الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

2013... دروس من الاقتصاد الأميركي

29 ديسمبر 2013 22:32
إننا بصدد تلك المرحلة المعروفة من السنة التي عادة ما ينخرط فيها الصحفيون في عملية جرد حساب السنة المنتهية ورصد حصيلتها، وهي ممارسة شائعة بين الصحفيين في العديد من المنابر الإعلامية، بحيث يعكف عدد كبير منهم على إعداد قوائم بعشر أفضل نقاط، وأخرى بأسوئها. لكن وبمراجعتي لأكبر التلفيقات والأكاذيب التي عايشناها في 2013 والتوقعات التي لم تر النور قط استطعت أن أجمع خمسة دروس أساسية من العام الحالي التي أراهن أن أحداً لن يتذكرها خلال السنة المقبلة، أولها أنه يتعين علينا دائماً التحوط من التصريحات السياسية التي تغلف على أنها توقعات اقتصادية رصينة قائمة على منهج علمي واضح، فقبل- وخلال- وحتى بعد إغلاق أنشطة الحكومة الفيدرالية في واشنطن بسبب عدم التوافق في الكونجرس على الموازنة خلال شهر أكتوبر الماضي، أوغل أوباما في التحذير والتكهن بالكارثة المحدقة، إذا لم تمرر الموازنة، فقد هدد أوباما بأن الأرض ستخسف بأميركا، وأن المحيطات ستجتاح سواحلها وتدمر أراضيها الفيضانات، وعندما لم يفد ذلك انتقلت إدارته إلى تحذيرات من نوع آخر، كالقول إن الأميركيين سيسمم غذاءهم لغياب موظفي المراقبة الصحية، وسيعانون من حوادث طائرات مدمرة لعدم وجود المراقبين الجويين، لكن ما تبين لاحقا أنه رغم عدم تمرير الموازنة، لم يقدم أحد على تسريح الموظفين الأساسيين. والحقيقة أن أوباما كان يحاول فقط الضغط على «الجمهوريين» ودفعهم لتمرير الموازنة بشروطه، بل إن الاقتصاد الأميركي حافظ على قوته حتى في ظل غياب الحكومة، حيث نما بنسبة وصلت إلى 4.1 في المئة خلال الربع الأخير من 2013، وذلك رغم كل الحديث عن أجواء عدم اليقين المخيمة على الحكومة والاقتصاد، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى مستوى له في عامين، وزادت نسبة الاستهلاك بحوالي 2 في المئة حركتها قفزة نوعية في المشتريات من البضائع التي وصلت إلى 7.9 في المئة، وكل ذلك وسط التحذيرات غير الواقعية التي أصدرتها إدارة أوباما. وبالإضافة إلى التهويل غير المبرر من إغلاق الحكومة كان هناك أيضاً المعايير المعتمد في تقدير مدى سوء الاقتصاد الأميركي، لا سيما بعد الخفض التلقائي للموازنة بلغ قيمته 85 مليار دولار، وهو الخفض الثاني على التوالي في النفقات الحكومية، الذي تم على نحو متلاحق في الخمسين سنة الماضية، ورغم التقديرات التي اعتبرت أن الخفض في موازنة الحكومة سيكون كارثياً على البرامج الأساسية، إلا أن الأمر كان بالأساس محكوماً باعتبارات سياسية، بحيث عادة ما تقدم النتائج لتناسب استنتاجات بعينها بصرف النظر عن التحليل الموضوعي. وتأكيداً لهذا الخلط بين الذاتي والموضوعي في احتساب تأثير الخفض التلقائي للموازنة العامة للإنفاق على الاقتصاد الأميركي قام كل من «فيرونيك دي روجي» و«ماثيو ميتشل» من جامعة «جورج مايسون» بتقدير التأثير فلاحظوا أن الأرقام المستخدمة تحتمل هامش خطأ كبير يتراوح بين 3.7 و-2.9، في المئة، ما يعني أنها غير دقيقية في قياس تداعيات الخفض التلقائي. كما أن الجميع بدءاً من خبراء الاقتصاد، وليس انتهاء بصندوق النقد الدولي، توقعوا تأثير الخفض التلقائي السلبي على النمو الاقتصادي، لكن من يستطيع الجزم بهذا المعطى، ثم هناك مغالطة يستند إليها هذا النموذج الاقتصادي مفادها أنه لا دور للقطاع الخاص خارج الأموال الفيدرالية. أما الدرس الثالث فيتعلق بقوة الجهاز التنفيذي في أميركا الذي يتغول أحياناً على سلطة الكونجرس، فرغم الجهود التي بذلها «الجمهوريون» في الكونجرس لنسف وتعطيل برنامج الرعاية الصحية الذي أقره أوباما، إلا أن هذا الأخير أبى ألا أن يمضي قدماً في إدخال التعديل تلو التعديل على البرنامج لزيادة عدد المستفيدين حتى دون إخطار الكونجرس بذلك، فقد أدخل أوباما تسعة تعديلات على قانون حماية المرضى وتوفير الرعاية المناسبة، ثمانية منها جرت خلال الأسابيع الخمسة الأخيرة، فيما اثنان من تلك التعديلات لم يعلن عنها، ورغم أن الدستور الأميركي، يجعل التشريع من اختصاص الكونجرس، وهو ما نسفه أوباما من خلال تعديلاته على قانون الرعاية الصحية، يبدو أن الإدارة مصممة على احتكار هذا الاختصاص. لكن ذلك يبهت أمام الدرس الرابع الذي يقول إلى العجز في الموازنة ما زال كبيراً بعكس ما يذهب إليه «الديمقراطيون» في إدارة أوباما، فرغم أن العجز العام انحدر إلى 680 مليار دولار في 2013 مقارنة مع تريليون دولار كان عليها في 2008، وانخفاض حصة ذلك العجز من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 4.1 في المئة حالياً مقارنة بحوالي 6.8 خلال 2012، إلا أن ما لا يقوله أوباما أن حصة العجز في 2009 و2012 من الناتج المحلي الإجمالي كان الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأخيراً هناك الدرس الخامس المتمثل في غياب الاستثمار لدى القطاع الخاص باعتباره السبب الرئيس للتباطؤ النمو الاقتصادي، وليس ما يقال دائما عن أجواء عدم اليقين. والحال أن عدم الاستقرار ما هو سوى كلمة أخرى لإخفاء مشاعر التشاؤم التي تكاد تطبق على الجميع، إذا لا يمكن التحجج بضبابية الرؤية الاقتصادية لتفسير بطء التعافي الاقتصادي، وأفضل بدلا من عدم اليقين الحديث عن القيود والعراقيل التي وضعتها إدارة أوباما أمام القطاع الخاص والشركات التي لم تعد قادرة على استثمار فوائضها المالية بسبب قانون الرعاية الصحية وإجراءات أخرى لا تشجع على الاستثمار. كارولين بوم كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©