الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ثقافة الحوار» تحمي الأبناء من دوامة الفضول والضبابية والانحراف

«ثقافة الحوار» تحمي الأبناء من دوامة الفضول والضبابية والانحراف
29 ديسمبر 2013 00:24
تفاعل عدد كبير من القراء وما طرحناه هنا في نفس الصفحة لموضوع «التربية الجنسية «هاجس» يؤرق مضاجع الآباء والأمهات» بطرح المزيد من التساؤلات التي تتعلق بالموضوع. كما طلب عدد منهم المزيد من التوسع في طرح التساؤلات والموضوعات ذات الصلة، وفي مقدمتها حيرة الأبناء إزاء تفسير الظواهر المرتبطة بالثقافة الجنسية، باعتبار أن توصيل المعلومة الصحيحة للأبناء ـ ذكوراً وإناثاً ـ من أهم أساسيات التربية الجنسية السليمة. إن الابتعاد عن الحقيقة المجردة عند الإجابة على تساؤلات الأطفال التي تحتاج إلى مزيد من الفهم والربط والمعرفة، تزيد الأمور تعقيداً، وتخلف ورائها مزيداً من الضبابية والحيرة التي ترهق نفس الفتى أو الفتاة الذي يكتشف أنه وحيد تتلاطمه دوامة عارمة من المعلومات والثقافات التي تتيحها أمامه وسائل الاتصال الحديثة. من الطبيعي للغاية أن يمر الطفل في الفترة العمرية خلال طفولته المتأخرة ما بين السادسة والثامنة من العمر تقريباً، بمرحلة يطلق عليها «مرحلة وسوسة المعلومات». فهو يتوقف بطبيعة الحال طويلاً عند الأمور الغامضة ولا سيما التي يتعلق منها بذاته وأحاسيسه ومشاعره ووجدانه. ويسأل كثيراً ويطلب تفسيراً مقنعاً لكل ما تقع عليه عيناه أو يصل إلى سمعه. إن مخيلته لا تزال خصبة، وخالية، وواسعة، لذا نجده يدقق في صغائر الأمور، وقد يتوصل إلى النتائج على طريقته. وكثيراً ما يقع الآباء والأمهات في حرج أو حيرة في كيفية تفسير ما يتساءل عنه الطفل في هذه السن، وعما تصل إلى مداركه من مشاهدات وملاحظات خلال أجهزة التلفزيون أو «الإنترنت» وشبكات التواصل الاجتماعي، ومن الأصدقاء أو من الزملاء بالمدرسة أو من الشارع، أو من خلال مناقشات عابرة أحياناً بين الأب والأم. خطورة الأمر أن تهيمن «ثقافة العيب والخجل» على نمط التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة بما يعطل مدارك الأطفال واستيعابهم لطبيعة التغيّرات الفسيولوجية التي يمرون بها، ومن ثم يصل إلى أذهانهم معلومات مغلوطة أو مشوهة، أو مبهمة في هذه السن مما يسبب له خللاً في التصور والإدراك، مما يسبب تكوين اتجاهات سلبية لديه في كثير من الأحيان. ومن الطبيعي أن يواكب نموه تطور طبيعي في إدراك المفاهيم، ومن ثم يصبح في حاجة إلى معرفة المزيد لتفسير ما يجري حوله، ومن ثم يطرح تساؤلات قد تضع الآباء والأمهات في حرج شديد في أحيان كثيرة، ويتساءلون: «كيف نفسر، وكيف نجيب عن مثل هذه التساؤلات المحرجة؟». الحقيقة المجردة تقول فاتن خوري «جامعية وموظفة»: «لا يوجد أب وأم يسلمان من تساؤلات الأطفال المحرجة، وهم لهم كل الحق فيما يطرحون، وكلنا مررنا بهذا السن، ونعرف معاناته. إنني أحاول أن أوضح الحقيقة المجردة عند الإجابة عن تساؤلات أطفالي المباشرة بالشرح المبسط للتساؤلات التي تحتاج إلى مزيد من الفهم والربط والمعرفة، وعادة ما أواجه تساؤلات أخرى تزيد الأمور تعقيداً، وأحياناً أعجز عن التوضيح أو قول الحقيقة المجردة، عندما يسأل عن أمور سياسية أو دينية أو جنسية، وأتعجب كيف يسأل ابني مثل هذه التساؤلات. وربما يرجع ذلك إلى ما يسمعه من التلفزيون، حيث إنه المصدر الرئيس للأخبار أو المعلومات الآن، إلى جانب تأثير المناخ العام في الشارع وفي المدرسة وبين الأصدقاء في تزويد الطفل بمعلومات جديدة أو معلومات غامضة سرعان ما يسأل عنها فور عودته إلى المنزل. أحياناً تبرز الأفلام التاريخية أو الوثائقية أو الدراما التلفزيونية