الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة أولية في البستكية

رحلة أولية في البستكية
1 ابريل 2009 23:00
منذ سنوات يتزايد في دبي عدد المؤسسات الثقافية ذات الأغراض والتوجهات المختلفة، منها ما يهتم بالشعر أو الترجمة والتأليف، لكن الملحوظ أكثر هو الانتشار الكثيف لصالات عرض الفن التشكيلي، فهناك العشرات من هذه الصالات الخاصة التي تقيم معارض متخصصة بفنون بلد ما، أو بالفن التشكيلي عموما، وهذا ما تناولناه في تحقيق خاص من قبل، واليوم يلفت انتباهنا الحضور البارز لفروع هذه الصالات في منطقة ''البستكية'' التراثية، من خلال رعاية هيئة دبي للثقافة والفنون، حيث يمكن لزائر هذه المنطقة أن يشاهد فيها ما يشبه متحفا للفن التشكيلي الإماراتي والعربي والعالمي· إضافة إلى ركن خاص يقدم الفنون والحرف اليدوية والإبداعات المتميزة لمجموعة من المتخصصين في هذه الفنون· مشروع البستكية كان واحدا من مشروعين ضخمين جرى إطلاقهما في العام ،2008 وإلى جانب هذا المشروع كان قد جرى إطلاق ما يعرف بمجمع ''خور دبي الثقافي'' الذي خصصت له حكومة دبي عشرات المليارات من الدراهم، للنهوض بالحياة الثقافية من خلال خطط إستراتيجية، لإقامة الأنشطة الفنية والشعرية، ويقول القائمون على هذه المشاريع والخطط إن من أهمها مهرجان الشعر العالمي الذي سيقام في شهر آذار القادم بمشاركة حوالي مائة وخمسين شاعرا محليا وعربيا وعالميا· ربما أمكن الحديث عن مشروع مجمع ''خور دبي الثقافي'' كمشروع على قيد التحضير، حيث تقوم فرق فنية بتحضير بيت الشيخ سعيد بن راشد آل مكتوم ليحتضن المؤسسات والأنشطة والفعاليات التي ستقام فيه، حيث سيضم المخطط دارا للأوبرا، وأكثر من 10 متاحف، و14 مسرحا، و11 قاعة عرض، و9 مكتبات عامة، و72 ''أيقونة ثقافية''، و7 معاهد للثقافة والفنون للفنانين المحليين والأجانب وغير ذلك من المرافق الثقافية بميزانيات ضخمة من أجل إدارة برامج تبادل دولية· وعن هذا المشروع الضخم قال سمو الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس إدارة هيئة دبي للثقافة والفنون لدى إطلاقه إنه ''مشروع خور دبي الثقافي سوف ينقلنا إلى نموذج مستقبلي لمدينة دولية· حيث إنه سوف ينقل رسالة فريدة عن فخرنا بتقاليدنا وثقافتنا وهويتنا الوطنية كجزء من سعينا لتعزيز التعايش المنسجم، وتحقيق السلام والرخاء لأهالي العالم أجمع''· جولة في البستكية أصل الاسم كما يقول د· عيسى البستكي يأتي من جنوب إيران من مدينة تدعى بستك، مشهورة بالتجارة مع دبي منذ القدم، وكان أهلها يأتون إلى دبي كل عام ويمكثون فيها ستة أشهر في السنة على الأقل· وكانت لهم العادات والتقاليد الإماراتية نفسها، لذلك رأى المغفور له الشيخ مكتوم أنه من الأفضل أن يكون لهم مقر دائم في دبي حتى تنشط التجارة بين إيران والإمارات عامة ودبي خاصة، ومن هنا قام بإهدائهم قطعة الأرض الموجودة على الخور، وكانت هناك مجموعة من السكان تم ترحيلهم إلى منطقة الشندغة، ومن هنا جاءت تسمية المنطقة بناء على السكان الذين سكنوها وكانوا عبارة عن أربع عائلات كبيرة منهم عبد الرزاق عبد الرحيم بستكي، وثلاث عائلات أخرى هم بيت العور وبيت فاروق وبيت كاظم، وهم الأقدم وجودا في المنطقة· وتتألف هذه المباني من