السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منظمات الإغاثة وهيئات حقوق الإنسان ··· حرب غير مُعلنة في دارفور

25 يونيو 2007 03:40
كشفت الأزمة في دارفور عن تصدعات كثيرة، لعل أهمها الهوة المتزايدة بين نشطاء حقوق الإنسان المتكتلين في إطار تحالف ''أنقذوا دارفور'' في الولايات المتحدة (ونظيره ''إنقاذ دارفور'' في أوروبا الغربية) وموظفي المنظمات الإنسانية الذين يعملون في الميدان في دارفور، ومع اللاجئين والنازحين في تشاد المجاورة· ولابد أن القارئ سيُفاجأ بوجود صراع بين المجموعتين؛ إذ يتصور معظم الجمهور العام على نحو يمكن تفهمه أن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة الإنسانية حليفان طبيعيان على اعتبار أن كليهما يقف إلى جانب الخير، ويحاربان القمع والأعمال الوحشية باسم اللاجئين والمقموعين والمهددين· ومما لاشك فيه أن هذا الاعتقاد يزداد ترسخاً لأننا ننعت التدخلات الرامية إلى حماية الناس من القتل الجماعي والتطهير العرقي عادة بالتدخلات ''الإنسانية''، والحال أنها قد لا تكون كذلك· ففي حالة دارفور مثلاً، حيث قُتل 200000 شخص على الأقل وفرَّ الملايين من ديارهم في السنوات الأخيرة، فإن العكس ربما يكون هو الصحيح· إذ تفيد الأنباء بأن عدداً من منظمات الإغاثة العاملة في الميدان في دارفور (وأهمها ''أطباء بلا حدود'' التي تتوفر على واحد من أكبر وأهم البرامج في المنطقة) تشتكي من أنشطة منظمة ''أنقذوا دارفور'' في الولايات المتحدة، وهي شكاوى يعتقد الكثيرون أنها أدت إلى تعديل في المنظمة وقرار مجلسها بإقالة مديرها ديفيد روبنشتاين· وتقف وراء هذه الشكاوى سلسلةٌ من الإعلانات التي نشرتها منظمة ''أنقذوا دارفور'' وتدعو إلى تحرك أقوى في الإقليم، ومن ذلك فرض منطقة حظر للطيران فوق غرب السودان لدرء الهجمات التي تشنها القوات الجوية على سكان الإقليم· غير أن تأثيرات هذا الأمر، مهما حسُنت نوايا المنادين به، تعني بالنسبة لمنظمات الإغاثة الإنسانية تعريض جهود المساعدة الميدانية للخطر على اعتبار أن منظمات الإغاثة نفسها تحلق فوق المنطقة بطائرات لا يمكن تمييزها عن تلك التي تستعملها الحكومة السودانية· علاوة على ذلك، تجادل منظمات الإغاثة مثل ''أطباء بلا حدود'' و''محاربة الجوع'' بأنه في حال إقامة منطقة حظر طيران، فإنها ستقام بدون موافقة الخرطوم، وهو ما ستكون له، مثلما ورد في بيان منظمة ''محاربة الفقر'': ''عواقب وخيمة قد تتسبب في تصاعد مزيد من أعمال العنف، إضافة إلى تعريض المساعدات الإنسانية الضرورية لملايين الأشخاص للخطر''· والواقع أن بعض النشطاء في الولايات المتحدة تأملوا هذه الرسالة وأخذوها على محمل الجد· ولكن الفكرة العامة في رسالة النشطاء تتمثل في أن الشيء الوحيد الذي سيوقف ما يعتبرونه ''إبادة جماعية'' بطيئة هو إما منطقة حظر طيران، أو نوع من أنواع التدخل العسكري الخارجي· ومما لاشك فيه أن كلا الطرفين يريان أنهما يتصرفان على نحو أخلاقي· ومن باب الإنصاف، لابد من الإشارة هنا إلى أن ثمة في منظمات الإغاثة الإنسانية من يفضل التدخل الخارجي، حتى وإن كان هؤلاء يترددون في الجهر بذلك علانية· ولكن حتى إذا أخذنا هذه الحالات في عين الاعتبار، إلا أن الاختلاف قائم وموجود· وهو لا يبرز الحقيقة المحزنة المتمثلة في أن الأمور الخيّرة لا تمشي دائماً، بعضها مع بعض فحسب، بل إنها تعارض بعضها بعضاً أحياناً كثيرة· وكما قال الفيلسوف هيجل ذات مرة، فإن ''التراجيديا هي الصراع بين خيرين''· بطبيعة الحال لا أحد يستطيع البت النهائي بخصوص جدوى تدخل عسكري دولي في دارفور؛ ذلك أن القوات الدولية ستكون مطالَبة في تلك الحالة بحماية أزيد من 100 مخيم للاجئين في منطقة تعادل مساحتها مساحة فرنسا بقوة تحددها أكثر التقديرات تفاؤلاً بـ30 ألف جندي فقط· علاوة على ذلك، فإن عدداً من الأشخاص الذين يشاركون في مفاوضات السلام بين الخرطوم والمتمردين يرون أن التدخل العسكري لن يحل المشكلة· بيد أن الصراع بين منظمات النشطاء الحقوقيين ومنظمات الإغاثة صراع عام لا يقتصر على دارفور· فمثلاً، ظهرت توترات مماثلة بين المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة في حالات أخرى عندما كانت المنظمات الحقوقية تدعو إلى تكثيف العمل العسكري· وفي أفغانستان، كثيراً ما اصطدمت المنظمات النسائية التي كانت تتطلع لرؤية نهايةٍ لقمع ''طالبان'' للنساء مع منظمات الإغاثة، التي كانت تعتبر أن من شأن أي حرب أن تتسبب في معاناة إنسانية بالغة· وبتعبير آخر، فإن منظمات حقوق الإنسان تريد حلولاً للأزمات -ومن ذلك الحلول العسكرية إن اقتضى الأمر- في حين تسعى منظمات الإغاثة الإنسانية إلى تخفيف آثار الحرب والتطهير العرقي، وتعتقد أن التدخلات العسكرية الخارجية تعرِّض مواقفها في الميدان للخطر على اعتبار أن الحياد هو جوهر العمل الإنساني· كما ترى هذه المنظمات أن المنطق الذي يحرك ''التدخل الإنساني'' هو تغيير النظام، وهي تهمة لا ينكرها في الواقع بعض المدافعين عن حقوق الإنسان· أما ما لا يعد موضع نزاع، فيتمثل في أن سياسات المواجهة التي ينتهجها النشطاء وسياسات تخفيف المعاناة التي تتبعها المنظمات الإنسانية، أمران لا يتطابقان· ديفيد ريف كاتب أميركي، مؤلف كتاب ''الأحلام الديمقراطية والتدخل المسلح'' ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©