجهاديون في باكستان بالنسبة للعالم، لن يكون ممكناً من دون تغيير سياسة البلاد الخارجية، وهو ما لا يمكن أن يحدث من دون وضع حد لسيطرة العسكر في باكستان· إن استرجاع الديمقراطية -إعادة الحكم للمدنيين وفق دستور 1973- يمثل الخيار المعقول والوحيد في نهاية المطاف في المدى القريب والمتوسط والبعيد· وهذا الاسترجاع لا يعني ''إقصاء'' الجيش، وإنما يعني بكل بساطة انسحابه من السياسة· على أنه يمكن منح الجيش دورا عبر ''مجلس الأمن القومي''، ولكن شريطة ألا يظل الكيان المهيمن· ولمساعدة الباكستانيين على تبني هذه الإصلاحات، يجب على الولايات المتحدة (وغيرها من الدول) الإحجام عن السماح باستبدال أهداف بأخرى، والإقرار -بدلا من ذلك- بأن الإرهاب وأفغانستان وكشمير والديمقراطية كلها أمور مرتبطة، وتتطلب جميعها نهاية لسيطرة الجيش وجهاز المخابرات على عملية صنع السياسات في باكستان· ولتسهيل مثل هذا التحول، يجب على الولايات المتحدة وغيرها من القوى المؤثرة أن تزيد من مساعداتها لباكستان، على أن تلتزم في الوقت نفسه بتقليصها أو وقفها بشكل كامل في حال لم تتصرف باكستان في انسجام وتوافق مع المبادئ التي تقول إنها تقتسمها مع شركائها· كما ينبغي تطبيق السياسة نفسها (إقران المساعدات بشروط) عندما يتم استرجاع الحكم المدني كذلك· الواقع أنه من العسكريين من سيؤيدون الفكرة لأنهم يرون أن التدخل المتزايد للجيش في الشؤون غير العسكرية يؤدي إلى خفض مهنيته، وأنـــه غير مؤهــــل لإدارة البلاد· بالمقابل، ستكون ثمة مقاومة· غير أن شبح سيطرة المتطرفين ينبغي ألا يحجب حقيقـــة أن الهيمنـــة العسكرية مسؤولـــة إلى حد كبير عن الأزمات التي تواجه باكستان والعالم اليـــوم، ولا يمكنها أن تكون حلا لها على الإطلاق باحث بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©