الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الألم الأشدّ كثافة

الألم الأشدّ كثافة
25 ديسمبر 2013 19:35
يطرح الفيلم التسجيلي الطويل “نهر البارد يروي” تساؤلات عدة حول الوضع الفلسطيني عموماً ولبنان بخاصة، ويسلط أضواء على جوانب إنسانية مغيبة تطمرها الأحداث السياسية المتراكمة والمتسارعة. وقد عايشت مخرجته ساندرا ماضي بالكاميرا المراقبة تجربة شابة في إدارة حراك سياسي مطلبي لمخيم نهر البارد، من قبل مجموعة من الشباب الفلسطيني وسط العديد من التحديات الداخلية والخارجية، في حيز مغلق ومعزول عن محيطه بعد معارك دمرت المخيم وحولت سكانه إلى نازحين. وفيلم “نهر البارد يروي” هو الفيلم الثاني للمخرجة ساندرا ماضي؛ بعد فيلمها الأول “مخيم نهر البارد .. مخيم اعتقال” والذي تناولت فيه على مدى خمسين دقيقة أبرز المشكلات وواقع حياة الفلسطينيين في المخيم المذكور بعد أربع سنوات من انتهاء حرب 2007. أما في فيلم “نهر البارد يروي” ومدته ساعة وسبع عشرة دقيقة فتتناول بحيادية وموضوعية تجربة الحراك الشبابي الشعبي التي تفجرت بعد حادثة استشهاد الشابين أحمد قاسم وفؤاد محي الدين اللوباني، وقد أهدته المخرجة لهما لأنهما كانا الشرارة لانطلاق احتجاجات الفلسطيني المغلوب على أمره نتيجة الحكم العسكري باعتبار المخيم أرضا عسكرية حتى بعد القضاء أو طرد جماعة “فتح الإسلام”. يوميات فلسطينية وحسب المخرجة ساندرا ماضي فإن الفيلم يعايش عن قرب يوميات الاعتصام المفتوح الذي قاده مجموعة من شباب المخيم المستقلين وأبناء الفصائل حتى استجابت الدولة اللبنانية لمطالب المعتصمين، وعلى رأسها إلغاء نظام التصاريح لسكان المخيم وتخفيف الوجود العسكري، وتسليم عدة مناطق داخل المخيم للأهالي. وقالت في حديث خاص لـ “الاتحاد” إن الفيلم اقتحم همّا فلسطينيا معاصرا، وركّز على الشباب ومدى وعيهم وإصرارهم لإنجاح مسعاهم. ويحوي بصيص أمل إيجابيا يشي بأن تغيير الظروف الصعبة ليس مستحيلاً ولسنا بالضرورة مرتهنين لقيادات فلسطينية لا ترقى لمستوى طموحات ومطالب هذا الشعب وفق ما يراه الشباب أنفسهم. وترى ماضي أن “نهر البارد يروي” يكشف حجم الفراغ أو الهوة بين القيادات الفلسطينية ممثلة بالفصائل واللجنة الشعبية والفعاليات الأخرى وعجزها عن التعبير عن تطلعات الشعب هناك؛ فالعمل الشبابي شكّل من وجهة نظرها جسرا صلبا لإعادة التوازن أو العلاقة بين فئات الشعب والقيادة التي تمثلها. وعلى لسان إحدى الشخصيات القيادية اليسارية في الفيلم يعترف دون مواربة بكلمته أثناء الاعتصام أن الحراك الشبابي والتضحية التي قدمها المخيم ساهما في فتح الأبواب أمام القيادات الفلسطينية مع صناع القرار في لبنان ويقول “شعرت أن معي قوة لا يوقفها أحد”. سياسي لكنه إنساني!! وردا على سؤال أجابت ماضي بأن الفيلم سياسي بامتياز لكنه إنساني بالمطلق فمعظم المواقف أو الأحداث التي تم تسليط الضوء عليها تظهر الفلسطيني الثائر أو صاحب الحق في أعلى درجات إنسانيته حتى وهو يرمي الحجارة أو يشعل الإطارات في الشوارع. فالحرب عام 2007 دمرت المخيم وما زالت آثارها مستمرة ومست بالصميم النسيج الاجتماعي الذي يتميز به عن أمثاله كما مست القوة الاقتصادية التي امتدت مخرجاتها لتعمير شمال لبنان وانشغل الناس باستيعاب ومحاولة حل المشاكل الطارئة من عودة النازحين وهم بالمناسبة نصف سكان المخيم البالغ عددهم 45 ألفا. ذكريات وشهادات ومن خلال الفيلم ركّزت الكاميرا على أحاسيس ومشاعر العائدين تجاه ما فقدوه “ذكرياتهم وبيوتهم وأثاثها ومزارعهم ومعامل الحليب والبلاط والطوب” وخاصة في حي “جنين” الواقع على البحر مباشرة. ثمة امرأة تتفقد حديقة منزلها وتستذكر أشجارها المثمرة وأخرى تخرج من كومة البيت ربطة عنق زوجها الذي قضى في الحرب وشريط لصباح فخري الذي كان يحبه الزوج. وتقول ماضي: “رغم الواقع المحزن إلا أن الملفت في مخيم نهر البارد وأهله هو تصميمهم على الحياة ونهوضهم من تلك الحرب، فمشاهد الفيلم تعطي مساحة واسعة لهذا النبض المشحون بالأمل الذي يقوده شباب المخيم”. ورغم نجاح المخرجة ساندرا ماضي في نقل صورة واقعية وحيادية ليوميات الناس هناك، وشهادات حية لشباب تخطوا الأوضاع الصعبة وحاولوا تغيير الحال إلا أن التساؤل وفق الفيلم يبقى مطروحا: هل يمكن للقيادة الفلسطينية في لبنان ورام الله أن تلتقط ما حصل في مخيم نهر البارد وتعيد حساباتها في أن قوة ومشروعية أية قيادة لا تأتي من صناديق المنح ودافعي الضرائب الأميركيين وأوروبا إنما تأتي من تأييد الشعب لها؟. بقيت الإشارة إلى أن “نهر البارد يروي” من إنتاج “كربون أحمر فيلم”، ومونتاج: علي حمود، وهندسة صوت استوديو الناصر في عمّان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©