الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الليلة الأخيرة» تكفي لصناعة حياة

«الليلة الأخيرة» تكفي لصناعة حياة
3 فبراير 2011 19:47
المشاعر البشرية أكثر تعقيداً مما نظن، وفي أعماقنا مهاو عاطفية بالغة التشابك. أيضاً قد تفتقد أحكامنا الوجدانية أحياناً لليقينية التي نتوقعها منها. باختصار لا بد لنا من التدقيق جيداً ببوصلة المشاعر قبل أن نبدي اطمئناننا إلى صوابية الاتجاه، وسلامة المسار. هذا بعض مما توحي به أحداث فيلم the last night، إخراج ماسي تاج الدين، تمثيل كيرا كنياتلي، سام ورتينغتون، إيفا منديز، وغيوم كانيت. (أبوظبي) - لعلَّ أول ما يشي به الفيلم بين سطوره البصرية أن بوسع قلة من الممثلين النهوض بعمل سينمائي ناجح، إذا توفرت لها صياغة حدثية ملائمة، وإذا استندت إلى رؤية بانورامية مطلة على المبحث الدرامي من مسافة كافية، الإحاطة المسبقة بالمشهد عامل فائق الأهمية هنا، حيث يمكن لكل عنصر أن يأخذ مكانه الصحيح، تتكامل المكونات لتصنع الصورة، ويكون لجمالية اللحظة أن تغري المشاهد بنوع من التواطؤ، يتخلى طوعاً عن كونه شاهداً على تركيب الأجزاء ليبدي انحيازاً محبباً للمنجز بهيئته الكلية، في هذا الإغواء الناجح يكمن جزء كبير من لعبة الإبداع. الكاميرا التي صنعت الفيلم بدت غير متعالية، لم تعن بترميز المفردات البصرية، ولم تشغلها الثرثرة الجمالية المألوفة في حالات مماثلة، آثر المخرج منح كادره البشري أولوية، محولاً الأمكنة إلى خلفية محايدة، هو فعل ذلك على حساب المعطى الإيحائي، لكن نظرة موضوعية مجملة تبرر الزعم بكونه مصيباً. أحياناً تكفي مقاربة معمقة لإشكالية إنسانية كي تصنع حكاية، كما تكفي ليلة واحدة لتغيير مصائر، ليلة زاخرة بالأحداث يسعها أن تصير فيلماً، تقول جوانا (كيرا كنياتلي): «كيف يمكن أن يصحو واحدنا صباحاً وهو لا يعلم إلى أين سيمضي به هذا اليوم»؟! تطرح السؤال بينما هي تجتاز ليلة مفصلية من ليالي عمرها، فقد تمر بنا أيام كثيرة متشابهة حتى الرتابة، لكن ليلة واحدة تصنع الفرق. الأرجح أن أعمارنا الحقيقية تحددها اللحظات الفارقة تلك. يقارب الفيلم قصة ثنائي متزوج مايكل (سام ورتينجتون) وجوانا (كيرا كنياتلي)، وهو يحاول متابعة شراكة زوجية تراجع زخمها العاطفي، تغدو المهمة أصعب إذ تطرأ عوامل من الخارج. مايكل العامل في مؤسسة للتطوير العقاري في نيويورك بدأ قلبه يخفق لزميلة له (ايفا منديز)، امرأة لا تنقصها الفتنة ولا التجربة، تلاحظ جوانا الأمر وتعلق عليه غاضبة، يزداد الموقف حراجة مع تكليف مايكل وزميلته بمهمة عمل في فيلادلفيا، ذلك الصباح سيكون بالنسبة لجوانا فاتحة ليوم استثنائي، بعد مشادة مع زوجته يغادر مايكل مهيئاً لتقبل تغيير ما في نمط حياته. من الضفة الأخرى للشاشة يمكن للتوقعات أن تتجه نحو حكاية تقليدية: رجل متزوج يغرم بامراة لعوب، وزوجة مربكة تكافح يائسة للحفاظ على بيتها. صدفة مدبرة بينما هي تجهد لتكبح غضبها تلتقي جوانا أحد عشاقها القدامى، يحصل ذلك وفق صدفة سيتبين لاحقاً أنها مدبرة، أليست معظم الصدف المؤثرة كذلك؟! ها هو أليكس (غيوم كانيت) الكاتب الذي يتحصن خلف مزاج إبداعي محبب يعترض طريقها، تحية دافئة كانت كافية لأن تحدث تبديلاً جوهرياً في أسارير الوجه الأنثوي، بدت جوانا كما لو أنها دخلت فجأة في حقل من ألغام الذاكرة، ماض فائق العذوبة انفجر فوق ملامحها التعبة، بدت أيضاً كما لو أنها كانت تنتظر صاعقة وجدانية من هذا العيار بقدر ما كانت تحتاجها. الإيماء لغة سريعاً ما يؤول المشهد إلى نوع من المسرح الإيمائي: تعابير الوجوه أكثر تعبيراً من الكلام مهما كان متقناً، الفرح والحزن والغموض والوضوح والحسرة والرجاء كلها كانت تنبع من قسمات عاشقين، كائنان باعد بينهما زمن طويل.. لكنه تحول فجأة وقتاً مستقطعاً بين لحظتين عاصفتين بالود النقي، جوانا لم تفاجئنا وحدنا، بل بدت كما لو أنها فاجأت نفسها أيضاً: أين كان يختبئ كل هذا الحب العنيد؟! قدم أليكس إلى نيويورك في زيارة عمل، وهو سيغادر في صباح اليوم التالي، إذن ثمة ليلة واحدة سيتعين عليها أن تنفض رماد التغاضي عن جمرة الحب القديم، حب فتي كما لو أنه لم يندثر يوماً، وثنائي لم يفترقا، إلا ليكون للقائهما متعة إضافية.. «هل تذكرتني في غيابي»؟ سألها أليكس متوجساً، فأجابت كما لو أنها كانت تنتظر السؤال: «كنت أتذكرك كلما سارت الأمور بعكس ما ينبغي لها أن تفعل». هل يعني ذلك أنها كانت تفكر به لحظة لقائها إياه؟ نعم على الأرجح، فالأمور حينها لم تكن تسير كما ينبغي. تودَّعا مؤقتاً على وعد اللقاء في المساء، وعندما رنَّ هاتفها لاحقاً طفحت على وجهها علامات البشرى، فقد كان الاتصال من «مجهول»، أي من شخص لم تضع اسمه على لائحتها. ضالة مؤنسة في فيلادلفيا لم تكن الأمور أقل إثارة.. مايكل القادم من بؤرة حياتية مشتعلة عثر في زميلة العمل على ضالة مؤنسة، فيما كانت المرأة تتكئ على حدس أنثوي ثاقب لتوقن أنها أمام فرصة الإيقاع بصيدها الذكوري، أنجز الفريق يومه المهني الأول، وفي المساء كانت الأحاسيس قد أعلنت نفسها مرجعية حاسمة، سهرة في ضيافة المشاعر المتقدة، بدت المرأة فيها مبادرة إلى حدود بعيدة، كانت مدركة ربما لحجم إرباك شريكها، ولكونه يحتاج إلى دعم ليقرر الخروج عن قانون الالتزام الزوجي، كان على الطرفين أن يكثرا من البوح، أملاً في أن يؤدي ذلك لإذابة الجليد.. «هل تعرضت للخيانة»؟ سألته رفيقة العمل والمغامرة، لا قاطعة أطلقها مايكل دون عناء، في اللحظة نفسها كانت إحدى المصاعد القديمة في أحد فنادق نيويورك المتهالكة تشهد موقفاً عاطفياً ساخناً بين جوانا وأليكس، الموقف كان كافياً لدحض مزاعم الرجل الواثق من رده. قدر عاطفي تحتاج القضايا المصيرية أحياناً إلى أحداث تافهة كي تتحقق، فبعد أن استجمعت جوانا كل قدرتها على الصمود في وجه إعصار الذكرى الذي أخذها على حين غرة، وقبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، طلبت من أليكس أن يعيدها إلى المنزل من الفندق، حيث يقيم ليلته الوحيدة، بوصولهما إلى المنزل دعته إلى تناول مشروب، ثم اعتذرت منه، الأصح هربت، بحجة أخذ الكلبة في نزهة قصيرة، عادت فوجدته على ناصية الشارع يهم بالمغادرة، طلبت منه مفتاح المنزل فجاءها الرد: «ظننته معك» أي أنَّ باب المنزل كان موصداً بوجهها، وكذلك باب النجاة من القدر العاطفي.. عاد الاثنان إلى الفندق، حيث كان على جوانا أن تعاند قدرها كي تظل وفية لزوج غادرها في الصباح غاضباً، هنا ندخل في مخاتلة سينمائية أتقن المخرج صياغتها، فعندما طلع النهار لم يكن ممكناً الحسم ما إذا كانت المرأة قد استجابت لإغواء الخطيئة، كان بوسع المشاهدين أن يكونا موقنين بالقدر نفسه من الشيء وضده، حيلة ابداعية؟! بالتأكيد لكنها مشروعة ومستساغة أيضاً. إيحاءات ملتبسة الأمر نفسه حصل في فيلادلفيا، كانت خطوط مايكل الدفاعية تتراجع تدريجياً أمام هجمات زميلته، لكن شيئاً غامضاً في قسمات وجهه كان يوحي بأنه لن يفعل ما يبدو واضحاً أنه سيندم عليه لاحقاً، هنا أيضاً أقفلت الصورة على إيحاءات ملتبسة، تحمل الإيجاب والنفي بمقادير متساوية، فهل حصل ما يخشى منه؟ سؤال سيبقى بلا إجابة حاسمة وعن قصد إخراجي، ذلك الأسئلة كذلك تحمل معطيات وقدات توضيحية وليس الأجوبة وحدها. في فيلادلفيا يمكن للتفاصيل العابرة أن تساهم في صناعة الحدث المحوري، كان مايكل يرتدي ثيابه صبيحة اليوم التالي عندما عثر على إحدى الأوراق المطوية بعناية في ثنايا القميص: رسالة اعتذار وتعبير عن الثقة من جوانا، تمحو فيها آثار المشادة الصباحية.. على عجل قرر مايكل العودة، ومثله كانت تفعل جوانا، بدا الاثنان محملين بهواجس الخيانة، أو الشروع بها، ليقفل المشهد على عناق حميم لم يخل من الدموع: لا يزال الثنائي عاشقاً، وما الليلة العابرة إلا اختبار لصدق المشاعر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©