الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوش و تشامبرلين.. قراءة في أوجه الشبه

بوش و تشامبرلين.. قراءة في أوجه الشبه
3 يوليو 2007 00:07
يرى الرئيس ''بوش'' في المسيح نموذجه الأثير، لكن ''وينستون تشرشل'' يأتي في المرتبة الثانية· فالرئيس يكن تقديراً كبيراً لرئيس الوزراء البريطاني الذي خاض الحرب العالمية الثانية إلى درجة أنه ينظر إلى صورته المعلقة في المكتب البيضاوي بـ''تمعن'' كما قال ''بوش'' نفسه، بل ويضيف الرئيس متندراً ''إنه يرقب جميع حركاتي· بيد أن ''تشرشل'' لو قدر له الرجوع مجدداً لما أعار أدنى اهتمام إلى ما تقوم به الإدارة الأميركية الحالية· وقبل التطرق إلى إدارة ''بوش'' لا بد من الإشارة إلى أني أمضيت وقتاً طويلا أتعقب حياة ''تشرشل'' أثناء اشتغالي على كتاب ''شبان مشاغبون'' الذي يسلط الضوء على تلك الجماعة الصغيرة من أعضاء البرلمان البريطاني ''المحافظين''، الذين تحدوا سياسة رئيس الوزراء آنذاك ''نيفيل تشامبرلين'' المهادنة لهتلر، وأجبروه في النهاية على الاستقالة عام 1940 ليحل مكانه ''تشرشل'' رئيساً لوزراء بريطانيا· وبينما اعتقدت بأن الكتاب سيجتذب المهتمين بالحرب العالمية الثانية دون غيرهم فوجئت أن الرئيس ''بوش'' يقرأ الكتاب أيضاً· ومع أنه لم يبلغني برأيه حول ما جاء في الكتاب، لكني أستطيع أن أجزم، بالنظر إلى تقديره الكبير لـ''تشرشل''، أنه يماثل نفسه مع رئيس الوزراء البريطاني المخضرم، بدلاً من سلفه ''تشامبرلين''· ولا شك أن ''تشرشل''، بطل ''بوش'' التاريخي، سيصاب بالذهول إذا ما عرف أنه يسعى إلى استعادة لحظاته المجيدة والتدثر برداء إنجازاته· والحال أنه كلما عاد المرء إلى سجلات التاريخ وراجع تفاصيله، كلما اكتشف بأن التماثل القائم ليس بين ''بوش'' و''تشرشل'' بقدر ما هو قائم بين ''بوش'' و''شامبرلن''· فعلى غرار ''بوش'' وخلافا لـ''تشيرشل'' جاء ''تشامبرلين'' إلى السلطة دون معرفة مسبقة بالشؤون الدولية، ومن دون أدنى خبرة في التعامل مع قادة الدول· ومع ذلك كان مقتنعاً بأنه الوحيد القادر على تركيع ''هتلر'' و''موسوليني''، لذا أحاط نفسه بمستشارين يحملون أفكاراً مشابهة ورفض الإصغاء إلى الأصوات المعارضة· وخلال الشهور القليلة، التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية لم يرَ ''تشامبرلين'' حاجة لبناء تحالف قوي للدول الأوروبية الصديقة لمواجهة التهديد النازي، متجاهلاً الدعوات التي وجهها له ''تشرشل'' لتشكيل ''تحالف كبير'' يصد الخطر النازي الذي يطرحه ''هتلر'' على القارة· وخلافاً للرئيس ''بوش'' ورئيس الوزراء البريطاني ''تشامبرلين'' لم يكن ''تشرشل'' يؤيد دخول بلاه في حرب ضروس بمفردها· فطيلة الثلاثينيات من القرن الماضي، وبينما واصل دعمه لتسليح بريطانيا، دافع أيضاً عن ضرورة اللجوء إلى عصبة الأمم، حديثة النشأة، لتأمين الحماية للدول الأعضاء· وحتى بعد فشل عصبة الأمم في الاضطلاع بدورها ظل ''تشرشل'' مصمماً على ضرورة دحر ''هتلر'' ودعا في هذا الصدد إلى مدِّ يد الشراكة مع فرنسا، بل وحتى التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد السوفييتي، وهو ما كان يعارضه ''تشامبرلين'' بشدة· وقد أقدم ''تشامبرلين'' شأنه في ذلك شأن ''بوش'' على المطالبة بسلطات تنفيذية غير مسبوقة، متجاوزاً نظام المراقبة الذي يفترض أن يمارسها البرلمان على الحكومة· وعندما رتب ''تشامبرلين'' لقاء مباشراً مع ''هتلر'' سنة 1938 خلال مؤتمر ميونيخ الكارثي، قام بذلك دون استشارة أعضاء الحكومة الذين يعتبرون بموجب النظام البريطاني