السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ليلى الجهنــي تتابــع تجريـب ســرد الواقـع

ليلى الجهنــي تتابــع تجريـب ســرد الواقـع
26 يونيو 2007 00:00
بعد روايتها أرض اليباب تقدم الروائية السعودية ليلى الجهني عملها الروائي الجديد (جاهلية)، وفيه تتابع مغامرة التجريب من خلال البحث عن أشكال كتابة سردية تستطيع من خلالها التعبير عن تجربة الواقع السياسية والاجتماعية والثقافية التي نعيشها على المستويين الذاتي الخاص والعام الجماعي بأشكالهما المركبة والمتشابكة المعاني والدلالات حيث تتكشف مفارقات الواقع الغريبة، وحالة التردي السائدة في القيم والسلوك والمعايير التي تحكم علاقاته والحياة الاجتماعية والأخلاقية والسياسية للواقع المعاصر المحلي والعالمي الذي لم يفارق جاهليته الأولى بعد على الرغم من التطور المادي والعلمي والحضاري الذي بلغه· لذلك تعود الكاتبة إلى التقويم السنوي الذي كان مستخدماً في الجاهلية لتجعل منه في العناوين الداخلية الإطار الزمني الذي تحدد به زمن أحداث الرواية ووقائعها التي تعيشها شخصياتها الورقية، في الوقت الذي نجد فيه تلك الأحداث ومكان الرواية وشخصياتها تحيل على الواقع المعيش الراهن، بحيث تنفي عن هذا الزمن الذي تعيش فيه شخصيات الرواية معاناتها وتجربتها بعده التاريخي الدال على أن الواقع الإنساني ما زال من حيث القيم الأخلاقية والروحية والإنسانية يعيش في جاهليته القديمة· إحالات المتن والهامش يلعب العنوان دوراً محورياً في تشكيل لغة السرد الحكائي من خلال علاقة الاتصال التي يقيمها مع البنية السردية على المستوى الدلالي والجمالي كونه يتضمن تلك البنية مثلما هي تتضمنه، ويعلن عن قصدية العمل التي تأتي في سياقات نصية تكشف عن طبيعة التعالق القائمة بين الرواية والعنوان· وإذا كان تأليف العنوان واختياره ينطوي على مقاصد دلالية وجمالية، فإن ذلك يتأكد بصورة أكبر في هذه الرواية التي يشكل فيها هذا العنوان علامة دالة مشبعة برؤية للعالم يغلب عليها الطابع الإيحائي كما يقول بارت، وذلك من خلال قيامه بتعيين طبيعة الخطاب الروائي· فالروائية التي تستبدل التقسيم التقليدي للرواية بالعناوين توزع أحداث الرواية على ثمانية عناوين فرعية تحمل في مضامينها دلالات متقاربة توحي بالحزن والعطب والهذيان والسقوط (سماء تسقط - الصمت والموت - عطب رائحة الحزن - غوغل يهذي··)· ويتفرع عن هذه العناوين عناوين فرعية أخرى تؤرخ لزمن أحداث الرواية وفيها نلاحظ التداخل الزمني الدال بين زمن الماضي الذي تدل عليه بالتقويم الذي كان مستخدماً في الجاهلية وزمن الحاضر الذي يحيل عليه زمن الحدث الذي يتضمنه هذا العنوان والمتمثل في السنة الثانية عشرة من عاصفة الصحراء، وهي السنة التي بدأ فيها الغزو الأميركي للعراق· الأمر الذي يكشف عن الدور الذي يلعبه العنوان على مستوى اختراق بنية النص السردي وتشكيله لنواة بنية دلالية أولية تمثل مفتاح البنية الدلالية للعمل الروائي ككل· تسير الرواية في خطين سرديين يظهر للوهلة الأولى أن ثمة انفصالاً على مستوى البنية السردية الحكائية للرواية بينهما في حين يكتشف القارئ بعد وقت علاقة الترابط والتكامل الدلالي بين الحدثين على الرغم من أن الخط السردي الأولى يأتي محدوداً ومكثفاً تستخدم فيه الكاتبة الوثيقة الخبرية المأخوذة من أخبار صحفية وإعلامية تتعلق بالمواجهة التي حدثت بين