الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أطفال سوريا... ضحايا الشلل والتقاعس الدولي

أطفال سوريا... ضحايا الشلل والتقاعس الدولي
30 ديسمبر 2013 23:02
في الوقت الذي يعتقد فيه المراقبون أن جرائم الحرب في سوريا قد تم حصرها، ينتقل نظام الأسد إلى ما هو أفدح، حيث تقوم الحكومة السورية حالياً بتعطيل جهود تطعيم الأطفال ضد مرض الشلل في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، باعتبارها المناطق الأكثر تعرضاً لاحتمال تفشي الوباء، بل لعل ما يصدم أكثر هو خضوع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتصلب الأسد وفشلهما في إيصال التطعيم الضروري للأطفال. والحال أن هذا التقصير قد يفاقم تفشي وباء الشلل في عموم الشرق الأوسط، وهو ما تؤكده تقارير نقلها أطباء قبل شهرين في منطقة دير الزور التي تسيطر عليها المعارضة بشمال شرق سوريا، حيث تم رصد حالات أولى لمرض الشلل، علماً بأن هذا الوباء كان قد اختفى نهائياً تقريباً مع تسجيل آخر حالة في سوريا خلال 1999. وبالنظر إلى الواقع الجديد الذي يهدد بعودة الوباء مرة أخرى، بات من الواضح أن حملة طارئة للتطعيم تفرض نفسها بإلحاح، لا سيما في ضوء التدهور الصحي الخطير الذي تعيشه مناطق واسعة من سوريا بسبب القصف الجوي والحصار الأمني، ما قد يؤدي إلى تفشي المرض وانتشاره إلى خارج سوريا، حيث لا يكف اللاجئون عن التدفق. ولكن المشكلة التي تواجه أي حملة، هي النظام السوري وتقاعس المجتمع الدولي، فالسبيل الأسرع للوصول إلى المناطق المنكوبة هو نقل التطعيمات عبر الحدود التركية، وهو ما بادر به فعلاً طاقم طبي يعمل ضمن المعارضة ونشطاء أتراك من خلال تشكيل فريق عمل لتوزيع التطعيمات داخل منطقة دير الزور وبقية المناطق في الشمال السوري. ولكن الوكالات الأممية التي توفر هذه التطعيمات، مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، لا تعمل إلا من خلال القنوات الرسمية، ما يعني ضرورة المرور عبر نظام الأسد، ولذا تمتنع تلك الوكالات عن توزيع الدواء على أطفال سوريا عبر الحدود التركية التي تسيطر عليها المعارضة ما دام نظام الأسد سيرفض ذلك، وهو ما يعبر عنه الدكتور جوان ليو، رئيس منظمة «أطباء بلا حدود»، قائلاً «لا تمنح الوكالات الأممية الدواء للتشكيلات التابعة للمعارضة خوفاً من تعرض أنشطتها في دمشق لانتقام النظام». وهذا الموقف الأممي يعني أن الحكومة السورية هي الوحيدة المسؤولة عن جهود التطعيم، ومع أن طواقم الأمم المتحدة والأطباء السوريين يبذلون أقصى جهدهم ويضحون أحياناً بحياتهم لإيصال المساعدات الطبية الضرورية عبر نقاط التفتيش الخطرة إلى السوريين، ولكن مع ذلك يظل عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف، من الأطفال في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة محرومين من التطعيم ضد مرض الشلل. وقد التقيت في الأسبوع الماضي الدكتور بشير تاج الدين، المتخصص في علم الأوبئة، بغازي عنتاب التركية، وأكد أن حملتي التطعيم السابقتين اللتين أشرفت عليهما منظمة الصحة العالمية منيتا بالفشل، والسبب أن وزارة الصحة السورية التابعة للنظام أرسلت التطعيمات إلى مقرها المحاصر في دير الزور. وحتى يتم استخدام تلك التطعيمات، لا بد لمسؤولي الصحة من عبور المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة إلى تلك المناطق التي يديرها النظام، وهو أمر صعب ومحفوف بالمخاطر. وهذه الخطورة يوضحها تاج الدين بالقول، إن مخاوف المسؤولين عن التطعيم مبررة بالنظر إلى استهداف النظام للأطباء والطواقم الصحية، مستطرداً: «تقوم الحكومة بقصف المستشفيات، لقد كنت شخصياً بالقرب من مستشفى ميداني عندما قصف في اللاذقية. كما أن العديد من أصدقائي الأطباء إما تعرضوا للقتل، أو الاعتقال». وخلافاً للحكومة التي لا تستطيع النفاذ إلى مناطق المعارضة، يمكن للأطباء الوصول إليها وتوفير التطعيمات الضرورية للأطفال. ويضيف تاج الدين أنه كان قد حصل على وعد مكتوب من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، بإيصال تطعيمات الشلل إلى مدينة غازي عنتاب التركية في مطلع شهر ديسمبر الجاري على أن تعمل فرق الإغاثة على إيصالها إلى سوريا عبر الحدود دون تدخل مباشر من الوكالات الأممية وتجنبيها حرج التعامل مع النظام. ولكن مع الأسف لم تصل التطعيمات، وعندما سألت المتحدثة الإقليمية باسم منظمة الصحة العالمية في القاهرة، رانا صيداني، عن الموضوع قالت «لا نستطيع تأكيد وجود هذا التعهد». ولكن وفي جميع الأحوال، وحتى إذا لم تتعهد المنظمة بتسليم التطعيمات وأدوية أخرى إلى مسؤولي المعارضة لإيصالها بمعرفتهم إلى أطفال سوريا في المناطق المنكوبة، فإنه يتعين التسريع بذلك، فبعد القضاء تقريباً على وباء الشلل سيكون من العيب على منظمة الصحة العالمية السماح له بالظهور مجدداً بين الأطفال السوريين لأسباب سياسية واهية، فعلى الرغم من حصر المنظمة لعدد الإصابات في 17 حالة تم التأكد منها، يؤكد تاج الدين أن العدد وصل إلى 66 إصابة، مع اكتشاف حالتين مؤخراً في منطقة «تل الأبيض» القريبة من الحدود التركية. ولا ننسى أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الوكالات الأممية بإيصال الدواء إلى مناطق الصراعات، فعندما انتبه العالم إلى احتمال ارتكاب مجازر في دارفور بالسودان، سارعت الأمم المتحدة إلى إرسال الغذاء إلى المنطقة عبر دولة تشاد المجاورة دون استئذان النظام السوداني. صحيح أن تلك العملية كانت مرخصة من قبل مجلس الأمن الدولي، وهو الأمر الغائب في الحالة السورية بسبب الفيتو الروسي، إلا أنني لا أعتقد أن موسكو مستعدة لتعطيل حملة محاربة الشلل في سوريا بذريعة دعمها للنظام. ولو حصل ذلك سينظم العالم حملة للتشهير بروسيا والإشارة إليها بأصابع الاتهام لدورها في انتشار الشلل بين أطفال سوريا. أما فيما يتعلق بمنظمة الصحة العالمية واليونيسيف اللتين تتوليان الدفاع عن الطفولة والحرص على صحتها، فعليهما إيجاد طريقة ما لتسريع وصول التطعيمات إلى سوريا عبر الحدود التركية. ترودي روبن محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©