الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دارفور وكوريا الشمالية.. وبوادر التغير في سياسة الصين الخارجية

دارفور وكوريا الشمالية.. وبوادر التغير في سياسة الصين الخارجية
30 يونيو 2007 02:00
قد لا تشكل أحداثً ثلاثة غير مرتبطة في مظهرها اتجاهاً قائماً بذاته، لكنها بالتأكيد تستحق اهتمامنا، لا سيما وهي تسلط الضوء على العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة والصين اللذين أصبحا أكثر بلدين مرتبطين في العالم· وأول تلك الأحداث المهمة التي تساعدنا على فهم طبيعة العلاقات الأميركية- الصينية في هذه المرحلة، هي الاختراق الذي أُعلن عنه في الآونة الأخيرة بشأن مفاوضات مساعد وزيرة الخارجية ''كريستوفر هيل'' مع كوريا الشمالية· فبعد أكثر من سنة على تعليق المحادثات السداسية، عادت كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات، ووافقت على تفكيك محطتها النووية الرئيسية تحت إشراف المفتشين الدوليين· وبالطبع لم يكن ذلك ليحدث دون تغير السياسة الصينية تجاه كوريا الشمالية مقارنة مع سياستها قبل عامين عندما انتقدت بكين واشنطن على ''عدم تعاونها''· لكن ما أن أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية في 9 أكتوبر الماضي، حتى سارعت الصين إلى الضغط على جارتها بعدما أدركت متأخراً أنه ليس في مصلحتها ظهور قوة نووية بجوارها· وحتى بعد توافق المصالح الاستراتيجية الصينية مع المصالح الأميركية، تطلب الأمر جهوداً دبلوماسية انطوت على مهارة كبيرة لتحقيق التقدم في العلاقات بين البلدين· ومع أن الطريق مازال طويلاً أمام البلدين، يعد ما تحقق بشأن كوريا الشمالية إنجازاً دبلوماسياً يحق لإدارة أميركية لم تحقق الكثير أن تفخر به· ويظهر التغيير الثاني، الذي لحق بالسياسة الخارجية الصينية في دارفور، ففي الوقت الذي مازالت فيه الجهود الصينية دون المستوى المطلوب لوقف عمليات القتل في الإقليم السوداني، لكنه يشكل مع ذلك تغييراً كبيراً بالنظر إلى بعد المسافة بينها وبين دارفور بأكثر من 7 آلاف كيلومتر، وقيام بكين بدعم بعض الأنظمة في العالم مقابل استفادتها من النفط والموارد المعدنية التي تزخر بها المنطقة· ومع أن الصين تستطيع الضغط على السودان باعتبارها شريكاً تجارياً مهما له وأكبر سوق مستهلكة لنفطه، إلا أنها كانت دائماً تقاوم الجهود الغربية التي تطالب السودان بالموافقة على نشر قوات أممية لحفظ السلام في دارفور، رغم قرار مجلس الأمن الذي يرخص بذلك· لكن عندما تصاعد الغضب الدولي إزاء ما يجري في دارفور وهدد بإطلاق اسم ''أولمبياد المجازر'' على دورة الألعاب الأولمبية التي ستنظمها الصين في العام المقبل، بادرت الصين بشيء غير مألوف بتعيينها لمبعوث خاص إلى السودان وشرعت في الضغط على الحكومة حتى ولو كان ذلك على الطريقة الصينية الخاصة التي عبر عنها المبعوث الصيني المعين قائلاً ''إنها ستكون بطريقتنا عبر أساليب وقنوات متنوعة''، مضيفاً ''لقد استخدما معهم لغة مباشرة لإقناعهم بضرورة تبني مواقف مرنة''، وبالطبع بالكاد تعتبر اللغة المباشرة في التقاليد الصينية عن طريقة حازمة في الإقناع· وفي الأسبوع الماضي بدأت الحكومة السودانية