الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أميركا أولاً»... وأين عالمية أوباما؟

2 فبراير 2011 21:04
جريجوري رودريجيز محلل سياسي أميركي بدا استحضار أوباما خلال خطابه عن حالة الاتحاد في الأسبوع الماضي لرموز الحرب الباردة عندما دعا الأميركيين إلى استعادة لحظة "سبوتنيك" واستلهامها من قبل العمال الأميركيين "للظفر بالمستقبل"، وكأنه عودة إلى خطاب قديم حول "أميركا أولا"، ومبتعداً عن صورته كقائد لنظام عالمي جديد ومعلوم. ومع أن الخطاب كان بالأساس موجهاً إلى الداخل ويركز على القضايا المحلية الكبرى التي تهم الأميركيين بالدرجة الأولى، إلا أن المراقبين توقعوا على الأقل إشارة إلى مبادئه العالمية كالقول مثلاً "إننا جميعاً جزء من العائلة الإنسانية الكبرى" التي رددها في حملته الانتخابية للعام 2008. فأين هي إذن السياسة الخارجية في خطابه؟ وأين ذهب طابعه الدولي والمتعدد الذي عُرف عنه؟ الحقيقة أنه رغم ما بدا على موقف أوباما من تغير في نظرته للشأن الدولي في خطاب حالة الاتحاد للعام 2011، وتبنيه لنظرة مختلفة قائمة على الاستغلال السياسي للحظة الدولية الراهنة لصالح أميركا والانخراط في منافسة شرسة الهدف منها الإعلاء من شأن أميركا أولاً، يبقى واقع الحال مختلفاً، فلم يكن هناك تناقض أبداً بين "الأسرة الدولية" التي روج لها أوباما في خطاباته السابقة وأجندته الانتخابية وبين الأنماط التقليدية للوطنية الأميركية، حتى تلك المرتكزة على الرغبة في التفوق على باقي العالم وإحراز قصب السبق في كل المجالات. فقبل ثلاث سنوات كانت فكرة التعددية العالمية التي تروج لفكرة المشترك الإنساني الواحد والروابط البشرية الراسخة، معطى قائماً في نظر أوباما للعالم باعتباره أحد أركان سياسته الخارجية. وانبرت الأقلام المختلفة في امتداح طابعه العالمي غير المتعصب وتواصله مع شعوب العالم وبناء الجسور مع الثقافات المختلفة. ففي عام 2008، عندما تحدث أوباما الذي كان مرشحاً للرئاسة أمام حشد تجاوز 200 ألف مواطن في برلين، أصر على "الشراكة والتعاون بين البلدان" باعتبارها "الطريقة الأمثل لحماية أمننا والدفع بالإنسانية إلى الأمام"، كما حث الناس بأسلوبه البديع على "الإصغاء لبعضهم البعض والتعلم من الآخرين، والأهم من ذلك الوثوق في بعضهم البعض". والأمر نفسه واصله أوباما في خطابه الموجه للعالم الإسلامي في القاهرة عام 2009 عندما قطع مع عبارات "نحن مقابل الآخر" القديمة ودعا إلى المزيد من الشراكة الدولية قائلاً "إنه بالنظر إلى اعتمادنا المشترك على بعضنا البعض، فإن أي نظام دولي يعلي من شأن بلد أو شعب على الباقي سيكون مآله الفشل". وبالطبع لم يمر هذا الانفتاح الذي أبداه أوباما تجاه العالم دون انتقادات على الساحة الداخلية، بحيث تأرجحت الانتقادات بين حدها الأدنى متمثلاً في اتهام أوباما بالانفصال عن الواقع الأميركي والمبالغة في الاهتمام بالقضايا العالمية على حساب الداخل؛ وبين الهجوم القاسي الذي رأى في مواقف أوباما المنفتحة تخاذلاً في مواجهة الخصوم وموقفاً غير وطني في التعامل مع العالم. لكن هل هناك تناقض أصلاً بين العالمية وبين الوطنية؟ وهل يفترض الانفتاح وتبني قيم دولية التخلي عن قضايا الداخل والهواجس المحلية؟ وهل أيضاً يختلف التعاون الدولي مع دعوات أوباما الأخيرة لـ"التوفق الأميركي في مجال التعليم والإبداع والإعمار على باقي العالم"؟ الحقيقة أن إجابة الفيلسوف "كوين أنثوني أبيا" هي النفي، ففي نظره لا تضارب بين القيم العالمية والتعاون الدولي والانفتاح على الآخر وبين التمسك بالوطنية، موضحاً ذلك بقوله: "نحن كأناس ندافع عن العالمية يمكننا أيضاً أن نكون وطنيين ومحبين لبلداننا، ليس فقط في الأماكن التي ولدنا فيها، بل حتى في تلك التي ترعرعنا فيها، كما أن ولاءنا للإنسانية بصفة عامة بطابعها الواسع والمجرد لا يمنعنا من الاهتمام بمن هم أقرب منا". ويمكن عكس هذا المنطق بالقول أيضاً إن حب الوطن والبدء بالأقرب قد يكون الخطوة الأولى لإظهار التعاطف مع العائلة الإنسانية بأجمعها، كما أنه فقط بالانطلاق من الأسرة الصغيرة ومن أحيائنا ومدننا وبلداننا نستطيع حب الإنسانية في بعدها المجرد، وبعبارة أخرى لا يمكن للوطنية أن تكون على طرف النقيض مع العالمية لأنها من شروطها الأساسية. كما أن التنافس الذي دعا إليه أوباما مع القوى الأخرى مثل الصين والهند لا يعني التخلي عن التعاون الدولي، فأميركا لا تستطيع الرجوع بالزمن إلى الوراء عندما كانت الشركات الأميركية مثل "إيديسونز" و"فورد موتر" تسود العالم، بل عليها ألا تحاول ذلك. وفي المقابل عليها التعاون مع المنافسين واستيعاب إنجازاتهم للاستفادة منها. ومع أن خطاب أوباما في الأسبوع الماضي عن لحظة "سبوتنيك" بدت وكأنها تخلياً منه عن الشراكة العالمية، إلا أنه في سوق عالمية قائمة على المنافسة الشرسة بين مختلف القوى يبقى من مصلحة أميركا الجمع بين الوطنية والعالمية لأنها ضمان النجاح في المستقبل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©