السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الديمقراطيات العربية»... نجاح مرهون بالمشاركة النسائية

«الديمقراطيات العربية»... نجاح مرهون بالمشاركة النسائية
15 ديسمبر 2012
تمثل الثورات العربية، والمرحلة التي تلتها، دليلا على الروح الإنسانية. ففي غضون أشهر، قوبلت عقود من الفساد والظلم بقوة النساء والرجال الموحدين ضد ديكتاتور مشترك. وأمام الموت والتعذيب والاعتداء الجنسي على أيدي شرطة الدولة وبلطجية النظام، سعى الناس عبر الشرق الأوسط الكبير إلى الانعتاق من نير الطغيان والاستبداد عندما طالبوا بحق واحد بسيط من حقوق الإنسان، ألا وهو الكرامة. غير أنه عندما انتهت الثورات وبدأت المرحلة الانتقالية، كان متوقعاً من النساء أن يعدن إلى بيوتهن. فقد استمر الرجال في احتكار السلطة ولم يشعروا بواجب إشراك النساء اللاتي شاركن في المسيرات المطالبة بالحرية إلى جانبهم، في المرحلة الانتقالية. والحال أن الثورة بالنسبة للكثير من النساء لم تكن تتعلق بإسقاط ديكتاتور فقط، وإنما أيضاً باجتثاث نظام سلطوي بأكمله يمتد من القصر الرئاسي إلى القسم الدراسي إلى غرفة النوم. لذلك، فإن نساءً عربيات من ألوان سياسية مختلفة تركز اليوم على ضمان ألا تكون الثورات مجرد استثناء لقاعدة المجتمع الأبوي التي تسود في العديد من بلدان الشرق الأوسط. لقد أعادت الثورات صياغة أدوار النوع في الفضاء العام. ففي مصر لوحدها، كان 20 إلى 50 في المئة من المحتجين اليوميين من النساء؛ ونتيجة لذلك، فإنهن تعرضن أيضاً للضرب والسجن والمحاكمة أمام محاكم عسكرية. كما تعرضن للإهانة والإذلال من خلال اختبارات العذرية من أجل ردع النساء الأخريات وتحذيرهن من أنهن سيواجهن المصير نفسه إذا غادرن بيوتهن للانضمام إلى الثورة. ورغم تضحياتهن، إلا أن الغياب القوي للنساء العربيات عن البرلمانات الجديدة، ولجان إعداد الدستور، والتعيينات الحكومية، لا يبشر بالخير بخصوص ما ينتظرهن في المستقبل. ففي مصر، على سبيل المثال، شكلت النساء أقل من 2 في المئة من البرلمانيين في مرحلة ما بعد الثورة، مقارنة مع نحو 12 في المئة خلال عهد مبارك. ذلك أنه من خلال إلغاء نظام «الكوتا» للمرشحات وإدراج النساء في أسفل لوائح الأحزاب، ضمنت القوانين الانتخابية الجديدة تقريباً إقصاء تاماً للنساء من الجهاز التشريعي. وحتى في تونس، التي ناضلت فيها النساء بنجاح من أجل قانون جديدة ينص على ضرورة أن يقوم كل حزب بترشيح امرأة ضمن الخانتين الأوليتين من لائحة كل حزب، فإن النساء لا يمثلن سوى 26 في المئة من البرلمان لأنهن كن يوضعن باستمرار في الخانة الثانية في الدوائر الانتخابية التي يستطيع فيها الحزب الفوز بمقعد واحد. أما في اليمن، فتعين التقاليد القبلية الأبوية الرجالَ في المناصب السياسية المهمة بينما تُدفع النساء للعودة إلى بيوتهن، والحال أنه لولاهن ما كان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ليسقط. وبالمثل، فإن النساء في ليبيا يعانين من نقص التمثيل في المجلس الانتقالي. وعلى الرغم من حصولهن على مكانهن العادل في الطاولة، إلا أن النساء العربيات أُرغمن على التراجع إلى المجال الخاص، حيث إن قدرتهن على القيام بتغيير في النظام مقيدة بشكل كبير؛ والحال أن الحاجة إلى التغيير حقيقية مثلما يُظهر ذلك التفاوت بين الجنسين في التعليم والتوظيف والسياسة. وفي هذا السياق، يشير تقرير التنمية البشرية لعام 2005 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن النساء في البلدان العربية يعانين أكثر من