الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات المحلية الجزائرية.. تأجيل بلا معنى

الانتخابات المحلية الجزائرية.. تأجيل بلا معنى
30 يونيو 2007 01:52
قررت الحكومة الجزائرية تأجيل الانتخابات المحلية إلى المنتصف الثاني من شهر نوفمبر القادم بعد أن كان من المنتظر أن تجرى في شهر سبتمبر، كما طرحت مشروعاً لتعديل قانون الانتخابات ويقضي بمنع الأحزاب التي تحصلت على أدنى من 4 بالمائة من أصوات الناخبين من المشاركة في الانتخابات المقبلة، وإذا أرادت المشاركة فيمكنها اتباع صيغة القوائم الحرة· قدمت الحكومة مبرراتها التي دفعتها إلى تأجيل الانتخابات المحلية ومراجعة القانون، غير أن - كما يرى المتابعون- الدافع الحقيقي يعود إلى تدنِّي نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 مايو الماضي· ولكن هل ستتمكن الحكومة من تأجيل الانتخابات المحلية حتى تقنع الناخبين بجدوى الذهاب إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر القادم؟! ظِلالٌ قاتمة الواضح أن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة هي التي تقف مباشرة وراء القرارات الأخيرة؛ فقد أحدثت نسبة الامتناع العالية عن التصويت والتي تجاوزت 12 مليون ممتنع، أي قرابة ثلثي الناخبين بالإضافة إلى مليون جزائري ''صوتوا'' بأوراق بيضاء، زلزالاً سياسياً حقيقياً، كان من تداعياته دعوة عدة أطراف رسمية إلى تأجيل الانتخابات المحلية وإعادة النظر في قانون الانتخابات الحالي· كان وزير الداخلية ''يزيد زرهوني'' أول من تحدث عن ضرورة مراجعة القانون وأيَّده رئيس الحكومة السابق ''أحمد أويحيى'' الذي يقود حزب ''التجمع الوطني الديمقراطي'' القوة السياسية الثانية بالجزائر· برر ''زرهوني'' دعوته بأن الكثير من الأحزاب الصغيرة تستغل الانتخابات لبيع الترشيحات باسمها لذوي المال الراغبين بالترشح، بينما قال أويحيى: إن هذه الأحزاب ''موسمية مناسباتية'' تنام لمدة خمس سنوات ثم تستيقظ فجأة لتشارك في الانتخابات وتحدث جعجعة دون طحين، ونبه أويحيى إلى أن 40 بالمائة من أصوات الناخبين القلائل في انتخابات 17 مايو الماضي، ضاعت هدراً لأنها توزعت على هذه الأحزاب الخاسرة في الانتخابات، بينما لم يُحتسب عملياً سوى 60 بالمائة من الأصوات، وأيد عبدالعزيز بلخادم رئيس الحكومة وزعيم الحزب الحاكم ''جبهة التحرير الوطني'' الفكرة· وبالرغم من رفضِ ''حركة مجتمع السلم'' الشريك الثالث في التحالف الحكومي، فإن ذلك لم يمنع الحكومة من إعداد مشروع قانونٍ معدلٍ لقانون الانتخابات الحالي ينص على أن الأحزاب التي تحصلت على أقل من 4 بالمائة من أصوات الناخبين في ثلاث مواعيد انتخابية سابقة، وفي أقل من 25 ولاية من أصل 48 ولاية جزائرية، ممنوعة من المشاركة في الانتخابات المقبلة، وإذا أرادت ذلك، فلا مناص لها من جمع قدرٍ معلوم من التوقيعات مثل المرشحين الأحرار· صادق مجلس الحكومة ثم مجلس الوزراء على مشروع القانون، وينتظر الآن عرضُه على البرلمان للمصادقة عليه· وبالفعل بدأت الأحزاب الصغيرة تعترض على القانون الذي يهدد وجودها السياسي وينذر باندثارها من الساحة السياسية، مع أنها غير موجودة فعليا لإعراض الشعب الجزائري عنها منذ بدأت تتشكل في ،1989 وقد اجتمعت 9 أحزاب صغيرة ودرست مشروع القانون وخرجت ببيان تدينه فيه وتقول إنه ''يهدد الممارسة الديمقراطية والتعددية