ستين وحدة سكنية مكونة من دورين، تفصل بينها أزقة منفرجة ضيقة مظللة، لا تصل إليها الشمس معظم أوقات النهار، وتتلاقى هذه الأزقة في أقنية داخلية متفاوتة الأبعاد والمساحات، ويحتل المسجد أحد هذه الأقنية، كما تتميز المنطقة بالبراجيل الشاهقة والزخارف الجصية وأعمال النجارة التي تجذب أنظار الزوار· ويلخص مصطفى الهاشمي، مدير مشروع البستكية هدف المشروع قائلا إنه يهدف إلى ''مشاركة مجموعة متنوعة من الباعة ستسهم في دفع المبادرة التي ستضيف بعداً آخر لقطاع مبيعات التجزئة والعروض الترفيهية في دبي· ونحن نفخر على وجه الخصوص بمشاركة أصحاب المشاريع الإماراتيين الذين عبروا عن حرصهم على تسويق منتجاتهم تحت علامة ''صنع في دبي''· ولا شك أن مشاركتهم في السوق الأسبوعية تعزز مكانة البستكية كمنبر مثالي لإطلاق المواهب المحلية''· ومن أجل ذلك وضعت استراتيجيات قادرة على دعم السياسة الثقافية وعلى تنمية وتطوير مراكز فنية جديدة في الشرق الأوسط· وفي الجولة ما بين ممرات ضيقة وبيوت صغيرة وقديمة، يشعر الزائر بعبق التاريخ، حيث المبنى هنا يعود إلى العام ،1890 ويتحدث الدكتور البستكي عن حبه الشديد للحفاظ على التراث الإماراتي الأصيل وتوريث هذا العشق لأبنائه من خلال المكتبة الضخمة التي يمتلكها ومجموعة الأشياء المادية التي يحتفظ بها عن تلك الأيام القديمة أو حتى الانضمام للجمعيات التي تعنى بالتراث وإلقاء المحاضرات وتنظيم الندوات التي تعرف الآخرين بالتراث الإماراتي· يتميز البيت القديم بثرائه من حيث العناصر التراثية المتنوعة من أبواب ونوافذ ومشربيات خشبية وكوى جصية مزخرفة مستوحاة من البيئة، وقد تم ترميمه وتحضيره ليكون صالحا كمتحف للفن التشكيلي، تستغله صالات العرض لتقديم مقتنياتها من الأعمال الفنية، وفي هذا الإطار جرى في 20 ديسمبر الماضي افتتاح سوق البستكية الأسبوعية التي انطلقت لتلبي الفعاليات وورش العمل التي تنظم بالتعاون مع ''جاليري جام جار'' و''آرت دبي'' ومركز الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتواصل الحضاري، كافة الاحتياجات الثقافية والفنية لزوار أقدم منطقة تاريخية في دبي· وربما كان معرض فنون الخليج واحدا من أهم الأنشطة التي تعقد سنويا في منطقة البستكية هذه، في برجين يتكونان من طابقين تم ترميمهما لهذا الغرض، ويحتوي كلاهما على مساحات داخلية واسعة· البيت كبير ويتوزع على مجموعة من الحارات تضم كل منها عددا من الغاليريهات، كما تضم بيوتا صغيرة تهتم بالتراث العمراني والخط العربي، ويمكن الانتقال بسهولة من دار إلى أخرى مشيا على الأقدام، حيث يعج الفضاء الخارجي بالتماثيل وأعمال التركيب والعروض الحية مما يجعل المنطقة كلها مكانا ملائما للعروض الفنية· فهنا نجد قاعات للرسم وأخرى للتصوير وثالثة لأعمال الكولاج· ومن حيث الموضوع هناك جناح للوجوه المرسومة أو المشغولة بالمسامير أو بالكاميرا والكمبيوتر، وجناح تغلب عليه الطبيعة، وثالث مخصص لرسومات مشغولة بأسلوب رسم الأطفال، وهي نتاج ورشات أقامها مجلس دبي الثقافي لفنانين من كل الأعمار والجنسيات والتجارب الفنية، لذلك يستطيع المشاهد التنقل بين اتجاهات فنية متعددة، وهذا التعدد يبرز التنوع الذي ينطوي عليه المشهد الفني في الإمارات، وهي