الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صرخة طفل

صرخة طفل
8 يوليو 2007 04:14
ســــعاد جــــواد كيف يكون شعور الأبوين عندما يجلس طفلهما البالغ من العمر، أربع سنوات، ليفاجئهما بحقائق يشيب لها الرأس· لكم أن تتخيلوا هذا المشهد· الطفل يشرح ويروي بالتفصيل مشاهد إباحية حدثت وشاهدها بنفسه· مشاهد تعذيب مرعبة عاشها هذا الصغير لحظة بلحظة، يرتجف وهو ينتقل من حالة لأخرى، يبكي ويصرخ، يضرب بيده ورجله ليمثل تمثيلاً حياً صادقاً يعجز كبار الفنانين عن تجسيده بهذه الدقة وهذا الوضوح· ماذا تتوقعون أن يكون موقف الأم ؟ هل تصدق ما ترى أم تكذبه ؟ ربما كان الطفل يروي من الخيال ويعكس صوراً وهمية لا أساس لها· أو ربما هو مجرد مخلوق صغير تعرض لأبشع ما يمكن أن يتعرض له من هو في سنه· والأب··· كيف يمكن أن يتقبل موقفاً مثل هذا ؟ وماذا يستطيع أن يفعل كردة فعل لما يسمعه؟ إنه وضع شائك وصعب وضعنا فيه طفلنا وهو يروي مأساته التي عاشها لحظة بلحظة دون علمنا وفي غفلة منّا· أين كنّا ؟ وكيف لم نشعر بكل ما حدث ؟ هل كنّا منومين مغناطيسيا؟ أم أن لعنة سحر شيطاني أطبقت على رؤوسنا فعميت أبصارنا؟ أم أننا مجرد أم وأب ساذجين لا نجيد تحمل مسؤوليتنا تجاه أطفالنا ؟ تساؤلات وحوارات قاتلة تضرب برأسي وأنا أواجه هذا الموقف الصعب الذي زلزل كيان أسرتي، وأحدث تصدعاً رهيباً في التوازن النفسي لكل منّا، أنا وأبني وزوجي· الحكاية بالتفصيل قصتي ليست جديدة عليكم، إنها حكاية متكررة تكاد تحدث كل يوم في بيوت كثيرة· فالخادمة تلعب دور البطولة في حياتنا، وليته كان دوراً إيجابياً· للأسف فإنها كثير ما تلعب دور الشريرة التي تدمر الأسر وتؤذي الصغار ولا أعرف السبب· أحب أن أسمّي قصتي هذه ''صرخة طفل'' لتنطلق إلى آذان الأمهات ليحذرن من خادماتهن، ولا يأمن لهن مهما بدت عليهن من علامات الطيبة والإخلاص· أنا أم متضررة بسبب ثقتي العمياء بخادمتي· الله وحده يعلم ما سببته لنا هذه الإنسانة، أنا وزوجي وطفلي من معاناة وإيذاءات نفسية غير محتملة عندما اكتشفنا المصائب التي كانت ترتكبها بحق ابننا المسكين· المشكلة أنها كانت تبدو طيبة وعلى نياتها، ولم نكن نتوقع أي شيء سيء يمكن أن يصدر منها، فهي لطيفة لأبعد الحدود· ليتها صوبت أذاها إلينا نحن الكبار، لكان الأمر هيناً، لأننا نستطيع أن نتحمل ونتقبل بعض الأضرار· أما هذا الطفل الصغير الذي لم يبلغ إلا الرابعة من العمر، فكيف له أن يتحمل مسلسل التعذيب الذي كان يعيشه كل يوم وهو يتألم ولا يستطيع البوح بالحقيقة لخوفه الشديد من آلة الشر التي كانت تدور وتعمل طوال الوقت دون أن تترك لنا مجالا للشك في تصرفاتها· لولا اضطراري للعمل ولولا اضطراري لإيجاد أحد يبقى مع الصغار أثناء فترة عملي لما فكرت بالاستعانة بخادمة· لكن بيت أهلي بعيد عن بيتنا ولا مجال لوضع الصغار عندهم ليبقوا تحت المراقبة المستمرة· ذلك الوضع قد يكون مثالياً لمن هن في مثل حالتي من النساء الموظفات، حيث يتركن الأطفال