الحزبية والحريات''· غير أن هذه المعارضة تبقى بدون أي أثر إذا علمنا أنها مجتمعة لا تمثل إلا أقلية قليلة داخل البرلمان ولن تستطيع الحؤول دون تمريره باعتبار أن نواب أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة، يهيمنون بصفة مطلقة على البرلمان، ولا تملك باقي الأحزاب الـ 19 الممثلة فيه الأغلبية لصدِّه، حتى وإن تحالفت الأحزاب المُعارِضة غير المعنية بالإقصاء ضد مشروع القانون، خاصة وإن ''جبهة التحرير'' و''التجمع الوطني الديمقراطي'' المؤيدان للقانون يملكان الأغلبية البرلمانية التي تسمح لهما بتمريره· وقد شكل رفض ''حركة مجتمع السلم'' للتعديل القانوني مفاجأة للمتتبعين لأن الحركة عضو في ''التحالف الحكومي'' وكان ينتظر أن توافق على هذه التعديلات، ولكن رئيسها أبو جرة سلطاني قال إنه سيقف ضدها وسيدافع عن الخيار الديمقراطي على جميع المستويات، وهي إشارة إلى أن نواب حركته الـ51 سيصوتون ضده، ووصف وزير الدولة سلطاني المشروع القانوني بأنه مجرد ''رد فعل من الحكومة على نتائج الانتخابات التشريعية، وهذا ما لا نقبله''، كما قال نائبه عبدالمجيد مناصرة إن هذا المشروع ''يتعارض مع الديمقراطية'' ووصفه بـ''التعديل الحزبي'' الهادف إلى حل مشاكل جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي· كما رفضه عبدالله جاب الله الرئيس السابق لـ''حركة الإصلاح الوطني'' المُعارِضة، وقال إنه يهدف إلى ''تقنين سياسة الإقصاء والاحتكار'' ويُعدُّ استمرارًا لمسلسل تضييق الخناق على الأحزاب وتوجيهها· وتقول مصادر إن دخول القانون حيز التنفيذ بعد اعتماده سيؤدي إلى إقصاء 16 حزبا من المشاركة في الانتخابات المحلية القادمة لأنها لا تستجيب لشرط الحصول على 4 بالمائة، وستقتصر المنافسة بين 9 أحزاب كبيرة ومتوسطة اعتادت على الفوز بنسب متفاوتة في شتى الاستحقاقات الانتخابية التعددية التي جرت في الجزائر منذ 1990 إلى الآن، بينما لم تكن الأحزاب الـ 15 المعنية بالإقصاء تتحصل إلا على نتائج هزيلة جدا، وأحيانا تخرج فارغة اليدين تماماً، وبالتالي فإن مشاركتها من عدمها لا يعني شيئاً للمواطن، ولكنه يعني للسلطات الانتهاء من''وجع الرأس'' الذي تسببه هذه الأحزاب بلغطها وتشتيتها تركيز المواطنين في الحملات الانتخابية بالنظر إلى الأوقات الثمينة التي تتحصل عليها في وسائل الإعلام العمومية لتقديم خطابها الانتخابي دون أية فائدة، علاوة عن إنهاء ظاهرة الفساد السياسي والمالي الذي مارسته في انتخابات 17 مايو ببيع تفويضاتها الحزبية للكثير من الأحرار الذين كانوا يريدون المشاركة في الانتخابات تحت غطاء هذه الأحزاب للتهرب من شرط جمع قدر معلوم من توقيعات الناخبين في الدائرة التي يريدون المشاركة فيها· تأجيلٌ وتساؤلات وفي إطار إعادة ترتيب الساحة السياسية بعد زلزال 17 مايو، قررت الحكومة أيضاً تأجيل الانتخابات المحلية القادمة إلى المنتصف الثاني من شهر نوفمبر المقبل· وكان من المفروض أن تُجرى هذه الانتخابات قبل موعد انقضاء عهدة المجالس المحلية الحالية بأيام؛ إذ جرت آخر انتخابات محلية في 10 أكتوبر ،2002 وبالتالي فإن عمرها ينقضي يوم 9 أكتوبر القادم، والدستور ينص على ضرورة إجراء الانتخابات في ظرف ''ثلاثة أشهر التي تسبق انقضاء المدة النيابية الحالية''· وكان منتظراً أن تُجرى الانتخابات المحلية في بداية أكتوبر أو أواخر سبتمبر، لكن