الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفق الشراكة الأميركية - العربية

25 ديسمبر 2011 21:07
يحاول كثير من المراقبين في كافة أنحاء العالم فهم خلفيات ما يحصل في الشرق الأوسط، وخاصة من حيث ما يفكر فيه الناس على أرض الواقع. وهذا صحيح ويصدق بشكل خاص على الأميركيين، حيث إن الولايات المتحدة مرتبطة مع الشرق الأوسط لعقود عديدة بشبكة من المصالح المتبادلة، بما في ذلك من تعاملات اقتصادية من خلال استيراد المصادر الطبيعية (وخاصة مصادر الطاقة كالنفط والغاز وغيرهما) ومختلف أشكال التجارة الأخرى، هذا زيادة على تطلع الطرفين وأملهما المشترك في تحقيق المزيد من النجاحات والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية وضمان استدامة الاستقرار الإقليمي. ولا شك أن الاستطلاع الذي أجري في شهر أكتوبر 2011 حول الرأي العام العربي، ونشره في 21 نوفمبر شبلي تلحمي، الأستاذ بكرسي أنور السادات للسلام والتنمية بجامعة ميرلاند، يلقي بعض الضوء على هذا السؤال. ويقيّم الاستطلاع، الذي شمل عينة من 3000 شخص في مصر والأردن ولبنان والمغرب والإمارات العربية المتحدة، المواقف والتوجهات فيما يتعلق بالانتخابات المصرية الأخيرة، والعلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، هذا إضافة إلى ملفي النزاع العربي الإسرائيلي وإيران. وتشير النتائج إلى أنه على رغم أن وجهات النظر الإيجابية تجاه الولايات المتحدة قد ارتفعت من 10 في المئة عام 2010 إلى 26 في المئة عام 2011، إلا أن غالبية العرب المستَطلعة آراؤهم ما زالوا يحملون وجهات نظر غير إيجابية (بنسبة 59 في المئة). وتبقى الغالبية (52 في المئة) مثبطة من سياسات إدارة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط. وقد انخفضت هذه النسبة من 65 في المئة عام 2010، على رغم أنها ما زالت مرتفعة عموماً مقارنة بنسبة عام 2009. وعند السؤال عن الخطوتين اللتين يتوجب على الولايات المتحدة اتخاذهما لتحسين وضعها وموقفها، أجاب 55 في المئة من أفراد العينة مؤكدين أن: إنجاز "اتفاقية سلام إسرائيلية فلسطينية" هو ما يمكن أن يحقق ذلك، فيما أجاب 42 في المئة آخرون بأن المطلوب هو "وقف المساعدات لإسرائيل". ويمكن لنتائج سلبية كهذه أن تفسَّر جزئيّاً بالشكوك المحسوسة التي يحملها كثير من العرب حول سياسة أميركا في الشرق الأوسط وخاصة تجاه بعض الأنظمة العربية السلطوية وإسرائيل، إضافة إلى نزاعاتها الفعلية أو المنظورة مع بعض الدول ذات الغالبية المسلمة. وحتى يتسنى تحسين موقفها في العالم العربي يتوجب على الولايات المتحدة اتباع استراتيجية بديلة لشرق أوسط جديد، تكون الأولوية فيه لخدمة شعوبه، ومصالحها، وتقاس فيه السياسات الأميركية بالأداء وبما تحققه من نتائج إيجابية متبادلة للطرفين العربي والأميركي، وهذا ما يقتضي التركيز بشكل خاص على دعم التواصل والأمن والاستقرار وتكثيف المعونة التنموية لدول المنطقة الأكثر احتياجاً لذلك. ويتعين أن يشتمل أي إصلاح منشود للسياسات الأميركية تجاه المنطقة أيضاً على تحفيز مفهوم واسع للديمقراطية يغطي التنمية البشرية والحرية الاقتصادية والانتخابات الحرة النزيهة المتكررة، ويدعم ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان. وتستطيع الولايات المتحدة المتابعة مع الحكومات العربية لضمان الانفتاح والتعددية في السياسة، وخاصة في ضوء الأحداث المتسارعة في الصحوة العربية الراهنة التي أصبحت تسمى الربيع العربي. ولا تستطيع الشعوب العربية تحمل استبدال نوع من أنواع الديكتاتورية، دينية أكانت أو علمانية، بنوع آخر، فمنطقة عربية مستقرة ستكون أكثر فائدة للولايات المتحدة بسبب الروابط القائمة عبر التجارة والمعونة التنموية، وأيضاً لتشابك مصالح الطرفين. وهناك حاجة قائمة كذلك لئن تقوم الولايات المتحدة بإيصال نواياها وسياساتها بدقة ووضوح. وربما يساعد ذلك على مجابهة سوء الفهم الواسع الذي يساهم في اتساع شقة الخلاف. وإضافة إلى ذلك، تستطيع الولايات المتحدة التأكيد على الأمن المستدام بالوسائل التنموية والسلمية دون حاجة إلى القوة العسكرية من خلال إيجاد إجماع إقليمي من أجل السلام يخدم مصالح جميع الأطراف. فمن خلال عمل ذلك، تستطيع إدارة الرئيس أوباما مرة أخرى استعادة مستويات أعلى من المصداقية في المنطقة، وهو أمر يصب في صلب مصلحة الولايات المتحدة بشكل واضح. وسينطوي ذلك بالضرورة، وبشكل رئيسي، على إصلاحات سياسية وتحسينات ديمقراطية أساسية وشفافة في إدارة الشأن العام، مع كل ما يعنيه ذلك من اكتساب فاعلية في الأداء الاقتصادي، تؤدي في النهاية إلى تحسين نوعية الحياة والفرص للجمهور العام. وتستطيع الولايات المتحدة ضمان إيجابية المعونة من خلال رفد دبلوماسيتها العامة وتواصلها الثقافي وتبادلاتها التعليمية والتربوية مع شعوب المنطقة. وفي نهاية المطاف، إذا أرادت الولايات المتحدة أن تكون لها سياسة خارجية أكثر مصداقية وقدرة على البقاء في العالم العربي، يجب أن ترتكز استراتيجيتها على القيم الأميركية الأساسية كالمساواة والشفافية، إضافة إلى احترام مصالح المنطقة. وبشكل عام، يعتبر مواطنو أية دولة، من حيث المبدأ، قادة تغيير دائمين. ولذا يتوجب على الولايات المتحدة أن تبني وتطور شراكات طويلة الأمد ومستدامة مع الناس العاديين في الشرق الأوسط. صليبا سرسر أستاذ العلوم السياسية بجامعة «موغاوث» الأميركية ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©