الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرض الحظر الجوي··· حكم بالإعدام على سكان دارفور

فرض الحظر الجوي··· حكم بالإعدام على سكان دارفور
7 يوليو 2007 22:20
لعل الجهد الإنساني العالمي الذي ساعد في الإبقاء على حياة ما يزيد على المليون نسمة من نازحي إقليم دارفور، هو ومضة الضوء الوحيدة في عتمة دموية مشهد القتل الجماعي والمجاعة الطاحنة التي يعانيها ذلك الإقليم· وبفضل هذه المساعدات الإنسانية، فقد انخفض نسبياً معدل الوفيات بين سكان الإقليم، خلال العام الخامس للحرب، ليصبح أدنى مما هو عليه المعدل نفسه في العاصمة الخرطوم· وبالمقارنة مع جنوب السودان، حيث توقفت الحرب والنزاعات المسلحة، فلا تزال معدلات الوفيات بين الأطفال خاصة، مرتفعة جداً، بينما انخفض في المقابل معدل التحاقهم بالمدارس· ولهذا السبب، فإن الذي تحقق بفضل جهود الغوث الإنساني هذه، يعد عظيماً وباهراً، لكونه يفوق كل ما حققته هذه الجهود الإنسانية، في مناطق النزاعات المسلحة على نطاق القارة الأفريقية كلها· ولا بد من الإشادة هنا بالجهود التي بذلتها منظمات بعينها في هذا المضمار، منها منظمة ''أوكسفام'' و''ميرسي كوربس'' ومنظمة ''أطباء بلا حدود'' مع العلم أن نسبة الموظفين السودانيين بين العاملين في هذه المنظمات الثلاث، البالغ عددهم نحو 13 ألفاً، تعادل حوالي 90 في المئة· ومع ذلك، فليس مستبعداً أن تقوض هذه الجهود والإنجازات فيما لو تحققت للمرشحين الرئاسيين ''الديمقراطيين'' رغبتهم المتمثلة في فرض حظر عسكري جوي على إقليم دارفور، وتحويله إلى منطقة لحظر من هذا النوع· وقد استندت هذه الفكرة التي اقترحتها السيناتور هيلاري كلينتون وآخرون من حزبها، على الاعتقاد بأن من شأنها إرغام حكومة الخرطوم على السماح بالنشر الفوري لقوة حفظ السلام الدولية الأفريقية، المؤلفة من القوات التابعة للأمم المتحدة، وتلك التابعة للاتحاد الأفريقي· ومضت هيلاري كلينتون قائلة أثناء حوار انتخابي رئاسي عقده الحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي: سنطلق النيران على طائرات الحكومة السودانية إن حلقت في سماء دارفور· فتلك هي الطريقة الوحيدة للفت اهتمام المسؤولين السودانيين· غير أن منظمات ووكالات الغوث الإنساني الناشطة في الإقليم، تشعر بخيبة أمل كبيرة للغاية إزاء الاتجاه لفرض الحظر الجوي هناك· ويعتقد هؤلاء أن حكومة الخرطوم ستستجيب للضغوط الأميركية هذه، بمعاقبة طائرات الغوث الإنساني، بل ربما ترغم منظمات الإغاثة نفسها على مغادرة الإقليم· ليس ذلك فحسب، بل وحتى في حال عدم لجوء الحكومة السودانية لوقف رحلات الغوث الجوية التابعة لمنظمات ووكالات الغوث الإنساني هذه، فإن من الأرجح أن توقف الأمم المتحدة رحلاتها الإنسانية إلى الإقليم، مخافة تعرضها لخطر النيران في مناطق يسودها النزاع أصلاً· ومهما يكن، فإن الحقيقة التي لا مراء فيها أن أهالي الإقليم من النازحين ومتضرري الحرب، ستتعرض حياتهم لخطر صحي قاتل، فيما لو توقفت الرحلات الجوية الحالية، وفيما لو شلت هذه الأداة المهمة في تقديم الغوث والدعم الإنسانيين على جناح السرعة للمتضررين· والخطر الأكبر