هذه المواعيد تصادف شهر رمضان، فتم الحديث عن تقديم الموعد إلى 6 سبتمبر، إلا أن أحزاب التحالف الحكومي رفضت ذلك بحجة أنه موعد الدخول المدرسي، فضلا عن أن هذا التاريخ يحتم إجراء الحملة الانتخابية في أغسطس، وهو الشهر الذي تبلغ فيه الحرارة ذروتها في الجزائر، وبالتالي لن يتابع الجزائريون الحملة الانتخابية وسيفضلون عليها شواطئ البحر· وهنا طُرحت فكرة التأجيل إلى نهاية نوفمبر، إلا أن الفكرة سرعان ما جوبهت بمشكل قانوني، حيث إن ذلك يعد خرقاً للدستور الجزائري الذي لا يقرًّ تأجيل الانتخابات إلا في حالات محددة ومنها استقالة الحكومة أو إعلان حالة الاستثناء أو وقف العمل بالدستور في حال نشوب حرب، وهي حالات غير قائمة حالياً· وبعد تفكير وأخذ وردٍّ، قررت الحكومة تأجيل الانتخابات المحلية إلى شهر نوفمبر القادم، ويرجح أبو جرة سلطاني في تصريح لـ''الاتحاد'' أن تُجرى الانتخابات في 15 نوفمبر، بينما ترجح مصادرٌ أخرى أن تُجرى في أواخر نوفمبر لربح المزيد من الوقت لإقناع الناخبين بالمشاركة''بقوة'' في هذا الموعد الانتخابي· والواقع أنه من الصعب إقناع المتتبعين بأن السبب يعود إلى ذلك، ولذا يذهب أغلب المحللين إلى الاعتقاد بأن الدافع الرئيس للحكومة لتأجيل الانتخابات هو ربح المزيد من الوقت لإقناع الناخبين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع بعد أن صدمها العزوف الشعبي الواسع عن انتخابات 17 مايو، ولكن كيف تقنع الحكومة ما يزيد من 12 مليون ''مُقاطِع'' بالمشاركة هذه المرة؟ إنعاش الانتخابات ستعتمد الحكومة بشكل أساسي -كما يُعتقد- على تسريع وتيرة ''برنامج دعم الإنعاش الاقتصادي'' الذي أقره الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وخصص له 144 مليار دولار إلى غاية انتهاء ولايته الرئاسية في أبريل ،2009 وستسهر الحكومة المكلفة بتطبيق برنامج الرئيس على حُسن إنجاز مختلف بنوده بأسرع ما يمكن، وكذا حل المشكلات القائمة كرفع الأجور ودفع المرتبات المتأخرة لعشرات الآلاف من العمال ومكافحة البطالة وأزمة السكن· وإذا كانت هذه المشاريع طموحة وتبعث على التفاؤل والأمل بإمكانية ''إنعاش'' الانتخابات، فإن المشكلة قد تكمن في جانب آخر وهو انتشار الفساد في المجالس المحلية وغرق أعضائها في الصراعات الحزبية والشخصية طيلة الخمس سنوات الماضية، مما خلق انسداداً في عملها بشكل أهملت معه مصالح المواطنين، وقد نشرت بعض الصحف المحلية مؤخرا ''تقريراً أسودَ'' عن الفساد في المجالس المحلية، ويؤكد التقرير أن 1549 منتخَباً محلياً في 1541 بلدية جزائرية متابعٌ قضائياً بتهم تتعلق بالرشوة والاختلاسات وتبديد المال العام وباقي أشكال الفساد، وأٌدين أزيد من 700 منتخب، والتحقيقات لا تزال متواصلة بشأن الباقي· ولعل هكذا أرقام مرعبة تقلل من ثمار الجهود التي يبذلها الرئيس بوتفليقة في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وكذا مصداقية هيئات الدولة المختلفة في أعين الجزائريين، وقد تجعلهم يزهدون أكثر في الانتخابات المقبلة ما دامت تتعلق بمنتخَبين محليين أصبح الكثيرُ منهم يلهث وراء المسؤولية لخدمة مصالحه الشخصية بدل خدمة الصالح العام، وبالتالي فإن تأجيل الانتخابات المحلية في هذه الحالة بشهر أو أكثر قد لا يكون له أي معنى
المصدر: الجزائر:
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©