الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الدمى تحاكم قسوة البشر

الدمى تحاكم قسوة البشر
26 مارس 2016 22:49
إبـراهيم الـملا (الشارقة) قدمت فرقة مسرح الشارقة الوطني مساء أمس الأول (25 مارس 2016) على مسرح قصر الثقافة في الشارقة عرضها المسرحي (تحولات حالات الأشياء والأحياء) ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة 26 من أيام الشارقة المسرحية، وكان سؤال المغامرة القصوى، أو هاجس التحدي الأكبر بالنسبة لمخرج العرض محمد العامري، هو في كيفية تحويل نص كتبه الراحل قاسم محمد، وبمستوياته المركّبة واعتماده الكلّي على الحوارات والانفعالات الافتراضية للماريونتات أو الدمى الخشبية، إلى صيغة بصرية وفرجوية تعكس وبعمق نبض الآمال والأشواق في دواخل هذه الدمى، وصولاً إلى هدفها المستحيل بتقمص الحالة الإنسانية، والتماهي مع المشاعر والأحاسيس التي تحكم البشر، سلبياً وإيجابياًً، ضمن اختبارات وجودية قاسية، قد تضع أحلام وتطلعات هذه الدمى في دوائر كابوسية، وداخل مناطق محفوفة بالخيبة والخطر. التحدي الآخر الذي واجهه العامري ونجح في تخطيه بتفوّق، هو وضع الممثلين الخمسة المشاركين بالعرض داخل التكوين الحسّي، والآخر التجريدي، الذي تختزنه الدمى الخشبية، والانتقال بالتالي من حالة الثبات والجمود، إلى حالة ديناميكية وتعبيرية تتجاوز الصورة النمطية للعرائس الخاضعة لمحركيها في مسرح الحكواتي. يذكر العامري في مدونة العرض أن المسرحي الراحل ومؤلف العمل قاسم محمد كان قد قدم له قبل سنوات ورقة بعنوان (فقه التمرين)، وأشار عليه أن يقرأ هذا الفقه مرّات ومرّات، ويضيف العامري في المدونة: «الفنان الحقيقي عطاؤه لا يتوقف، خلال حياته، وبعد وفاته، أستاذي قاسم، عطاؤك مستمر، وأعمالك ستبقى متجددة، وروحك سترفرف هذا المساء على خشبة المسرح». ويبدو أن فقه التمرين الذي استفاد منه العامري قد تجسّد في الإضافات والابتكارات والمعالجات الثرية التي أجراها على النص الأصلي من خلال تفكيك هذا النص وتطويره على الخشبة، معتمداً على تشظيات سمعية وبصرية وأدائية احتفظت بمغزى الحبكة الأساسية، وذهبت في التجريب إلى حدوده الفائضة بالخيال، وإلى حوافّه المخترقة للتشيؤ والتخشب في منطق الدمى، وصولاً إلى منطق مغاير ومحتشد بمعايير الأنسنة واقتحام مختبر الحواسّ. يبدأ العرض بفلاش باك استباقي، تشبه اللقطة الاختبارية في السينما قبل الدخول المباشر إلى أرض الحكاية، فنرى دمية خشبية مرمية أمام ستارة العرض، وهي تستغيث وتتوسل وتطلب من القابعين خلف الستارة بأن يفتحوا الباب، وبعد لحظة إظلام ترتفع الستارة، ونرى الإضاءة مركزة على صندوق صغير وبداخله عرائس تتحرك على هوى ومشيئة الأصابع البشرية المتحكمة بها، وتقوم هذه العرائس بتنفيذ أدوارها المرسومة وتشمل عدة شخصيات تتحاور وتتصارع في البعد الواقعي والاستعبادي المحصورة فيه. وبنقلة ذكية وانعطافة مهمة في مسار العرض، يقوم المخرج بتضخيم الصندوق الصغير وبكل ما يحتويه من ديكورات ودمي، وتجسيده كاملاً في الفضاء العام للعرض، ليتحول المنظور الواقعي والمقموع في المشهد الافتتاحي، إلى منظور تخيلي وانفعالي وحرّ بالنسبة للدمى الخمس التي جسدها على الخشبة كل من: رائد الدالاتي، وناجي جمعة، وسليمان واكد، وعبدالله المقبالي والفنانة عذاري السويدي. ستكون نقطة التحول هذه هي مفتتح اللعبة المدوخة والضارية التي تعمل على توريط الجمهور وإقحامهم في دهاليز ومتاهات