الرجال من قلة فرص اكتساب المعرفة، رغم أن الفتيات يتفوقن على الأولاد في الأداء الأكاديمي التنافسي في تلك البلدان. وبالمثل، فإن أقل من ثلث النساء العربيات اللاتي يبلغن 15 عاماً فأكثر، يعملن في وظائف دائمة أو مؤقتة، في تباين مع المعدل العالمي الذي يبلغ أكثر من النصف. كما أن مشاركة النساء العربيات في مكان العمل لا تتجاوز 42 في المئة، وهو أدنى معدل في العالم مقارنة مع معدل عالمي يبلغ 69 في المئة. وفي السياسة أيضاً، مازالت نسبة النساء الممثلات في البرلمانات هي الأدنى في العالم العربي، إذ تقل عن 10 في المئة. ويظل هذا الواقع ثابتاً رغم الثورات. وهكذا، فإن الثورات في الشرق الأوسط، وخاصة مصر، لم تنته بعد. ولذلك، يجب على المدونين والنشطاء والمحتجين في مصر وغيرها أن يوظفوا نفس القوة والشجاعة التي أظهروها خلال الثورة من أجل خلق أماكن دائمة للنساء في المناصب الحكومية الرفيعة، والزعامة الحزبية، والإعلام، والمجتمع المدني. كما يمكن استعمال الشبكات على مستوى القواعد الشعبية التي خُلقت من الثورة من أجل توبيخ الحكومات الجديدة والأحزاب السياسية لفشلها في إشراك النساء وتعيينهن في المناصب القيادية، في ما عدا اللفتات الفارغة. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يتحول الخطاب من دعوة عامة لحقوق النساء إلى مطالبة صريحة بإشراك النساء على نحو متناسب في كل هيئات صنع القرار. وفي مصر، مثلا، تستطيع النساء، من خلال مشاركة حقيقية، المساهمة من منظور مختلف في العملية التي ستشكل ملامح مستقبل البلاد. وبتزامن مع هذه المطالب ينبغي أن تكون هناك أحكام ومقتضيات دستورية ترسخ وتكرس الحقوق المتساوية؛ وقوانين انتخابية جديدة تتيح المساواة عبر الطبقات والأديان والنوع؛ وإصلاحات للقوانين غير العادلة في الزواج والطلاق وحقوق الملكية وحضانة الأطفال. وأولا، يتعين أن يشير الدستور المصري الجديد، وبشكل صريح، إلى الرجال والنساء في كل الأحكام التي تتناول الحقوق الفردية، وذلك لأن هذه الإشارة الصريحة إلى النساء تقلل من سوء استعمال السلطة التقديرية من قبل المشرعين والجهاز التنفيذي والقضاة، الذكور في أغلبهم. ومن أجل إزالة التفاوت التاريخي في التمثيل السياسي والحواجز الثقافية، ينبغي إعادة نظام “كوتا” مؤقت من أجل النساء في البرلمان إلى القوانين الانتخابية. على أنه عندما تصبح المشرعات والقاضيات والمعينات والسياسيات هن القاعدة، وليس الاستثناء، فإنه يمكن حينها إزالة هذا النظام. ومما لاشك فيه أنه ينبغي تطبيق إصلاحات مماثلة في دول عربية أخرى أيضاً. وإذا كانت الإصلاحات القانونية لا تمثل علاجاً لكل المشكلات، فإنها تستطيع إنتاج التحولات الثقافية التي يبحث عنها الجيل الجديد من النساء والرجال العرب. فالديمقراطية، وعلى غرار الثورة، غير قابلة للاستدامة في مصر والشرق الأوسط الكبير بدون إشراك النساء؛ حيث تُظهر الدراسات أن النجاح الاقتصادي لدولة ما مرتبط بتعليم النساء، وتمكينهن السياسي، وقدرتهن على المساهمة بتعليمهن ومهاراتهن في النمو الاقتصادي. وفي نهاية المطاف، فإن المصريين والمواطنين في الدول العربية الأخرى قاموا بثورات من أجل خلق مستقبل اقتصادي أفضل لأطفالهم بناءً على نظام حكامة ديمقراطي. إلا أن ذلك لا يمكن أن يتحقق طالما النساء يُمنعن من الجلوس إلى طاولة صنع القرار. أستاذة القانون بكلية ويسليان للقانون في تكساس وزميلة «معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم» في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©