والخادمة تحت ملاحظة الجد أو الجدة فلا تستطيع الخادمة أن تفعل ما يحلو لها· ولكن كما ذكرت سابقاً فإن منزل أهلي وأهل زوجي بعيدان عن بيتنا لذلك اضطــــــــــــــــــــــــــررت الوثوق بالخادمة وترك الأمور لها، وتلك كانــــــــــــــــــــت غلطتـــــــــــــي· فلو تركت شيئا من القلق بداخلي لكنت رتبت أوقاتا أفاجئ بها الخادمة لأعرف ما تفعله أثناء غيابي، أو لكنت استجوبت ابني كل يوم لأعرف ما يحدث دون علمي، أو لكنت استعنت ببعض أجهزة المراقبة التي تنتشر هذه الأيام لاكتشاف حقيقة ما يجري في بيتي· للأسف فإنني لم أفعل كل ذلك واكتفيت بالاطمئنان لها خصوصاً وأنها كانت تمثل أمامي دور الإنسانة المحبة للأطفال وأنها تجيد التعامل معهم وترعاهم حتى أكثر منّي أنا أمهم· يا لها من ممثلة أجادت دورها وقد صدقتها ولم أشك لحظة واحدة في تصرفاتها مع أطفالي· تخلخل صحي كنت اعتقد بأن حياتي الأسرية تسير على أفضل وجه، وأنني لم أقصر في شيء نحو أطفالي، فأنا أم موظفة أبذل جهدي داخل المنزل وخارجه لأحقق لنفسي ولأولادي أفضل ما يمكن تحقيقه وقوفاً إلى جانب زوجي الذي لم يقصر معنا في شيء· لم يكن يزعجني سوى التخلخل الصحي الذي يمر به ابني البكر البالغ من العمر أربع سنوات· فهو وقبل عام تقريباً بدأ يتعرض لنوبات من الربو وضيق في التنفس، مما جعلني في حالة قلق وتفكير مستمرة عن سبب هذه الأزمات الصحية الغريبة، خصـــــــــــــوصـــــــــاً وأنني مــــــــــن النـوع الدقيق الذي يكثر الإعتناء بالأمور الصحية للأطفال· كما أن خادمتنا كانت تبدو في غاية الإخلاص والرحمة والعناية بهم، هذا ما كنت اعتقده طبعاً، ولم أكن أستغرب لشدة حرصها وعنايتها بالأطفال فهي تعمل لدينا منذ أربع سنوات، أي منذ ولادة أبني البكر، وهي تردد بأنها تحبه ومتعلقة به كأطفالها الذين تركتهم في بلدها وتغربت من أجل أن تنفق عليهم وتدخلهم أفضل المدارس، وتؤمن لهم مستقبلهم· لا أدري لم كنت أصدق كل حرف تقوله، ولم كنت متعاطفة معها لدرجة كبيرة، أساعدها ماديا ولا أبخل عليها في شيء، وأعاملها معاملة كريمة طيبة مقدرة لها اهتمامها بأطفالي أثناء غيابي في العمل· بداية الأزمات دخل ابني المستشفى بعد أزمة ربو شديدة كادت أن تودي بحياته، فهذا الربو الذي أصابه منذ سنة ربما يكون نتيجة لمعاناته التي كان يكتمها بداخله دون أن ندري عنها شيئاً· سامحنا الله على تقصيرنا وثقتنا الزائدة عن الحد بإنسانة غريبة لا ندري ما هي نواياها الحقيقية· كان لدي شعور قوي بأن هذه الأزمة ليست بفعل إصابته بالبرد لعدم وجود أعراض لديه، وإنما هو شيء غريب لم نعهده فيه من قبل· استرجعت الشهور الماضية· حيث إن الولد كان في وضع غير طبيعي، لا يأكل الطعام ويتصرف بعناد وعصبية، يصرخ ويبكي بلا سبب معقول ويكسر ألعابه بتعمد غريب لم نتعوده منه· فهو طفل لطيف مرح لا يبكي ولا يصرخ إلا لحاجة ضرورية، فلماذا هذا الانقلاب العجيب في شخصيته؟ بقيت أتساءل هنا وهناك، زميلات العمل أخبرنني بأن هذا التبدل بالسلوك هو شيء طبيعي عند الأطفال الذكور، إنه نوع من فرض الشخصية وجذب الانتباه، خصوصاً بعد مجيء الطفل الثاني· وقد أكدت لي الكثيرات ممن لديهن خبرة طويلة في الأمومة بأنه لا خوف مما يحدث لأنه سيكبر ويعقل ويتغير· لم أكن مقتنعة بداخلي، فطفلي يمر أحياناً بحالة من الخوف والهلع بلا سبب واضح ثم في أحيان أخرى تزداد حركته ونشاطه بشكل غير اعتيادي وكأن بداخله شعلة من الجمر تكويه فلا يستقر في مكان واحد ويبقى يتقلب من حال إلى حال· كنت في صراع مع نفسي طوال هذه السنة، إحساسي يؤكد بأن شيئاً غريباً يحدث لولدي، ولكن لا دليل واقعي على وجود خطأ ما في حياتنا، ولربما كانت المسألة مجرد وساوس لا أساس لها· أشياء غريبة استرعت انتباهي في الفترة الأخيرة عندما بدأت خادمتنا بالتبدل والتغير· فقد أصبحت تعتني بمظهرها، تلبس الثياب الضيقة وتضع المكياج والعطور ثم تستأذن للخروج بحجج مختلفة، ولكنها أيضا لم تكن تقصر في عملها· وهل يمكننا الشك بسلوكها وهي امرأة متزوجة ومسؤولة عن أسرتها وقد تغربت لهذا الغرض فقط· أخطاء كثيرة متعمدة أو غير متعمدة كنا نتجاوز عنها أنا وزوجي، لا أدري فلربما كانت ألسنتنا معقودة بفعل شيء··· لا أريد أن ألمح للسحر والشعوذة وأحول هذه الأمور إلى شمّاعة أعلق عليها تقصيري عن اتخاذ موقف جاد منها، ولكني كنت كالعمياء أرى ولا أرى وأسمع ولا أسمع· المهم هو أنني لم أفعل أي شيء حازم تجاه أخطائها المتكررة وسلوكها الغريب في السنة الأخيرة· صدمة غير متوقعة حدثت المفاجأة الكبرى غير المتوقعة عندما كنا في المستشفى أنا وزوجي بصحبة طفلنا المسكين الذي أصبح على حافة الخطر بعد أزمة غريبة كتمت على أنفاسه· فبعد انتهاء الأزمة، وبعد أن استرد عافيته، تجرأ ولأول مرة وقال الحقيقة لي ولوالده، تلك الحقيقة المرعبة التي جعلتنا كالمصعوقين غير مصدقين لما يقول· أتدرون ماذا قال طفلنا الصغير ذو الأربع سنوات؟ قال: أنا لا أحب فلانة، أخاف منها، أطردوها من بيتنا، إنها تضربني· ثم أخذ يبكي ويقوم بتمثيل حركات الضرب علينا أنا ووالده·· ·صار يرفسنا ويلكمنا بشدة حتى ينقل لنا الإحساس بمدى معاناته وهو يتحمل مثل هذا الضرب من تلك المتوحشة على جسده الصغير· بعد أن هدأت موجة بكائه أكمل قائلا: إنها تخلع ملابسها وتمشي عارية في البيت، ثم تقوم بحركات غريبة، ثم تفتح الباب فيدخل معها رجل ويقومان معاً بأشياء كثيرة أمامي· ليس رجلا واحدا وإنما رجال مختلفون كثيرون، ثم تخوفني وتحذرني إن قلت شيئاً فإنها ستقتلني، ثم تضع يدها على فمي ولا تتركني أتنفس ثم ترفع يدها عندما أختنق وتتركني لأبكي وأنا أتنفس بصعوبة· صدمة فظيعة أصابتنا بالذهول، طفل في الرابعة يرى كل هذه الأشياء ويتعرض لكل هذا التعذيب؟ إنه مجرد طفل، أي مخلوقات بشعة هذه؟ في أي مجتمعات تعيش؟ وكيف تتربى بلا أخلاق ولا مبادئ إنسانية؟ المصيبة أنها امرأة متزوجة ولديها أطفال، هل تفعل نفس هذه الأفعال أمام أطفالها، لا أعتقد بأن على هذه الأرض أناس يمتلكون كل هذه الحقارة والدناءة، إنه أمر يفوق القدرة على التخيل· تمنيت الموت قبل أن أسمع ابني وهو يتحدث بهذا الشكل، ولربما كان قد أخفى أشياء أخرى لم يتذكرها أو يخاف أن يذكرها أمامنا· تذكرت السنين الأربع التي عاشتها هذه الإنسانة في بيتنا، والله على ما أقول شهيد، كنت أعاملها بالحسنى وكأنها فرد من العائلة، لا فرق بيننا وبينها· كنت أكرمها لأنها تعتني بأطفالي أثناء غيابي، أتعاطف معها لأنها أم مثلي وقد تركت أطفالها وتغربت لتعيلهم ولتنفق على تعليمهم في أفضل المدارس· كنت أعطيها المال وأساعدها بكل ما تحتاج إليه رغبة في كسب الثواب· بعد أن قلبت كل هذه الأمور طرأت لي فكرة: ماذا لو كان ابني كاذبا، ذو خيال مريض·· ماذا لو لم يقل الحقيقة·· هل سأظلمها دون أن أتأكد من الحقيقة؟ جريمة بلا عقاب قبل أن أتخذ أي إجراء بحقها قمت باستشارة إحدى الطبيبات النفسيات· شرحت لها حالة ابني وأخبرتها بحكايته مع الشغالة، فأخبرتني بأنني لست أول من يحدث لأطفالها ذلك، فالكثير والكثير من الأمهات يشتكين من تغير سلوك أولادهن، وبعد المراقبة والتدقيق يكتشفن بأن للشغالة الدور الرئيسي فيما يحدث للأطفال، فالطفل لا يكذب وهو يقول الحقيقة، والأفضل الإسراع في إبعادها عن المنزل لأنها أصبحت تشكل خطرا أكبر في الوقت الحاضر· ثم أكدت على ضرورة إخضاع الطفل للعلاج النفسي وعدم ترك تلك العقدة تؤثر على حياته في المستقبل· قمنا بتفتيش غرفتها فوجدنا مسروقات كثيرة أخفتها بين حاجياتها، كما عثرنا على صور فاضحة وأشياء كثيرة لا تصدق، فكيف لم يخطر لنا تفتيش غرفتها إلا بعد أن وقع الفأس بالرأس؟ إنها السذاجة والثقة العمياء التي أوصلتنا إلى هذه الحال· توجه زوجي الى قسم الشرطة وأخبرهم بكل هذه الحقائق فنصحوه بعدم إقامة دعوى والاكتفاء بتسفير الخادمة منعاً للفضائح وبعداً عن الملاحقة في المحاكم وغيرها من الأمور الروتينية المملة· عاد زوجي وهو محبط ثم حجز لها تذكرة بعد أن ألغى إقامتها وسفٍّرها بأسرع وقت لأنني لم أعد أحتمل رؤيتها أمامي· لا أدري لماذا بقيت سلبية ولم آخذ حق ابني منها على الرغم من أنه كان يتوسل أن أجعله يضربها قبل رحيلها كما ضربته وعذبته بوحشية، ولكني قلت له: نحن نسامح الآخرين ولا نضرب أحدا· سيبقى هذا الموقف يحرقني بجمره لأنني جعلتها تفلت دون أية عقوبة ولم أستطع أن أنتقم لولدي منها· لقد حولت بيتي إلى سجن خاص للتعذيب والضرب والسب لهذا الطفل البريء، وقد فتحت عينيه على أمور ما كان يجدر به رؤيتها وهو في هذا السن، والله وحده يعلم ما يمكن أن يتركه هذا كله على شخصيته ونفسيته· أحمد ربي أنني استطعت أن أتمالك نفسي مرة أخرى بعد تلك التجربة القاسية وعدت للوقوف إلى جانب صغيري ومساعدته على تخطي أزمته· أناشد كل أم أن لا تضع رأسها مثل النعامة في التراب وتغفل عن خادمتها· افتحوا عين الحذر ولا تأمنوا لهن مهما أجدن التمثيل والظهور بمظهر الحمل الوديع، فالله وحده يعلم ما يمكن أن يخفين بداخلهن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©