تطلق بعض الإشارات الإيجابية، حيث أبلغ الرئيس ''عمر البشير'' مسؤولي الأمم المتحدة بموافقته على نشر قوات حفظ السلام الأممية في دارفور· ومع أن الوقت مازال مبكراً للجزم بأن الاتفاق سينفذ على أرض الواقع، أو أنه سيوقف القتل في دارفور، إلا أن تغيير الموقف الصيني ساهم بلا شك في تغيير المعادلة السودانية· أما الحدث الثالث الذي لم يحظَ إلى حد الآن باهتمام الرأي العام العالمي فهو يتعلق بمسألة الديمقراطية في بورما· فبعد سنوات من المحاولات الفاشلة لفتح حوار مع الديكتاتورية العسكرية الحاكمة في بورما حول ممارستها القمعية التقى أخيراً المبعوثون الأميركيون مع المسؤولين البورميين خلال الأسبوع الجاري لمناقشة وضع ''أونج سان سو كي'' الفائزة بجائزة نوبل وزعيمة المعارضة التي وضعت تحت الإقامة الجبرية وفرضت عليها العديد من القيود منذ التسعينيات· ومن اللافت حقاً أن تجرى هذه المباحثات في بكين، وأن تنظم من قبل السلطات الصينية، رغم أن مسؤوليها لم يشاركوا في النقاشات· ومع أنه من غير المرجح أن تفضي تلك المباحثات إلى نتائج ملموسة بعد سنوات من الجمود في الوضع البورمي، إلا أنه من المؤمل أن تكون تلك بداية لعملية واعدة قد تلعب فيها الصين دوراً محورياً يشبه ما قامت به في كوريا الشمالية· فهل تؤشر الأحداث الثلاثة في كوريا الشمالية ودارفور، وربما في بورما إلى بروز تغيير ما في السياسة الخارجية الصينية؟ وهل هناك إمكانية للتعاون الصيني والأميركي بشأن قضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك؟ فبين الولايات المتحدة والصين اختلافات جوهرية تطال قضايا عديدة ومختلفة، فضلاً عن تباين حاد في وجهات النظر بشأن مسائل أساسية مثل حقوق الإنسان، والتبت، والتجارة، لكن في المقابل هناك العديد من الميادين التي يمكن للتعاون بشأنها أن يخلق فرصاً لتوطيد العلاقات الثنائية بين الطرفين· ولعل ذلك الهدف هو ما دفع ''ريتشارد نيكسون'' و''هينري كيسنجر'' عام 1971 إلى تدشين عصر جديد في العلاقات الصينية- الأميركية لما كان يشكله الاتحاد السوفييتي من مصدر قلق للطرفين معا، ثم في سنة 1978 أقام ''جيمي كارتر'' علاقات دبلوماسية كاملة مع الصين· واليوم هناك مجموعة أخرى من القضايا ذات الاهتمام المشترك التي لا تقل أهمية عن القضايا السابقة، فإذا كان البلدان قادرين على التعاون فيما يخص كوريا الشمالية فلمَ لا بالنسبة لإيران؟ أو فيما بتعلق بالبيئة، لا سيما وأن الولايات المتحدة والصين يعتبران أكبر مصدرين للتلوث في العالم؟ وهو ما يقودني أخيراً إلى الحديث عن مجموعة الدول الثماني الكبرى، إذ تظل اجتماعاتها دون أهمية· فالدول الثماني الكبرى لا تستطيع وصف نفسها بأنها ديمقراطية في ظل وجود روسيا بينها وإقصاء الهند، كما لا يمكن اعتبارها الدول الصناعية الأولى في العالم وهي تضم كندا وإيطاليا ولا تفتح أبوابها أمام الصين· لذا تظل البيانات التي تصدرها قمة الثماني الكبرى حول الطاقة والتغييرات المناخية والإيدز وأفريقيا والفقر مجرد حبر على ورق ما لم تنضم الصين والهند· ريتشارد هولبروك مساعد وزير الخارجية الأميركية الأسبق لشؤون شرق آسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©