الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتخابات تركيا··· ومعركة الدفاع عن الديمقراطية

انتخابات تركيا··· ومعركة الدفاع عن الديمقراطية
8 يوليو 2007 03:47
لقد وصفت الانتخابات التركية المتوقع إجراؤها خلال الشهر الحالي، بأنها معركة من أجل بقاء روح الأمة التركية أو فنائها· لكن وبعيداً من أن تكون هذه المعركة صراعاً بين العلمانية والإسلام، كما يريد لنا بعضهم أن نعتقد، فهي في الأساس معركة بين قوى الحرية والديمقراطية من جهة، وقوى الشمولية والاستبداد من الجهة الأخرى· وسوف تقرر النتائج التي تسفر عنها هذه الانتخابات، ما إذا كانت تركيا ستواصل مسيرة التحديث التي بدأتها منذ نحو خمس سنوات خلت، حكومة حزب ''العدالة والتنمية'' الحاكم، أم أنها ستعود إلى عهد شعار القوة هي الحق المطلق، ولا سبيل للسلطة إلا عبر فوهة البندقيــــة؟ كمـــا يتوقع لهذه الانتخابات أن تقرر كذلك، ما إذا كانت القيادة الجديدة ستتبنى من السياسات والإجراءات ما يسهل ويحفظ التوازن بين التراث الإسلامي السائد في البلاد، وثقافتها السياسية العلمانية، أم أن يقطع الجيش أمامها الطريق، ويعمد إلى مصادرة حق الشعب التركي في اختيار الحكومة التي يريد، فيقوض بذلك التفويض الشعبي الممنوح للحكومة بخدمة الشعب والعمل من أجله؟ وكانت المظاهرات التي شهدتها العاصمة أنقرة خلال شهري أبريل ومايو المنصرمين، قد أثارت المخاوف من أن يعصف الإسلام السياسي المتطرف بالعملية الديمقراطية كلها· بيد أن دمغ حكومة حزب ''العدالة والتنمية'' الحالية، بتهمة التطرف الإسلامي، إنما فيه محاولة للقفز على الواقع الفعلي الملموس· والحقيقة أنه لا ريب في جدية والتزام هذه الحكومة بإرساء النهج الديمقراطي· وقد كلفها هذا الالتزام الكثير، خلال الجهـــود التي تبذلها من أجل تبديد المفاهيم والتصـــورات الخاطئة عن الأحزاب ذات الصبغة الإسلامية· وإذا ما سادت العلمانية تركيا سابقاً، نتيجة للدعم العسكري الثابت لنظام الحكم العلماني طوال الحقب السابقة، فقد حل أخيراً الوقت الذي رأينا فيه تقاليد الحكم العلماني هذه، وهي تترسخ عبر العملية السلمية الديمقراطية نفسها وتقودها حكومة ديمقراطية منتخبة شرعاً، دونما حاجة لترهيب المؤسسة العسكرية لأي دين من الديانات· كما يتعين أن تبدد الخطوات الجريئة التي اتخذها رئيس الوزراء الحالي، طيب رجب أردوجان، إزاء الدفع ببلاده نحو عضوية الاتحاد الأوروبي، طوال السنوات الماضية من فترة توليه لهذا المنصب، أية شكوك أو مخاوف لا أساس لها من الصحة، إزاء جديته والتزامه بالنهج الديمقراطي· ومنذ بدايات عقد الثمانينيات، فقد اتسمت السياسات التركية بقوة جهاز الدولة، على حساب الضعف البادي على أداء المجتمع المدني، الذي لا يتم التسامح فيه مع الحقوق والحريات الفردية، إلا بقدر خضوعها للرؤية المركزية السائدة· ولذلك فإن من الطبيعي أن تشوب العملية الانتخابية طوال الفترة المذكورة، إجراءات الترهيب الهادفة إلى إقصاء وتقويض مواقف أية مجموعات معارضة، على امتداد الطيف السياسي بالبلاد بأسرها· لكن وعلى إثر إجراء انتخابات عام ،2002 التي شكلت نقطة مفارقة في التاريخ السياسي التركي، فقد بدا واضحاً أن تلك الممارسات السابقة لم تكن إلا مجرد ذكرى من ذكريات ذلك التاريخ المؤسف· والشاهد أن التحول باتجاه النهج الديمقراطي والعملية السياسية المرتبطة به، قد أصبح نهجاً ثابتاً للتحول في السياسات التركية المعاصرة· وبفضله ترجمت إرادة الشعب التركي إلى سياسات اقتصادية متوازنة، وإلى تقدم واضح في نظام الرعاية الاجتماعية، فضلاً عن الاندماج الكبير الذي حدث بين أنقرة والاتحاد الأوروبي· وخلافاً لتهديدات المؤسسة العسكرية بالتدخل المستمر في شؤون الحكم التركية، فهاهم قادة تركيا المنتخبون وقد أظهروا من العزم والحزم في الالتزام بالإصلاح السياسي، ما لا يطاله أدنى شك· وفي المقابل فإن التداعيات المترتبة على أي تدخل عسكري في تحديد مصير المعركة الانتخابية المقبلة أو تقويضها، سوف تكون في غاية الخطورة والتأثير السلبي· وليس من داع لإحياء ذكرى وآلام ما حدث في الجزائر من قبل· وفي حين تساعد النصوص الدستورية الراسخة في تركيا، من مخاطر تعرض العملية الانتخابية للاختطاف، إلا أنه ليس متوقعاً للشعب التركي أن يتساهل مع اختطاف كهذا إن حدث· ذلك أنه يتوقع أن تطوى صفحة المفاوضات الجارية مع الاتحاد الأوروبي حالياً، بشأن انضمام تركيا لعضوية الاتحاد· وفي ذلك ما ينسجم ومواقف بعض دول الاتحاد، المتمسكة منذ البداية بمعارضتها القويـــة لفكرة انضمـــام تركيا· ليس ذلك فحســـب، وإنما يتوقع للنمو الاقتصادي غير المسبوق الذي حققته تركيا خلال سنوات الديمقراطية هذه، أن يبدأ بالتباطؤ، فيما لو أسدل الستار على العملية الديمقراطية نفسها· ومن بين أسوأ وأكبر التداعيات المحتملة لانهيار التجربة الديمقراطية التركية، ما تثيره من مشاعر إحباط واسع النطاق، سواء داخل تركيا نفسها، أم على امتداد العالم الإسلامي بأسره· والسبب أن تركيا - شأنهــــا في ذلك شـــأن إندونيسيـــا- عـــادة ما ينظر إليها المسلمون على أنها محــك اختبار عملي لتجربة السياسة الديمقراطية الإسلامية· وتعد كلتا التجربتين تعبيراً عن السلام السياسي الاجتماعي، الهادف إلى خدمة وصون مصالح المسلمين، ومصدراً للتباهي والفخر، على النطاق العالمي كله· أنور إبراهيم نائب رئيس الوزراء الماليزي السابق، والرئيس الفخري حالياً لمؤسسة ''أكاونتابلتي'' العالمية، المعنية بأبحاث المحاسبة في مجال الاستثمار والمجتمع المدني والمؤسسات العامة· ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©