أسماك دجلة تأكل العراقيين

لم يكن العراقي يتخيل يوما انه سيتبادل الادوار مع الأسماك على هذا النحو المأساوي الذي بلغته الاوضاع في العراق· فبينما كان طبق ''السمك المسكوف'' أشهر وأفضل أكلة عراقية، أصبحت أسماك نهر دجلة تأكل لحوم العراقيين ضحايا العنف الطائفي· فقد تحول دجلة الآن الى مقبرة كبيرة تضم جثث القتلى العراقيين الذين يرمي بهم القتلة في مياهه، لتصبح مادة غذائية مفضلة للاسماك الجائعة التي كانت تتغذى على بعضها إلى ان وفر لها الارهاب والعنف الطائفي في العراق مصدرا وفيرا للطعام حتى لوكان لحم الانسان العراقي المفترض أنه أخ للعراقي الآخر في الدين أو نظير له في الخلق · وبسبب كثرة الجثث في النهر وتحولها الى غذاء مفضل للاسماك فقد اصدر علماء دين في العراق مؤخرا فتاوى تقضي بتحريم أكل لحوم اسماك نهر دجلة لهذا السبب· وكانت وجبة ''السمك المسكوف'' الفريدة امتيازا خاصا لشارع أبي نواس أشهر شوارع العاصمة العراقية بغداد حيث تمتد على كورنيشه الطويل عشرات المطاعم المتخصصة بتقديمها لكنها هاجرت مع اللاجئين العراقيين إلى دول الجوار وبلدان الخليج فانتشرت هناك بعض مطاعم ''أبي نواس''· وانتقل هذا الطبق الشهير ذات يوم في سبعينات القرن الماضي الى قصر الأليزيه حين أراد رئيس النظام العراقي السابق الراحل صدام حسين اثناء زيارة رسمية قام بها إلى باريس إكرام صديقه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ،الذي كان عمدة باريس آنذاك، بوجبة ذات ميزة عراقية· غير ان حروب صدام حسين نفسه منذ اوائل ثمانينات من القرن الماضي اتت اول ما أتت على خصوصية شارع ابي نواس· ومع بقاء مطاعم قليلة تقدم ''السمك المسكوف''، لم يعرف بعد ما اذا كانت الفتوى الجديدة سيتم الالتزام بها، لكن كل الفتاوى التي اصدروها بتحريم دم الانسان العراقي لم يلتزم بها أحد بدليل أنهم اضطروا إلى تحريم أكل لحوم الاسماك لكثرة ما تأكله من لحوم البشر· ·