والأفلام كثيراً من التساؤلات والإجابات أيضاً التي تدور في مخيلة الطفل وتزوده بمعارف وثقافات كثيرة من خلال الموقف الدرامي، وقد يفشل الآباء في شرحها، ونحاول قدر إمكاننا توضيح الجوانب الغامضة بالشرح المبسط، لكن من المؤكد أن هناك صعوبات كثيرة تواجهنا في ذلك عندما يتطلب الأمر توضيح أمور مجردة أو جوانب يصعب على الصغير تخيلها، أو الربط فيما بينها، لكنني ما أستطيع أن أجزم به أن قدرة الأطفال على الاستيعاب والفهم تتطور بشكل سريع بفعل عوامل كثيرة أهمها انتشار وسائل الاتصال، والإنترنت، وتطور ثقافة هذا الجيل بشكل عام». التحلي بالصبر من جانبها، تشير محاسن الجمل «معلمة» تأثير أجهزة الإعلام وعلى وجه الخصوص التلفزيون في تكوين ثقافة ومعارف الطفل وتزويده بالمعلومات والمعارف والإجابات التي يبحث عنها، إلى جانب المصادر الأخرى كالأهل والمدرسة والأصدقاء، وتأثير المعلمين والمعلمات الإيجابي في السن الصغيرة على وجه التحديد لا سيما إذا كانت المعلمة أو المعلم يتمتع بثقة وحب الطفل الصغير، وهذا الدور الخطير الذي يناط بالآباء والأمهات والمربين بشكل عام يتوقف على الطريقة التي نجيب بها عن تساؤلات الأطفال، وملاءمتها للمرحلة العمرية التي يمرون بها وعمرهم العقلي والانفعالي وفهمهم لما يدور حتى لا نمثل لهم غموضاً وحيرة. وتؤكد الجمل أهمية تحلي الآباء والأمهات والمربين بصفات الصبر والكياسة والقدرة على احتواء وفهم تساؤلات الأبناء، وعدم الملل أو الضجر من كثرة تساؤلاتهم، وإن بدت أحياناً محرجة أو تحتاج إلى إجابات يصعب استيعابها، فعلينا بالتبسيط الذي لا يخل بالمعنى، وأيضاً ربط التفسيرات والإيضاحات التي تقدم بالسياق العام للأحداث والمناخ السائد، هذا فضلاً عن أهمية القصص التاريخية التي تقص على الأطفال أو سردها لهم بأسلوب شائق، أو من خلال برامج وأفلام خاصة، وهذه هي رسالة التلفزيون وأجهزة الإعلام وأهمية تقديم البرامج الهادفة والمدروسة بعناية والتي تكسب اهتمام وحرص الأطفال على مشاهدتها ومن ثم تقديم المعلومات والثقافات والمعارف من خلالها، حيث تتميز مثل هذه الأفلام بقوة تأثيرها وبقائها في ذاكرة الأطفال». أمور حساسة يرى فيصل عبدالله «موظف» أن معظم الآباء والأمهات يتجنبون الخوض في مثل هذه الموضوعات نظرًا لغياب الثقافة السليمة، وتكون الحجة للأبناء دائمًا «ثقافة العيب» والحرام، كما تربوا في الصغر، وكأنها ضرباً من المحرمات التي يمنع الحديث فيها بسبب العادات والتقاليد. ويعتبر مسؤولية تصحيح هذه المفاهيم هي مسؤولية أسرية ومجتمعية، فعلى الرغم من انتشار وسائل الإعلام وانفتاحها إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من المغالطات، لذا لا بد من تحفيز وتشجيع المسؤولية الأسرية لكسر حاجز الخجل من الاستفسار عن الموضوعات الجنسية، فالأسرة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في توضيح ورفع الوعي لدى أفرادها ومساندتهم للوصول إلى المعلومات الصحيحة في هذا المجال، والحد من المعلومات والمبالغات المشوهة، دون أن نهمل أهمية وجود مناهج دراسية في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ذات محتوى جيد ومناسب لهذه الفئات العمرية». ثقافة الأم أما الدكتور عصام حامد، فيقول:«الأم تقضي أغلب ساعات يومها بين أطفالها، وبحكم أنها قريبة منهم وأكثر فهماً لهم من أي طرف آخر، ومن ثم تلعب ثقافة الأم ووعيها دوراً كبيراً جداً ومهماً ومؤثراً في تكوين اتجاهات الأطفال في سن صغيرة، وإن الأم بشكل عام هي أفضل من يقوم بهذا الدور سواء في البيت أو المدرسة بحكم طبيعتها وقدرتها على الصبر وعدم الملل بسرعة، وعندما تواجه بتساؤلات ذات صبغة سياسية من أطفالها عليها