مسؤولين على صياغة السياسات العامة· وقد تجاهل أيضا معارضة البرلمان، بل حتى الأعضاء من حزب ''المحافظين'' الذين اختلفوا معه في سياسة المهادنة تجاه ألمانيا النازية· وكما كان عليه الحال بالنسبة للرئيس بوش و''الجمهوريين'' قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس عام 2006 حظي ''تشامبرلين'' وحزب ''المحافظين'' بأغلبية في مجلس ''العموم'' البريطاني، لكنه دأب على الاستهانة بدور البرلمان والتعامل معه كهيئة تصادق على قراراته وتمرر تشريعاته· وقد علق على ذلك العضو البارز في حزب ''المحافظين'' ''هارولد ماكميلان'' قائلاً ''إني أعتقد شخصياً بأن رئيس الوزراء يكره مجلس العموم''· أما ''تشيرشل'' الذي كان يحترم البرلمان ويقدس دوره، فقد انزعج كثيراً من محاولات ''تشامبرلين'' الهيمنة على مجلس العموم في نهاية الثلاثينيات· فقد اعتبر ''تشرشل'' نفسه بالدرجة الأولى ''ابناً باراً'' للمؤسسة التشريعية، ومؤمناً بدورها المهم في الإشراف على الجهاز التنفيذي ومراقبة أدائه· وعندما قرر ''تشامبرلين'' في أغسطس 1939 تأجيل جلسات البرلمان لفترة شهرين قبل بدء الحرب انفجر ''تشرشل'' غاضباً ووصف الخطوة بأنها ''كارثية، ومخزية''· وما كان ''تشرشل'' أيضاً ليتردد في النظر شزراً إلى محاولات إدارة بوش إغلاق النقاش العام حول ''الحرب على الإرهاب''، أو الصراع الدائر في العراق، وهي ذات التقنيات التي استخدمها ''تشامبرلين'' مع المناوئين لسياساته· وعلى غرار ''بوش'' ومساعديه هاجم ''شامبرلن'' الصحافة وفرض قيوداً على الصحفيين وحرمهم من الوصول إلى مصادر المعلومات، متهما الأقلام المعارضة التي تنتقد سياساته بتهديد المصالح الوطنية· وتماماً كما فعل ''بوش'' رخص ''شامبرلن'' لعمليات التنصت على مكالمات المواطنين دون الحصول على إذن المحكمة، ولم ينج ''تشرشل'' نفسه من التنصت على مكالماته من قبل أعوان رئيس الوزراء· وفي المقابل كان ''تشرشل'' يؤمن إيماناً قوياً بحرمة الحريات الشخصية وقداستها، وبالحاجة إلى حمايتها من الانتهاكات الحكومية· ولا يعني ذلك أن ''تشرشل'' نفسه لم ينتهك تلك الحريات، بل أمر في يونيو ،1940 عندما بدأ الغزو النازي لبريطانيا وشيكاً، بعزل أكثر من 20 ألف أجنبي يعيشون في بريطانيا وتشديد الحراسة عليهم، رغم أن معظمهم لجؤوا إلى بريطانيا فراراً من النظامين النازي والفاشستي· لكن ما أن تبددت المخاوف من الغزو النازي على مدى الشهور التالية حتى أمر ''تشرشل'' بإطلاق سراحهم· والواقع أني من خلال كتابتي عن ''تشرشل'' و''تشامبرلين'' اكتشفت أنهما أصبحا ملكاً للقارئ، بحيث يضفي عليهما ما يريد من معان وقيم· ومنهم من رسم خطوطاً متوازية بين ما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي والحوادث التي يشهدها عالمنا اليوم، كل حسب فلسفته السياسية· وفي هذا السياق لا شك أن الرئيس ''بوش'' خرج بتقييمه الخاص ليجد نفسه في الأخير أقرب إلى ''تشرشل'' من غيره· فهو كان حسب تعبير ''بوش'' ''يمتلك تصميماً قوياً، وكان واثقاً فيما يؤمن به''· لكن مع ذلك أعتقد بأن ''تشرشل'' كان سيحتقر المعادلة التي تقيمها الإدارة الأميركية بين ما تسميه ''الفاشية الإسلامية'' بطبيعتها الغامضة التي تشير ببساطة إلى مجموعة من المقاتلين الذين أجبروا على اللجوء إلى الإرهاب بسبب غياب القوة العسكرية، وبين ألمانيا النازية التي كانت قد احتلت عدة بلدان قبل أن يتولى ''تشرشل'' السلطة عام ·1940 لين أولسون مراسلة سابقة لصحيفة ''بلتيمور صن'' في البيت الأبيض ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©