الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البخور.. تاج العطور وزينة البيوت في اليمن

البخور.. تاج العطور وزينة البيوت في اليمن
9 يناير 2016 20:36
مهجة أحمد سعيد (عدن) البخور مكُون من مستحضرات عطرية متنوعة الأصناف، تستخدم بعد عملية خلط ومزج بينهم، يتحول بعدها إلى مركب خمري يميل للِاسوِداد أو البني الداكن في الغالب، اشتهرت النساء اليمنيات خاصة العدنيات من جنوب اليمن بصناعة هذه الرائحة الزكية، وتفردت بمحاسن صنعته، فالبخور صاغ الكُتاب فيه حكاية هذه المدينة المسالمة، وفجر ينابيع الفن والحب والجمال في قصائد الشعراء الذين تغنوا بسحر شواطئها وجمال ليلها وتسامح أهلها. البخور العدني خبرة محلية وأصالة ملأى بالإبداع الفني الفطري الرائع بالحضارة والفن والمورث الإنساني للأجداد الذي أثار إعجاب كل من يزور مدينة عدن، فأهالي عدن لا يزالون يحتفظون بأسرار ومكونات هذه الصناعة على الرغم من كل الظروف التي يمرون بها، ويسعون على أن تبقى من ضمن الهوية والإرث الثقافي الخاص بمدينتهم. تتباين صناعة وطبخة البخور الأصلي من حيث طرق وأساليب صناعة البخور التي تنعكس على جودة البخور وسعره، وفقاً للسيدة جليلة ألمسمري، من ذوات الخبرة في صناعة البخور المنزلي منذ أكثر من ثلاث وعشرين سنة التي استعرضت طرق تحضير طبخة البخور، مشيرة إلى أن البخور أنواع، منه العرائسي والعادي. وقالت: «إن كل طبخة تحضر بمواد وأصناف معينة من العطور والعود والعنبر والظفر، فمثلاً البخور من الدرجة الأولى قد يصل سعره ما بين 25 إلى 40 ألف ريال عند طباخته، لاحتوائها على أوقية من العود الأصلي ذات السعر الغالي والعنبر والظفري وعطر مجموع من أفخم الماركات الأصلية والغالية الثمن، وعندما تكتمل هذه الطبخة تسمى بطبخة البخور العرائسي، ويعد من أفضل وأجود البخور، يليها طبخة البخور التي تحتوي على أوقية من العود والعفص والمسك والدنة العطر بأسعار متوسطة وتتألف الطبخة من أصناف غير غالية الثمن هنا يكون البخور درجة ثانية من القيمة والنوعية ثم يأتي بخور الدرجة الثالثة، وهي أدنى جودة وأصالة في الرائحة والمكونات تحضر من دقة العود يضاف إليه المسك والظفري والمستكي وند العطر الخفيف رخيص الثمن، ويستخدم هذا النوع في تبخير البيت اليومي التي تعتاد على عمله النساء من أجل إضفاء راحة زكية للمنزل بعد العصر من الأعراف التقليدي للنساء في مدينة عدن، وتضيف المسمري: تختلف وصفات إعداد البخور باختلاف مكوناته ومن صانعة إلى صانعة فبعض النساء يكتسبن شهرة واسعة في عملية تحضير وصناعة البخور تتجاوز نطاق الحي والمدينة لتصل إلى مدن مجاورة لها طالبين ما تنتجه من البخور، حيث يتسابق الكثير على اقتناء أفخم أنواع الطباخات التي تعد من أجل هذا السبب، والتي تخصص للأعراس أو تبادل الهدايا في المناسبات الاجتماعية أو يتم إرسالها للمغتربين في الخارج. لم تقتصر صناعة البخور على النساء ربات البيوت أو من ذوي العائلات المعروفة بعدن فقط من دون غيرهم، بل شملت في الوقت الحالي الرجال والشابات الموظفات وأصحاب المحال التجارية التي تتزين رفوف المحال، وتزهو بأطيب أصناف البخور سوء من يحضر بالبيت أو الجهاز المستورد، كما أن لأهمية هذه الصناعة من مصدر مدر للدخل، في ظل البطالة وقلة فرص العمل عمدت كثير من الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية التنموية النسوية والخيرية في عدن بتنظيم دورات تدريبية في مجال صناعة البخور للحفاظ على هذا الإرث التراثي والاجتماعي والثقافي، واستمرار مواصلة هذه الصناعة، ونقل مهاراته و خبراته بين الأجيال حتى لا تُهمل وتُنسى داخل التاريخ القديم الذي عرفت به مدينة عدن، وتستهدف فيها فئات متنوعة من النساء حاملات الشهادات وربات البيوت من أجل عملية دمجهن في سوق العمل وتحسين أوضاعهن المعيشية والاقتصادية لما له من أهمية كبيرة في انتعاش السوق المحلية من هذه الحرفة المرغوبة فيها عند كثير من اليمنيين الذي يعانون أوضاع معيشية صعبة في السنوات الماضية، حيث