الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا ... مخاوف من تراجع الحريات

19 ديسمبر 2012
فريد حياة كاتب أميركي لا تختفي العادات التي يتم غرسها عن طريق الخوف إلا ببطء شديد، لكنها سرعان ما تعاود الظهور عندما يُسمح لها بذلك، هذا هو الدرس الذي يحاول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إيصاله إلى الناس، ففي رحلة قمت بها إلى روسيا مباشرة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي أبقيت في جيبي نسخة من المعاهدة الروسية الأميركية الجديدة، التي فتحت البلاد أمام الزوار الأميركيين. وفيما كنت أقود سيارتي عبر الطرقات والشوارع وأحمل لوحة مكتوب عليها صحفي أجنبي كانت الشرطة توقفني في كل مرة مطالبة برخصة الزيارة، فكنت أطلعهم على المعاهدة، وأقول لهم إن من منحني الرخصة هو وزير الخارجية الروسي، وعندما يستشكل عليهم الأمر كان أفراد الشرطة يتصلون بأحد المسؤولين للاستفسار، بحيث يُسمح لي أحياناً بالمرور وأحياناً أخرى أرجع على عقبي، فسواء كانت هناك معاهدة، أم لم تكن كانت التعليمات واضحة بمنع مرور الأجانب، وهي التعليمات التي استقرت في أذهانهم منذ الفترة السوفييتية التي لم يمر على أفولها وقت طويل. لكن وعلى مدى السنوات بدأت تتلاشى تلك الشكوك المترسبة في الأعماق، ومعها ذلك الخوف من السلطة والتزلف لها، ولم يعد الروس الذين عاشوا منعزلين عن العالم يتعجبون من رؤية أجنبي فوق أرضهم يزور المدن، بل ويتوغل في المناطق الريفية والنائية، أما الأشخاص الذين ما كانوا يجرأون على انتقاد المسؤولين خارج غرف نومهم باتوا اليوم يضجون بالشكوى ويجهرون بالنقد. غير أن العادات القديمة رجعت على ما يبدو بعد مجيء بوتين للمرة الثالثة إلى الرئاسة، هذا الأمر تؤكده «تانيا لوشينا» التي قالت إن الخوف رجع مجدداً إلى روسيا، موضحة أنه خلال زيارة قامت مؤخراً لواشنطن «أصبحت روسيا اليوم بلداً مختلفاً». وللتدليل على نقطتها بدأت «لوشينا» التي تتولى إدارة مكتب منظمة «هيومان رايتس ووتش» في موسكو تحكي عن رحلتها مؤخراً إلى سيبيريا مع زميل لها لإجراء بحث حول ندرة الأدوية المهدئة والمخففة للألم في المنطقة، وهو موضوع بعيد عن القضايا التقليدية والشائكة المرتبطة بحقوق الإنسان، بل وللمفاجأة اكتشفت «لوشينا» أن المنطقة رائدة في مجال الرعاية الصحية، ولا مشاكل جوهرية تعاني منها، لذا تقول الناشطة «لم نكن قلقين من شيء لأنها كانت قضية إيجابية ولا تحمل أي أبعاد سياسية». لكن المسؤولين المحليين في وزارة الصحة علموا بزيارة الفريق إلى المقر لتبدأ الأسئلة الشبيهة بالاستنطاق حول من أعطى الرخصة، ومن سمح بإجراء مقابلات مع الأطباء، ومن صاحب الدعوة، وغيرها من الأسئلة. والملفت أن «لوشينا» تؤكد أنه خلال سنوات الحرب وما صحبها من التجاوزات حصلت في القوقاز وبحثها الطويل في المنطقة لم تتعرض لهذا السيل من الأسئلة. وهكذا وتحت الضغط اضطر الأطباء الذين كان يفترض اللقاء بهم لإلغاء مواعيدهم، أما الذين وافقوا على اللقاء فقد عانوا من مشاكل مع السلطة، هذا المناخ المليء بالتوجس هو بالضبط ما يسعى بوتين لإعادة تكريسه في روسيا بعد استعادته للرئاسة في شهر مايو الماضي. فبعد أربع سنوات من الكمون في منصب رئيس الحكومة، عاد برلمانه الطيع لوضع كلمة «خيانة» الفضفاضة كجريمة يعاقب عليها المعارضون، بل هي مطاطة إلى الحد الذي يمكن سحبها على المنظمات الأجنبية والأشخاص المتعاملين معها. وفي تفاصيل القانون الذي مرره البرلمان يفرض على كل منظمة تتلقى تمويلاً من الخارج، ما يعني جميع منظمات حقوق الإنسان، أن تعلن عن نفسها باعتبارها «عميلا أجنبياً” المرادفة في أذهان الناس لكلمة الجاسوس. وبالاستناد إلى القانون تم طرد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كما اضطر «المعهد الديمقراطي الوطني» و«المعهد الجمهوري الدولي» اللذان يساعدان الأحزاب على التمرس على الديمقراطية لسحب الكثير من موظفيهم بعد عقدين من العمل في موسكو. والأكثر من ذلك تم إعطاء المثال من خلال التضييق على المعارضين، حيث تم طرد برلماني مشاكس من البرلمان، واتهم المعارض، «سيرجي أود التسوف»، بالتخطيط لإثارة الفوضى، دون أن ننسى المقاضاة العبثية لفرقة موسيقية جريئة في موسكو يتكون أعضاؤها من النساء، هذا بالإضافة إلى التهم الواهية التي تلفق لكل من يجرؤ على رفع صوته معارضاً لسياسات الحكومة الروسية. والرسالة واضحة مفادها أنه لا أحد بمنأى عن قبضة السلطة، ولا أحد يستطيع التعويل على القضاء والعدالة لإنصافه، وعلى غرار ما قام به في بوتين في ولايته الأولى عندما هاجم أصحاب الثروات الطائلة من المستقلين وزج بهم في السجون، يحاول اليوم تطويع المعارضين لإرهاب الآخرين ودفعهم للإذعان. وكما تقول «لوشينا»، ثمة مساع لزرع الخوف في نفوس الروس، وهذا في حد ذاته يعكس الخوف من احتجاجات السنة الماضية التي خرجت إلى الشارع معارضة. وتوضح لوشينا قائلة «إن روسيا تريد العودة إلى 2007 عندما كان الكريملن يمسك بالخيوط في يديه، وكان يتمتع بقدر من الاستقرار والطمأنينة». لكن الناشطة تضيف أنها لا تعتقد بقدرته على النجاح، أو إسكات الروس «لأن المجتمع تغير عما كان عليه في السابق، ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، إلا أنها تعترف أيضاً بذهولها للسرعة التي يمكن بها أن تعود الرقابة وتزدهر، حتى أكثر مما هو منتظر منها، بحيث يبدو أن إمكانية الانتكاس والتراجع عن المكاسب المتحققة في مجال الحريات وحقوق الإنسان تبقى دائماً قائمة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©