العرض، خصوصاً عندما تبدأ الدمى في التحول من أشياء إلى ذوات، وتستيقظ في دواخلها غريزة التمرد، والاحتجاج والإدانة والمحاكمة الصارخة لقسوة البشر، وبالتحديد أصحاب الدمى الذين باتوا يمارسون معهم أبشع صور الاضطهاد والاستغلال في عروضهم التجارية والتسويقية المربحة، ويصل الأمر بإحدى الدمى وهي دمية المهرج إلى التعبير صراحة عن رغبتها في التحول إلى كائن بشري، وخوض مغامرة الخروج إلى عالم الإنسان، واختبار مشاعره الحقيقية، وأهمها بالنسبة للمهرج، هي مشاعر الحب، التي لم يستطع أن يفهم طبيعتها ودوافعها، وهو في حالته المتخشبة والمنذورة للصمت والجمود والعزلة. ورغم التحذيرات الكثيرة التي قدمها أصحابه في صندوق الدمى، فإن المهرج يصر على كسر الحاجز الذي يفصله عن عالم البشر، وتخطي النقطة المستحيلة التي تعزله عن كينونة الإنسان، يهبط المهرج فجأة مثل ملاك محطّم في قلب المدينة، حيث نجد مجاميع من البشر المشغولين بأمورهم المادية والحياتية، وهم يطوفون حوله ولا يشعرون به، وعندما يصطدم به أحدهم، يتحول إلى لعبة ثم إلى سلعة تجارية بينما يقوم شخص آخر بإطلاق النار عليه، ويجد نفسه وسط وجود شرس وجشع وممزق، ويقبع وحيداً ومنهدماً في ذاته وعلى ذاته، خائباً ومنكسراً، وكأن مغامرته التحولية، ورحلته الوجودية تلك، باتت أشبه بالسفر إلى الجحيم والهلاك، إنه أيضاً جحيم الإنسان وعدميته الأقسى من عالم الجمادات المحايدة والمنزوعة من الجشع والأنانية والشر. في المشهد الختامي أو الانتقالة الأخيرة للعرض، وفيما ويشبه العودة الدائرية لمشهد البداية، نرى دمية المهرج المحطمة والمشلولة في مقدمة الخشبة وهي تصرخ بيأس: افتحوا الباب، افتحوا الباب! عشرة أيام من الإبداع المسرحي الجميل «أيام الشارقة المسرحية» تختتم اليوم الشارقة (الاتحاد) برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تختتم في السابعة مساء اليوم، على مسرح قصر الثقافة، فعاليات الدورة ?السادسة ?والعشرين ?من ?أيام ?الشارقة ?المسرحية، بعد عشرة أيام من التنافس والإبداع المسرحي الجميل، حيث يتم تكريم الفائزين بجوائز المهرجان. وشاركت ?في دورة «الأيام» هذا العام ?11 ?فرقة ?مسرحية ?محلية، ?8 ?منها ?تنافست ?على ?الجوائز، ?وثلاث ?عرضت «?خارج ?المسابقة»، ?إضافة ?إلى ?عرضين ?من ?عروض ?الدورة ?الأخيرة ?من ?مهرجان ?الشارقة ?للمسرحيات ?القصيرة. وقد افتتحت عروض المهرجان مسرحية «صدى الصمت» الفائزة ?بجائزة ?الشيخ ?الدكتور ?سلطان ?بن ?محمد ?القاسمي ?لأفضل ?عمل ?مسرحي ?عربي ?2015 ?الذي ?نظمته ?الهيئة ?العربية ?للمسرح ?في ?دولة ?الكويت، ?في ?شهر ?يناير ?الماضي، وواكب الأيام المسرحية أكثر من مئة ضيف من العالم العربي بينهم مسرحيون ونجوم دراما وسينما ومديرو مهرجانات ومؤسسات مسرحية وإعلاميون، إضافة إلى 12 طالباً متميزاً من كليات ومعاهد المسرح العربي ضمن برنامج ملتقى أوائل المسرح العربي في دورته الخامسة لهذا العام. وكرمت الأيام المسرحية الفنان القطري غانم السليطي والفنان الإماراتي عمر غباش «شخصية المهرجان». كما صاحب العروض ملتقى فكري ناقش سؤال «المسرح بين النخبة والجمهور؟»، وتضمن البرنامج المصاحب نحو عشرين فعالية، علاوة على معرض للتصوير الفوتوغرافي للدورات السابقة من تصوير الفنان محمود بنيان راشد، ونشرة يومية واكبت الحدث، ومكتبة تضمنت أحدث الإصدارات المسرحية نتاج دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©