الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شهاب الدين يخترق الومضات الرقمية

2 يوليو 2007 04:16
شاعر مهندس، يعمل في مجال قواعد البيانات والبرمجيات، ويشكل مع أبناء جيله ظاهرة التجمعات الأدبية المعتمدة على النشر الإليكتروني، وهي التي تحل الآن محل المنتديات القديمة والمقاهي ومجتمعات النميمة الشخصية والتحزب الأيديولوجي، فتخلق قوانين جديدة للشهرة عبر الشاشات المضيئة، وتصنع نماذجها المختلفة عما نعهده في الحياة الثقافية، وإن كانت النصوص الإبداعية تظل هي الحاكمة في قيمة التجارب الفنية الحقيقية· شاعرنا نزار شهاب الدين يخترق الومضات الرقمية علينا بديوانه المطبوع بعنوان''لماذا أسافر عنك بعيدا'' مدججا بمقدمة سخية للشاعر الكبير إبراهيم أبو سنة وبقرص مدمج عليه نصوص الديوان بأصوات مختلفة· ونلمح فيه للوهلة الأولى وهج هذا الحسّ الديني المتوفز الذي انبعث في صفوف العلميين في العقود الأخيرة، فمضى بهم إلى عوالم مثالية تربطهم في الظاهر بالأجيال الرومانسية السابقة، بينما يميزهم نوع من الوجد الصوفي الذي لم ينضج ولم يكتمل· بل يكاد يحرم تجربتهم في عمقها من الاستغراق في مطارحة الحياة باجتراحاتها الأثيمة وصفائها المشوب، ولنقرأ في أول مقطوعة له بعنوان ''سجدة'' قوله :ـ ''يرتدي الحب معطفي/ أتدفأ/ يعزف الغيم نبضه في وريدي/ يبسط العشب وجهه للسجود/ بينما كنت بالشذى أتوضأ/ قبلة العشب / دفئها في جبيني/ (ربي الأعلى)/ في دمي تتلألأ· أنا من خالط اشتهائي/ نقائي/ أدفن الطين/ في دمن الطين/ أبرأ/ أعرف الآن كيف أحيا سجودا/ رافع الرأس/ بينما الكل/ طأطأ'' فهو يختزل معاناته الوجودية قافزا على مشاهد الطين والشهوة وهي مادة الشعر الحقيقية ليصل لحكمته المبكرة قبل أن يطلق عنان خياله في تمثيل درامية الحياة وشعرية لحظاتها الصراعية الفائقة· أنسى أنني عربي يمتلك نزار إلى جانب هذا الحس الديني اليقظ شعور أبناء هذا الجيل الشاب ومن سبقهم أيضا بمأزق العروبة، فيحيله إلى لحظة عارمة من المراجعة الغضبى· لكن المفارقة فيها تكمن في الجمع بين طرفين متضادين؛ قلق الانتماء القومي للهوية من ناحية، وعمق الارتباط اللغوي المكين بآلياته من ناحية أخرى؛ فهو يقول في قصيدة ''العربي'' :ـ ''في الليل أمحو نجومي / دونما سبب/ وأطفئ القمر المختال/ في غضب/ وآمر الكروان: اصمت!/ فيذعن لي/ وآمر الصمت أن يطغى على الصخب/ وأطلق الوحشة السوداء هائجة / وأشعل النار في شعري/ وفي كتبي'' عندئذ نفطن إلى اقتدار هذا الصوت الشعري الجديد، المالك لإرادة الإبداع وقوة تحريك عناصر الطبيعة محوا وإثباتا، المتلاعب برموز الشعر وكلمات اللغة بمهارة وإتقان، مما يشهد له بأنه من خير من يتذكر عروبته وهو ينساها، وأنه يكاد أن ينسى ثملا في غمرة بلاغته منطقه الوجداني السابق حين يقول :ـ ''أغفو على صرخة الصمت الرهيب/ على/ هدير خوفي/ على حلم من اللهب/ وحين أصحو ثقيلا/ كارها نزقي/ مبعثرا/ ثملا باليأس والتعب/ أجثو أمامي وأرجوني/ أعاهدني/ اليوم أنسى تماما أنني عربي'' صيغة لغوية بسيطة، تشفّ عن نجاح الشاعر في تجاوز تناقضه الداخلي المحتدم، تتمثل فيما قد يكرهه بعض أصحاب اللغة ويرحب به النقاد ويطربون لتكراره في عبارات '' أجثو أمامي وأرجوني/ أعاهدني'' حيث يتوحد الفاعل والمفعول به، ويلتئم ما انشطر قلقا وتوترا في نفس الشاعر، فهو يريد ويصرّ على أن ينسى عروبته، في الوقت الذي يمعن في تأكيدها بهذا التصرف الإبداعي في بنية اللغة والإضافة لأدواتها الشعرية في التعبير عن صراعات الذات المعاصرة· يصنع أسلوبه وبالرغم من أن هذه الصيغة المازجة بين الفاعل والمفعول عبر الضمائر ليست من ابتكار شاعرنا فهي صناعة صوفية معروفة، فقد عثر فيها على خاصيته المائزة، وأمعن في استثمارها إلى درجة مثيرة للإعجاب والغيظ، حيث يعود إليها في مقطوعة غزلية حادة، يقول فيها :ـ ''يظنني أظلمه / ما باله يظلمني/ أنا الذي أحبه / كأنه أحبني/ أنا الذي جعلت قلبه الحزين موطني/ وسرت في دروبه/ بشِعري المسوسن/ أزرع كل خطوة/ عمرا بعمر الزمن'' ولست أعرف إن كان هناك نقاد مستبصرون في جماعات الإنترنت الأدبية، كي ينبهوا نزار إلى أن كلمة ''المسوسن'' لا تليق بقدراته الشعرية، فقد اضطر منعا للالتباس إلى تشكيل كلمة ''شِعري'' بكسر الشين حتى لا يظن القارئ أنه يتباهى بشَعره المسبسب، وأحسب أن ما ورطه في هذا الضعف إنما هو الحرص على القافية النونية، مع أن له مندوحة عنها في شعر التفعيلة التي يكتب موهما بها قصائده العمودية، كما أن عليه أن يبرأ من هذا الولع بالموسيقى ويوظف درجات الإيقاع المتفاوتة طبقا لتماوج الدلالة مثلما يفعل كبار المبدعين، فهو لا يضيف كثيرا في الغزل عندما يقول في ختام مقطوعته : ـ ''أنا الذي لو بللته قطرة / تغرقني/ أو انحنت شوكة ورد عنده/ تذبحني/ أنا الذي لو شاء أن يقتلني / يقتلني/ ثم أقر في الحساب أنني / قتلتني· انتهت الخاصية الأسلوبية إلى مجرد لعبة شيقة، لكنها مفرغة من زخم الشعر الحقيقي بمواجد العشق وتصاريف الحب في زمن الإنترنت، وهذا ما ننتظر من نزار وأمثاله أن يدلونا عليه بابتكار فكر إبداعي شعري معبر عن تحولات الحياة المعاصرة· ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©