الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نفط جنوب السودان ··· عوائد للمستثمرين فقط

نفط جنوب السودان ··· عوائد للمستثمرين فقط
26 يونيو 2007 00:04
كم كان فرح ''لي هاووي'' كبيراً لدى إبلاغه من قبل شركة ''بترودار'' العالمية المتعددة الجنسيات، التي يعمل فيها محاسباً بابتعاثه للعمل بفرع الشركة في السودان· وكذلك كان فرح صديقته التي أهدته خاتماً فضياً بهذه المناسبة· والذي يبرر هذا الفرح سببان، أولهما أن هذه هي المرة الأولى التي يغادر فيها ''لي هاووي'' بلدته الصينية ''لياوننج'' إلى أي مكان سواها في هذا العالم الفسيح الممتد· أما ثانيهما فيتعلق بالزيادة الكبيرة التي طرأت على راتبه الشهري بسبب تلك البعثة، إذ قفز ذلك الراتب إلى ثلاثة أمثال ما كان يتقاضاه في موطنه الصين· ولكنه ابتعث إلى منطقة ''بالويش'' بجنوب السودان حيث يتم التنقيب وأعمال الحفريات النفطية، وحيث ينتشر البعوض ووباء الملاريا القاتل، وترتفع درجات الحرارة العالية في المكان كله، إلى جانب عدم ترحيب الأهالي المحليين بهؤلاء الوافدين الغرباء الذين هجموا على ديارهم واستباحوا خصوصيتهم بكل هذا الحجم، دون أن يقدموا شيئاً يذكر لهم فيما يتصل بشؤون حياتهم ومعاناتهم اليومية مع لقمة العيش وتربية الأطفال وتعليمهم والحفاظ على صحتهم وحمايتهم من وباء الملاريا وغيره من الأمراض المحلية المستوطنة في منطقتهم· وقد كان طبيعياً إذن ألا يرحب الأهالي بهذا القادم الجديد من بلاد الصين البعيدة: ''لي هاووي''· ولكل ذلك فلم يكن هو الآخر سعيداً بهذه الزيارة غير المرحب بها إلى الأرض الجديدة التي وطئتها قدماه لأول مرة· يذكر أن المتوسط اليومي لإنتاج السودان من النفط، يقدر بنحو 536 ألف برميل، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية بالعاصمة الفرنسية باريس، بينما ترتفع تلك التقديرات في أرقام جهات ووكالات أخرى، لتصل حتى 750 ألف برميل يومياً· أما الاحتياطات النفطية للسودان من النفط، فتقدر بحوالي 5 مليارات برميل، لا تزال كامنة في باطن مساحة ذلك البلد البالغة مليون ميل مربع، مع العلم أن الجزء الغالب من تلك الاحتياطيات في الجزء الجنوبي من السودان· وتباع نسبة تصل إلى 64 في المئة من الإنتاج النفطي السوداني للصين، التي تعد اليوم، ثاني أكبر مستهلك عالمي لمنتجات النفط· وفي الوقت الذي لا تنشر فيه حكومة الخرطوم، ولا حكومة الصين، بل ولا شركة ''بترودار'' التي تتولى عمليات التنقيب والحفر والإنتاج، أية أرقام إحصائية عن حجم النفط وعائداته، إلا أن الاعتقاد العام السائد، أن قيمة عائدات الصفقة السودانية المبرمة مع الشركة المذكورة، تقدر بنحو ملياري دولار أميركي على أقل تقدير· والمعلوم أن لشركة ''سي· إن· بي· سي''، وهو الاختصار لشركة النفط الوطنية الصينية، نصيب الأسد من أسهم كل من شركتي ''بترودار'' وشركة ''النيل الكبرى'' اللتين تعدان أكبر ائتلاف لشركات النفط في السودان اليوم· كما يعرف عن شركة ''سي· إن· بي· سي'' استثمارها مليارات الدولارات في تشييد البنى التحتية ذات العلاقة بإنتاج النفط وتصديره هنا في منطقة ''بالويش''، بما فيها بناء خط أنابيب بامتداد 900 ميل من حقول النفط في