العراق والولايات المتحدة الأميركية قبل بدء الغزو الأميركي للعراق بحجة تدمير أسلحة الدمار الشامل فيه· أما الخط الثاني والذي يبدو مختلفاً كلياً فيروي حكاية حب مستحيلة بين فتاة سعودية وشاب يقف لونه وانتماءه القبلي حائلاً بين زواجهما ووصول هذه العلاقة إلى مبتغاها المشروع بسبب طبيعة القيم والعلاقات الاجتماعية التي تحكم الواقع الاجتماعي· التحفيز الواقعي تستخدم الكاتبة ضمير الغائب في السرد الروائي الذي جاء على شكل مذكرات استخدم فيها التحديد الزمني للأحداث، وفي بعض الأحيان الأسماء الواقعية للأماكن المعروفة التي ستجري فيها أحداث الرواية أو التحديد الزمني والمكاني معاً (الواحدة والنصف فجراً ''غرفتها'' / شارع قربان/ شارع قباء النازل/ الحادية عشرة ليلاً/ الثامنة مساء ''المستشفى''···)· ولا شك أن استخدام الأسماء الواقعية للزمان وكذلك التاريخ لزمن الرواية بأحداث كبيرة معاصرة يكشف عن التحفيز الواقعي الذي تسعى الروائية من خلاله إلى تعزيز الإيهام بواقعية أحداث الرواية من أجل التأثير في القارئ وتعزيز تفاعله مع أحداثها وشخصياتها التي يهزمها الواقع بقيمه وعلاقاته الظالمة والطاغية بقوة حضورها· ويلعب خطاب المقدمات أو جملة الاستهلال دوراً مهماً في تحقيق التكامل على مستوى الوظيفة الدلالية مع العنوان الفرعي الذي يحيل على العنوان الرئيس، كما يحيل العنوان الرئيس عليه· يقتحم خطاب المقدمة بنية السرد الروائي مباشرة عندما يتخذ من الحدث المركزي فيها المتمثل في الاعتداء العنيف الذي يقوم شقيقها وصديقه المتعصب على الشاب الذي تحبه بطلة الرواية لين لكي يبعده عنها· وتستخدم الكاتبة شخصية الراوي العليم في سرد وقائع وأحداث الرواية وتقديم الشخصيات فالراوي حاضر مع الشخصيات دائماً في كل الأماكن وهو يعرف كل ما تفكر به ويعتمل في داخلها من مشاعر أو يدور من حوارات وصراعات وبذلك تخالف الروائية أسلوب استخدام صيغة المذكرات في الكتابة الروائية إذ تقدم الأحداث والوقائع بضمير الغائب وليس باستخدام ضمير المتكلم· من المحلي إلى الكوني تستخدم الكاتبة الوثيقة في أماكن مختلفة من المتن السردي دون أن تجعلها تشكل عبئاً على تطور السرد وتنامي حركته وذلك من خلال التكثيف والإيجاز· وتظهر وظيفة الوثيقة المهمة بصورة خاصة في الخط السردي الأول الذي تستدعي فيه مقتطفات خبرية تتعلق بتطورات الأحداث في المرحلة التي سبقت الغزو الأميركي للعراق ومهدت له مما يجعل هذه الوثائق المختلفة تشكل سياقها الذي يستعيد عند القارئ مناخاته وظروفه الخاصة، في حين تلعب الوثيقة في الخط السردي الثاني وظيفة الكشف عن جذور العصبية القبلية والعرقية في الثقافة القديمة التي لا تزال فاعلة في حياتنا الاجتماعية· وإذا كان الغزو الأميركي غير المبرر سياسياً وأخلاقياً للعراق يعكس الطابع الجاهلي الذي ما زال يحكم العلاقات الدولية، فإن استمرار ثقافة التعصب والتمييز على أساس اللون تجعل المشهد في بعديه المحلي والدولي يكتسي دلالة واحدة كما تكتسف بطلة الرواية لين (للحظات كرت الأيام والشهر وهي تخلع أقنعتها أمام عينيها وتعود إلى وجوهها القديمة)· وبذلك يفقد الزمن في الرواية بعده التاريخي وقيمته الحضارية والأخلاقية النابعة من التطور الذي يجب أن تبلغه المجتمعات البشرية في ظل التطور المادي والتكنولوجي والحضاري الذي بلغته·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©