أن تجيبهم بصراحة وتبسيط، وتحاول أن تبعد عنهم قدر الإمكان كل ما يؤثر عليهم سلباً من برامج تلفزيونية، وإن واجه الطفل أمراً يحتاج إلى توضيح فعلى الأم ذلك وإذا كانت غير قادرة على ذلك فبإمكانها تأجيل الإجابة بشكل ذكي حتى تسأل وتستوضح الأمر ثم تعيده إلى طفلها بشكل مقبول ومفهوم. ويضيف الدكتور حامد: «من الطبيعي أن يلاحظ الآباء والأمهات تطور النمو الجنسي لدى أطفالهم، ففي مرحلة ما قبل المدرسة، يمكن اختصار الحالة أو وصفها بمرحلة «الفضول الجنسي»، ويتمثل في فضول الأطفال لاكتشاف أجزاء وأعضاء جسمهم أو أجسام أصدقائهم وإخوتهم حتى آبائهم، فالطفل في هذه السن كما يقوم باستكشاف رأسه أو يده... إلخ، يحاول استكشاف الأعضاء التناسلية، باعتبارها عضواً من أعضاء الجسم. وقد نرى كثيرًا أطفالاً يعبثون بأعضائهم التناسلية باللمس أو عدم الخجل من كشفها أمام الآخرين، وفي هذه المرحلة نراهم يلعبون ألعاباً قد تحمل دلالات جنسية عند الكبار مثل لعبة «الدكتور والمريض، ولعبة الحصان، ولعبة الأم والأب، أو العريس والعروس، أو ركوب وسادة كأنها حصان»، أو يقلدون مشاهد عناق سينمائية شاهدوها في التليفزيون. في هذه المرحلة نلفت نظر الآباء والأمهات لأهمية المراقبة، وفي شرح هادئ للطفل يوضحان أن هذه الأجزاء هي ملك خاص بالإنسان، ولا يجوز أن يطلع عليها غريب أو يقوم بلمسها، وفي مرحلة أخرى لاحقة قد يتطور هذا السلوك الجنسي إلى مرحلة «الاستمناء»، وهو عبارة عن أن يثير الطفل نفسه بالعبث بالعضو التناسلي وهذا جزء من الفضول الجنسي عنده». «التشوق» يكمل الدكتور حامد: «بعد ذلك يصل مرحلة «التشوق» لمعرفة بعض المعلومات التي تخص الجنس، كمثال السؤال عن الفرق بين الذكر والأنثى، والسؤال عن كيفية مجيء الطفل للحياة، ولماذا تنام الأم إلى جانب الأب بينما ينام هو وشقيقته في سرير منفصل عن بعضهما. وقد يميل الطفل في هذه المرحلة للجنس الآخر، أي أن الولد يحب أن يقترب من أمه، والبنت من أبيها. يلي ذلك مرحلة المدرسة، ونرى أن كثير من هذا الميل أو الفضول الجنسي وممارسة الألعاب الجنسية يقل إلى جداً، وهو ما يطلق عليه «مرحلة الخمول»، خاصة في المجتمعات المتحفظة، ولكن هذا السلوك قد يستمر عند بعض الأطفال، لكنه يحدث بشكل أكثر سرية. ومن ثم تشهد فترة ما قبل المراهقة بعض النضج، حيث يمكن للطفل أن يستوعب كلام الوالدين، ويمكن أن يتحدثا معه بوضوح وصراحة وشفافية وحذر، في الوقت الذي يزداد تركيزه على الأنشطة الجماعية مع الأطفال من هم في مثل جنسه، وتظهر هواياته، وتتحدد ملامح اهتماماته، إلى أن يدخل مرحلة المراهقة، ومرحلة جديدة من طور النضج، لتأخذ طريقة التعامل معه منحى آخر من الصراحة والمكاشفة والحوار». الحذر والوعي كما يرى فيصل عبدالله أن من الأهمية أن يكون الآباء والأمهات على قدر كبير من الحذر والوعي عند الإجابة عن تساؤلات الأطفال بشكل عام خاصة في الدين والجنس والسياسة، ومن الضروري أن توحد الرؤية والاتفاق وعدم التناقض فيما يقوله الآباء والأمهات من جهة وبينهم وما يقوله المعلمون والمعلمات في المدارس ورياض الأطفال من جهة أخرى، حتى لا يتشتت ذهن الطفل ويصبح في حيرة وتناقض بين ما يسمعه في البيت وما يسمعه في الروضة أو المدرسة، وبالتالي تصبح اتجاهاته مشوشة بفعل هذا التناقض، إلى جانب عدم التحقير أو الاستهزاء بتساؤلات الأطفال مهما كانت ساذجة، والابتعاد عن قول: «لم يحن الوقت بعد لكي تفهم» وإنما علينا أن نبذل مزيداً من الجهد حتى نجيب عن تساؤلات أطفالنا بأبسط كلمات ومعان ممكنة، فذكاء الطفل وخيالاته ووعيه خصب وقادر على الفهم إن حاولنا نحن ذلك دون ضجر أو ملل».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©