المنطقة، إلى ميناء بورتسودان في أقصى شرق السودان، على البحر الأحمر، حيث تنطلق ناقلات النفط المتجهة إلى خارج البلاد· وضمن تلك التشريعات شيدت الشركة الصينية المذكورة طريقاً إسفلتيا يمتد من منطقة ''بالويش'' وحتى العاصمة السودانية الخرطوم، إلى جانب تشييدها لمطار دولي جديد، تنطلق منه الرحلات الفضائية مباشرة إلى بكين· لكن وفي المقابل، يلاحظ أن استثمارات الشركة لم تذهب أكثر من هذه الحدود بعيداً، خاصة فيما يتعلق بتفاعلها مع السكان المحللين· فهؤلاء لا يزالوا يقطنون الأكواخ ويتناولون ما تجود به مياه النيل الملوثة في منطقتهم بفعل العمليات والحفريات النفطية، من أسماك لا تسمن ولا تغني من جوع، بعد خلطها بزبدة الفول السوداني· ولا بد من الإشارة إلى أن أكواخهم هذه لم يدخلها التيار الكهربائي يوماً· وبينما تتضخم الاستثمارات الصينية في منطقتهم وتتنامى يوماً إثر الآخر، يلاحظ أن منظمة خيرية سويسرية هي التي تتكفل بتوفير خدمات الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين المحليين، بينما تتولى وكالة إغاثة أميركية مهام توفير الغذاء والخيام الواقية من البعوض للسكان· يضاف إلى ذلك أن غالبية الأطفال لا يذهبون إلى المدارس· والأسوأ من ذلك كله أن كل هذه الاستثمارات النفطية الضخمة، لا توفر سوقاً لاستقطاب العمالة المحلية مطلقاً· وبالنتيجة، فليس من عمل للأهالي، ولا من جهة تستخدمهم في أي مهنة من المهن· وأنى للأهالي أن يجدوا العمل، إذا ما اتخذنا من شركة ''بترودار'' مثالاً للشركات العاملة هناك، وهي تستقطب جميع عامليها وموظفيها من بين الأجانب، لا سيما الصينيين والماليزيين والقطريين، أو الشماليين السودانيين؟ وعليه فما أندر الحالات التي يتم فيها توظيف العمالة المحلية في المنطقة، مع العلم أن ذلك لا يتم عادة إلا لشغل الوظائف الصغيرة الهامشية للغاية· ومن هنا من منطقة ''بالويش'' هذه، ترتسم صورة قاتمة وحزينة للغاية، لمشهد نادر من مشاهد التخلف التنموي، في شقه الاجتماعي بالذات· ففي حين شهدت بعض المدن الكبيرة في جنوب السودان، مثل عاصمة الإقليم جوبا، وكذلك مدينة ''رمبيك'' بعض الانتعاش الاقتصادي، في أعقاب التوقيع على اتفاقية السلام في العام قبل الماضي ،2005 إلا أن غالبية سكان الجنوب لا تزال ترزح في حياة الفقر المدقع، الذي لا يتناسب مطلقاً وحجم الاستثمار النفطي الجاري في أراضيهم· وعلى حد قول أبراهام تونكول، وهو متمرد سابق من متمردي المنطقة وقد عاد للعمل مجدداً بحرفة الرعي والزراعة في المنطقة، عقب التوقيع على اتفاقية السلام: ''فقد أبعدنا الصينيون عن قرانا السابقة التي كنا نسكن فيها هنا في ''بلاويش''، كي لا نرى ما يفعلونه بالضبط· فهم يسرقون نفطنا ويدركون جيداً ما يفعلون· وللنفط قيمته الكبيرة ونحن لسنا أغبياء· ولذلك فإننا نتوقع أن نحصل على شيء من نفط منطقتنا''· فهل مثل هذه التعليقات والاعتقادات، هي التي دفعت ''ثابو أمبيكي''، رئيس جنوب أفريقيا إلى التحذير في شهر ديسمبر الماضي، من مغبة ''علاقة غير متكافئة واستعمارية'' مع الصين؟ دانا هارمان مراسلة صحيفة ''كريستيان ساينس مونيتور'' في جنوب السودان ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©