الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

طلعة البدن شاهد عيان للإجابة عن أسئلة مستحيلة

طلعة البدن شاهد عيان للإجابة عن أسئلة مستحيلة
9 يوليو 2007 02:20
''طلعة البدن'' للكاتب المصري مسعد أبوفجر أول رواية عن سيناء البشر، البدو تحديداً، وليس سيناء الحروب والمعارك والبطولات، وسيناء كتب عنها الكثير، منذ قديم الأزل وهي تشغل الرحالة والمغامرين وحتى الشعراء، وكثيرون اتخذوها رمزاً للشجاعة والإباء وآخرون اعتبروها الأرض الشاهدة على الهزيمة والانكسار، هذا طبعاً غير تاريخها الطويل كأرض للفيروز، ومهبط للرسل والرسالات، ولكن أول مرة يكتب عنها ''واحد من بدوها''، ويصورها في رواية موضوعية تكشف حياة البدوي السيناوي في اللحظة الراهنة· ''طلعة البدن'' تبدأ التحامها بعالم سيناء الغامض القلق من عنوانها، فهو جبل في شمال سيناء رأى فيه البدو الأوائل شبها بأنثى تخلع ملابسها فسموه ''طلعة البدن'' أي طلوع البدن أو الجسم من الملابس، كما أن ''طلعة البدن'' تعبير شعبي بدوي يقال في ساعات الضيق والكرب، ويقابله عند الفلاحين ''طلع أو طلعت من هدومي'' كناية عن الضيق الشديد· والرواية ترصد عالم سيناء من خلال ثلاث فئات: البدو، والمصريون، والإسرائليون، وجرأتها في نقل حياة بدو سيناء أيام الاحتلال الإسرائيلي جرت عليها اتهامات بالتطبيع وممالأة المحتل، وهي ترصد حياة البدو ليس باعتبارهم أسطورةً أو قبائل منعزلة في بطون الصحارى كالروايات التي سبقتها في تناول عالم الصحراء، وأبرزها أعمال الروائي الليبي إبراهيم الكومي، ولكن باعتبارهم أناساً عاديين غادروا الصحارى إلى الأبد والتحموا بالحضر وتمدنوا تماماً· وأبرز ما يهيمن على أبطالها ابتداءً من راويها ربيع: الخوف، والحذر، والترقب، والشك، والبدو عموماً حذرون، يخافون من أخطار في غموض عضة الأفعى، أو التيه، أو ضياع البئر، أو الرياح العاتية، وبدو سيناء خوفهم مضاعف، خوف من الطبيعة والبشر، خوف إنسان الحدود، ليس فقط إنساناً، لكنه بدوي فطر على امتلاك براح الصحراء، ووجد نفسه محصوراً بين حدين أو ''حدودين'' في منتهى القوة والعداء، وهذا ما ترصده ''طلعة البدن'' بلغة بسيطة، متقشفة، وفجة أحياناً، وبناء سردي متتابع ومرتبك في كثير من الأحيان، لكن في منتهى الحيوية والصدق· آراء متناقضة ''طلعة البدن'' لفتت الأنظار باعتبارها أول خطوة في كشف عالم البدوي السيناوي المنعزل والطارد والمريب أحياناً، وناقشتها ''الورشة الإبداعية بالزيتون'' في القاهرة في ندوة أدارتها مي أبو زيد، وتحدث فيها الشاعر شعبان يوسف، والناقدة هالة دحروج، ومناقشتها توزعت واحتدت بين رأيين متناقضين أحدهما يشيد بالرواية باعتبارها محاولة طليعية للاقتراب من واقع بدو سيناء ومأزقهم، والآخر يهاجم الرواية باعتبارها دعوة عنصرية انفصالية تفرق بين البدو والفلاحين والمصريين بشكل عام، بل إن الروائي فتحي امبابي وصفها بأنها جريمة تنحاز لليهود ضد المصريين وترسخ للعنصرية وتهدد الهوية· الشاعر شعبان يوسف، قال إنها شاهد عيان، تجهد نفسها في الإجابة عن أسئلة مستحيلة دون الإخلال بشروط الكتابة إلا في القليل من المقاطع المختلة بنائياً، وهو خلل مستمد من خلل المكان الخائف والمترقب وغير المستقر· وقال إن رواية ''طلعة البدن'' تأتي في سياق تيار التعبير عن الجماعات البشرية النوعية كالنوبة، والبربر، والأكراد، وكتابة المرأة والأقباط وغيرها، وهو التيار الذي شهد مبدعين كباراً من أمثال يوسف إدريس الذي كتب عن النوبة، وسليم بركات الذي تناول الأكراد في أكثر من عمل، وهذه الرواية تتناول بدو سيناء كشريحة اجتماعية منعزلة وتكاد تكون مجهولة، وفي الوقت نفسه واقعة في الفخ بين سلطة وطنية بضباطها وجنودها وحروبها واحتلال إسرائيلي حاول على مدى ستة عقود اجتذاب هؤلاء البدو ومعاملتهم في بعض الأحيان باعتبارهم حليفاً· وقال إن شخصيات الرواية ابتداءً من الراوي ربيع، وعودة، وعساف وسليمان، كلها مأساوية تعرضت لكل أشكال التعذيب والقهر· والرواية تحكي بوضوح وموضوعية قصة الفجيعة التي عاشها البدو عبر الحروب المتلاحقة ابتداءً من عام ،1948 وتصور مدى ما تعرضوا له من تعذيب ومطاردات سواء في الصحراء الواسعة، أو في السجون الإسرائيلية للدرجة التي تدفع المرء للاعتقاد بأن بدو سيناء ما هم إلا أسرى بين قوسين، قوس من مصر وآخر من إسرائيل· الناقدة هالة دحروج بدأت بعنوان الرواية ''طلعة البدن''، وقالت إنه بغض النظر عن أنه اسم لجبل في سيناء، فإنه يوحي بالصحراء الرحبة الحرة التي لا تقبل أي حدود وهو ما ينطبق على البدو سكان الصحراء· وقالت إن الرواية على المستوى البنائي تعتمد على سرد متقطع، عبارة عن تفاصيل تفضي إلى تفاصيل في شكل يستفيد من طريقة حكي ''ألف ليلة وليلة'' وفي الوقت نفسه يفتقد الحرفة والإحكام، ويقترب من الشفاهية، والراوي يسرد وكأنه يتحدث، كما أنه يلعب ويحاور القارئ، ويحاول كسر الإبهام بالكلام عن صناعة الرواية في قلب الأحداث مما يشحذ القارئ وينبهه·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©