المحدق بهؤلاء أنهم سيجدون أنفسهم وقد أحيطوا بتبادل إطلاق النيران المشترك بين طرفي النزاع، في حال حدوث أي تصعيد للمواجهة العسكرية بينهما· وبينما كان من السهل على مواطني إقليم كوسوفو والبوسنة، الفرار من جحيم النزاع الذي شهدته مناطقهم خلال عقد التسعينيات، وذلك باللجوء إلى أي من الدول المجاورة المضيفة، فلنذكر أن إقليم دارفور يتسم بكونه إقليماً شاسعاً وصحراوياً وقاحلاً للغاية، ما يجعل هرب ضحاياه على نحو آمن إلى المناطق أو الدول المجاورة، أمراً شبه مستحيل تقريباً· وفي الوقت الحالي، وفي ظل النزاعات والمواجهات الداخلية بين مليشيات الجنجويد نفسها، وكذلك بسبب الانقسامات الداخلية الدائرة في صفوف قوات التمرد في الإقليم، فإن السبيل الوحيد لتوصيل المساعدات الإنسانية لنازحي ومتضرري دارفور، هو الرحلات الجوية· وحتى هذه اللحظة، تسهم كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بتسيير تسع من هذه الرحلات، بين كل 10 منها· وهناك الكثير من المنظمات التي يعتمد توصيلها للمساعدات الإنسانية للمحتاجين، على الطيران بنسبة 90 في المئة· ولذلك فإن انهيار نظام النقل الجوي الرئيسي للمساعدات هذه، بسبب فرض الحظر الجوي المحتمل على الإقليم، سيكون بمثابة إصدار حكم بالإعدام على أهالي الإقليم، وبخاصة على أولئك الذين يقيمون في مخيمات اللاجئين، ويعتمدون كلياً على وكالات الغوث في الحصول على إمدادات الغذاء ومياه الشرب والمساعدات الصحية· ولذلك كله، فما أسهل المضي قدماً في جهود فرض الحظر الجوي هذه، أملاً في تحقيق تطلعات انتخابية رئاسية، هدفها الحصول على دعم القواعد الشعبية للمرشحين الرئاسيين الذي يتمتع به ''تحالف أنقذوا دارفور''، وهي عبارة عن حركة شعبية واسعة النطاق، تمكنت من لفت الأنظار إلى مأساة الإقليم، إلا أنها وللأسف من أقوى الحركات المدافعة اليوم عن فكرة فرض الحظر الجوي على الإقليم· وعلى أية حال، فإنه لا بد من القول إن قراراً كهذا، من شأنه إحداث تغيير هائل على الوضع الإنساني، لا تحمد عقباه، ويصعب تقدير آثــــاره ونتائجــه الكارثية على مواطني الإقليم بصورتها الكاملة من الآن· ذلك أن إقليم دارفور وحده أكبر من العراق مساحة، بينما يعادل نحو 50 مرة مساحة إقليم كوسوفو· إلى ذلك فإن أقرب مطار جوي للإقليم في تشاد المجاورة، يقع على بعد مسافة أبعد من أي قاعدة لحلف ''الناتو''· وفوق ذلك كله، فإن فرض الحظر الجوي لن يحدث أي تغيير يذكر في التصدي لحقيقة أن أكبر مهدد يحيق بحياة المواطنين المدنيين في الإقليم، إنما هو الخطر الناشئ من الأرض وليس يهبط عليهم من الجو· فعلى رغم سقوط العشـــرات من الضحايـــا، جراء ما يقــــال عن القصــــف الجوي لقرى ومناطـــق الإقليـــم، فــــــإن ذلــــك لا يبـــرر ما ذهبـــت إليـــه السيــــدة هيلاري كلينتون بدعوتها إلى تركيز الجهود كلها على ما وصفته بالدعم الجوي الذي تقدمه حكومة الخرطوم لمليشيات الجنجويد المعروفة بغاراتها وجرائمها التي ترتكبها بحق مدنيي الإقليم· جوليت فلينت مؤلفة مشاركة في كتاب دارفور: تاريخ موجز لحرب طويلة ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©