الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خدمات انتهازية ..

خدمات انتهازية ..
25 ديسمبر 2013 19:33
هذا الكتاب قديم، كان في الأصل رسالة علمية بالجامعة، أعدها محمد سيد أحمد، قبل عشرين عاماً، ونشرت مؤخرا بعنوان «القوى الاجتماعية المؤيدة لجماعات العنف السياسي الإسلامي.. مصر نموذجا» هكذا يكون عنوان الرسالة الجامعية.. طويلاً ومباشراً. يرصد الباحث عناصر صعود جماعات الإسلام السياسي في مصر سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ويمكن أن نمد الخط على استقامته، حتى 30 يونيه عام 2012 ويضع يديه على نقاط مهمة، منها أن الجمهور الغالب على مؤيدي هذا التيار في السبعينيات كانوا من طلاب الجامعات وخريجيها وكانوا من أبناء الطبقة الوسطى، وهؤلاء عادة أقل ميلا إلى العنف وإحداث الفوضى، ويكونون بحكم تكوينهم الاجتماعي والاقتصادي حريصين على الإصلاح. لكن هذا الجمهور تغير في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، حيث صار الجمهور الأغلب من أبناء التعليم المتوسط أو ما دون المتوسط، وأخذ هذا الجمهور يزحف من أبناء الطبقة الوسطى، ليمتد إلى أبناء الطبقة الدنيا، وتزامن ذلك مع تراجع عمليات التنمية في مصر وازدياد معدل الفقر، فضلا عن انسحاب الدولة من معظم أدوارها وانحيازها إلى الخصخصة ونهب القطاع العام والتراجع عن حماية الفقراء، ومن هنا نمت مشاعر الغضب والنزوع الى العنف وهذا ما حدث سنوات التسعينيات، ففي سنوات السبعينيات وقعت ثلاث عمليات عنف سياسي فقط وهي عملية الفنية العسكرية واختطاف وزير الاوقاف السابق د. الذهبي ثم اغتيال الرئيس السادات وفي بداية عهد مبارك لم تقع أي عملية حتى عام 1985 ثم اخذت العمليات في الظهور والانتشار. رفض ومن خلال الجانب الميداني في الدراسة ثبت أن الغالبية الكاسحة من المواطنين رفضت أعمال العنف التي قامت بها هذه الجماعات اكثر من 94 في المئة رفضوا عمليات الاعتداء على المواطنين الأقباط ونهب محلاتهم وممتلكاتهم وكانت عمليات نهب محلات الذهب قد انتشرت وكان يقوم بها بعض أعضاء الجماعة الإسلامية فيما عرف وقتها، فتوى «الاستحلال» اي يستحلون أموال غير المسلمين وفي مجال السياحة رفض حوالي 92 في المئة الاعتداء على السياح والمناطق السياحية في مصر وتعددت أسباب الرفض منها أن هؤلاء السياح ضيوف علينا ويجب أن يكونوا آمنين وهناك من رأى أن العنف يدمر مصدرا اقتصاديا مهما ويغلق فرص العمل أمام الشباب والفقراء، وهكذا كان الموقف أيضا من اعتداء هذه الجماعات على رجال وأفراد الأمن والمنشآت العامة. ويحدد الباحث أسباب التعاطف لدى بعض قطاعات المجتمع مع هذه الجماعات ـ آنذاك ـ ويأتي في مقدمتها انهم كانوا يرفعون شعار تطبيق الشريعة الإسلامية والالتزام بأحكامها وانهم لا ينالون من الدولة فرصة الشرعية والعمل بحرية، ولذا لجأوا إلى النقابات المهنية وسيطروا على مجالسها وخاصة نقابة الأطباء ونقابة المحامين. وترصد الدراسة كذلك أن جماعات الاسلام السياسي التي اتخذت العنف وسيلة لها اتجهت بعد السبعينيات الى النظام السياسي مباشرة، تستهدف إسقاطه وتغييره من أعلى، وهكذا جرت محاولة اغتيال رموز هذا النظام وتم اغتيال د.رفعت المحجوب رئيس البرلمان عام 1990 وتكررت المحاولة مع رئيس الوزراء ومعظم وزراء الداخلية ووزير الإعلام وغيرهم، وغني عن القول إنهم حاولوا ذلك مع الرئيس المصري وقتها حسني مبارك وهناك ثلاث محاولات على الأقل قاموا بها، اشهرها تلك التي جرت في العاصمة الإثيوبية اديس أبابا عام 1995. وتمكن حرس الرئيس من قتل اثنين من المهاجمين. ومن عوامل تأييد هذه الجماعات، خاصة الإخوان انهم ذهبوا إلى الفقراء في المناطق الشعبية والعشوائية يقدمون لهم بعض الخدمات مثل الدروس الخصوصية في المساجد وإنشاء العيادات الطبية والمستوصفات الصحية وكان هذا الدور بارزا حين وقع زلزال اكتوبر عام 1992 حيث اندفع هؤلاء يقدمون البطاطين والمواد الغذائية للمواطنين المضارين مع نقلهم الى المستشفيات بينما تباطأ المسؤولون والجهات الرسمية في الوصول اليهم، كان يوم الزلزال كاشفا لعجز الإدارة الحكومية تماما عن أن تكون الى جوار المواطنين لحظة الأزمة، بينما تقدم هؤلاء محققين سبقا حقيقيا ونالوا عنه تقدير المواطنين ووضح ذلك في الانتخابات البرلمانية عام 1995 وما بعدها. أسباب التأييد الدراسة في سياقها وحدود هدفها العلمي وفي لحظتها الزمنية تضع ايدينا على كثير من الأمور حول هذه الظاهرة، غير انه لم يتم الانتباه رسميا على مستوى الدولة إلى ما تقوله هذه الدراسة ولا غيرها من الدراسات، التي كانت تنبه الى كثير من المخاطر، تحيق بالمجتمع وبالدولة ذاتها، غير ان أحدا لا ينتبه إلا بعد فوات الأوان، وضع الباحث يديه على عوامل وأسباب صعود هذه الجماعات والتيارات كما لفت إلى تراجع الدولة وانصراف المؤيدين عنها والجمهور المحبط من سياسات اقتصادية رديئة وانهيار الخدمات وتراجع التنمية. غير ان الباحث وهو يعد دراسته للنشر عام 2012 أضاف مقدمة قصيرة جاء فيها «وكما تنبأت الدراسة قبل عقدين بصعود الإسلام السياسي وهو ما نراه الآن في مصر والوطن العربي فإنني احب التأكيد من واقع خبرتي بهذه الجماعات أن آليات صعود الإسلام السياسي سوف تكون هي ايضا آليات هبوطه وفشله، فالاسلام السياسي الانتهازي تبنى مشروعا خدميا خيريا للصعود، وهذا المشروع لا يصلح بأي حال من الأحوال للاستمرار في الحكم لان المشروع الذي يرغب في الاستمرار بعد كل هذا الاستبداد السياسي يجب أن يكون تنمويا ونهضويا»، وهو ما ثبت يوم 30 يونيه 2013.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©