خطوة يحرص المجلس على الاستمرار فيها لتشجيع المواهب من خلال التفاعل مع التجارب الناضجة، حرصا من المجلس على التواصل بين الأجيال والجنسيات المختلفة· هذا المعرض الدائم المهم يشهد إلى جانب المعروضات عددا من النشاطات الفنية الناجحة ليجسد رؤية فنية واضحة، وقد تمخض عن فعالية تمثلت في معرض فنون الخليج، وهيئة خيرية للتثقيف الفني (ستارت) ومنتدى الحوار الفني الفصلي في الإمارات (السحابة المفكرة ـ The Thinking Cloud)· كما أطلق مركز دبي المالي الدولي (DIFC) ما دعاه ''مواسم الفن'' الذي ضم معارض وعروضا حية، وعرضا لأفلام وأعمال تركيبية· ومن المعارض الأخرى معرض بعنوان ''آرت باص'' (حافلة الفنون) نظم جام جار بتمويل من مركز دبي المالي الدولي وآرت دبي نفسه· التراث العمراني في جمعية التراث العمراني التقينا بمديرها أحمد محمد العناب فتحدث لنا عن عمل الجمعية وأهدافها ومسيرتها، وقال العناب إن الجمعية التي جرى تأسيسها في العام 2003 ترفع عبارة الشيخ زايد حول العلاقة مع الماضي والموروث والتي يقول فيها ''من لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له''، وأن الجمعية تعمل بوحي من هذه العبارة، ومن منطلق أن التراث العمراني يشكل ركيزة من ركائز الهوية الوطنية، لذلك فهي تعمل على الحفاظ على التراث العمراني ضمن فريق عمل يتكون من مجموعة من المهندسين والمهندسات ذوي الاختصاص· وفي سبيل تحقيق هدفها تقيم الجمعية أنشطة وفعاليات تتمثل في المحاضرات والندوات وورش العمل والمطبوعات الخاصة بالتوعية· ويقول المهندس رشاد بوخش، مدير إدارة التراث العمراني في دبي إن البستكية هي أول مشروع ترميم بدأ عام 1995 للحفاظ على التراث العمراني، وأنه أصبح اليوم قبلة للزوار من كل الجنسيات، وإن إدارة التراث العمراني نعمل ـ بالتعاون والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المحلي المختلفة ـ على ربط الجيل الجديد بالأصالة والتراث، تحقيق معنى الهوية الوطنية والوعي العام، وتنمية المفاهيم لديهم بتاريخهم وتراثهم، لأنه جزء من حاضرهم وركيزة أساسية لبناء كيان مستقبلهم· الخط العربي وفي جناح للخط العربي التقينا الخطاط الهندي محمد عتيق أنصاري الذي قال إنه يقيم هنا معرضا دائما يستقبل فيه الزوار والزبائن من كل الجنسيات، وأن هذا المكان قدم له فرصة للتفرغ لهذا الفن الإسلامي العريق· وضمن عمله الذي يتضمن لوحات يستخدم فيها أساليب متعددة من الخط العربي· الخطاط الهندي الذي لا يتكلم العربية حدثنا عن جماليات الخط العربي وحروفه التي تتمتع بإمكانيات وجماليات هائلة، وهو يستخدم كل هذه الإمكانيات في تقديم أعمال يحاول من خلالها طبع بصمته الخاصة في هذا الفن، ويحاول أن يصنع أشكالا فنية متميزة في هذا الإطار، ومن خلال بعض الحروف تحديدا، ولكنه يعتمد على الكتل الحروفية بشكل عام· هذه بعض المشاهد البارزة في الموقع الذي نستعرض ملامحه، لكنه موقع يحتوي الكثير من المحطات التي يمكن الوقوف عندها، سواء من فروع للغاليريهات المعروفة، أو الجمعيات الخاصة بالعمل الثقافي المتعدد الأشكال، وربما كان ذلك بحاجة إلى زيارة ثانية وثالثة لاستكشاف المزيد من ملامح هذا المكان ومعالمه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©