تحتاج هذه الحرفة التقليدية إلى اهتمام من السلطات المحلية لدورها المهم في تحسين الاقتصاد الوطني إذا تم الاستفادة منها واستخدامها الاستخدام الأمثل. وتشير أسمهان السلامي، معلمة، إلى أن صناعة البخور ليست صعبة أو معقدة هي طبخة عادية، ومكوناته سهلة، تحصل عليها من أي عطار أو محل بيع العطور، الخبرة والحرفية هي كل ما تحتاجه عن صناعة البخور فهي حوائج وعطور ذات جودة عالية تعمل على التحكم بها بدقة وتفاصيل لكي تحصل على بخور من الدرجة الممتازة، وعن سبب الفارق أسعار درجات البخور الممتاز «العرائسي» على الرغم من أنه من درجة أولى، توضح سلامي، الفارق يرتبط بجودة المكونات، حيث إن طبخة العرائسي ذات السعر الغالي، يستخدم فيه العود الأصلي الذي يقدر سعر الأوقية منه ثمانية إلى عشرة ألف ريال وما فوق، بحيث تعادل كل أوقية من هذا العود كيلو من السكر فقط، وهو معيار متعارف عليه لصناعة البخور الأصلي، مؤكدة أنها تعلمت صناعة البخور بهدف تحسين دخلها المادي، في ظل الأزمات الاقتصادية التي مرت بها اليمن. ويقول أنيس العريض، صاحب محال للعطور ومستحضرات التجميل بمدينة التواهي، كانت عدن مستودعاً للبخور والعطور في العالم، فاليمن اشتهرت قديماً بتجارة البخور واللبان والمر من قبل الإسلام لاستخدامها في المعابد ضمن الطقوس والشعائر الدينية الخاصة بتلك الفترة السحيقة، فصناعة البخور العدني ينقسم إلى قسمين، فاخر وعادي، العادي يكون في تركيبه الكثير من السكر، أما البخور العدني الفاخر من العود الأصلي والعنبر والمسك والزعفران والظفر والعفص والهيل والخضاب، وخلطة خاصة من العطور الغالية المركزة، اهمها الفل، الكادي، العنبر، المشموم، الحنون ومخلط عرائسي ورد اسطنبولي والقماني والرغبة وفيجي وسكيب وساعة صفا وعطر الإمارات ونورا والمسني ومهُرة، والقليل القليل جداً من السكر، ويطبخ على نار هادئة، ويستمر بالتقليب ثم يضاف إليه العود الأصلي والعطور بالتدريج، ويترك حتى يبرد ويتماسك الخليط ، وعظمة هذه الطبخة الثمينة تعتمد على خبرة طويلة، وهو بقاء هذا الخليط على النار مدة محددة، تكتسب بالتجارب الطويلة في هذه الصناعة المميزة التاريخية الغالية، فمن أحب الشيء اتقنه، ومن اتقن صنعته فقد ربح، فالمحل يوجد فيه كل المكونات اللازمة لصناعة البخور والزبائن من كل الأعمار والأجناس، لما يتركه من أثر رائع في النفس عند استنشاقه، ويزداد الطلب عليه في الأعياد والمناسبات، وسابقاً في موسم السياحة التي كانت تعود علينا بالفائدة من العملة الصعبة، للأسف اختفى السياح بسبب تدني الأوضاع الأمنية والأزمات المتلاحقة على البلاج، جميعها أثرت على النشاط والتجارة داخل عدن خاصة واليمن عامة، لكن عشاق الروائح الزكية للبخور من اليمنيين في المحافظات الأخرى لا يزالون يترددون على المحل الذي لن يتوقف عن تقديم المشورات والنصح في بيع وشراء البخور العدني كما يقول مالكه. طريق البخـــور من سنين ظل الموقع الاستراتيجي المهم التي تتمتع اليمن به منذ الآلاف السنيين والمتفرد كمحطة للتبادل التجاري بين خطوط التجارة العالمية للشرق والغرب، جعلها محل أطماع الغزاة والمستعمرين، فمدينة عدن التي قبعت تحت احتلال أكثر من دولة على مر العصور، كان آخرها الاستعمار البريطاني التي مكث فيها قرابة مائة وثمانٍ وعشرين سنة، جعلت منها مدينة مهمة لتجارة العالمية والمكاتب والشركات التجارية الدولية التي جلبت معها موظفين وعاملين من جاليات ذات حضارات وثقافات ومعتقدات وحرف مختلفة، ساهمت بصورة واضحة في تشكيل الحاضنة العدنية لسكان هذه المدينة الساحلية، فأخذ أبناء عدن حرفية ومهنة صناعة البخور من الجالية الهندية والباكستانية والإيرانية الذين أجادوا هذه الصنعة الجميلة وخبروا فنونها، وبفطنة وحذاقة الإنسان اليمني، العدني، تذوقوا هذه المهنة، وأضاف إليها الروائح والعطور الزكية الفواحة، وجعل منها ذوقاً وتميزاً وفناً، تزينت بها البيوت والمحال والشوارع التي فاحت منها وتصاعدت إليها روائح البخور العدني الأصيل الذي أعجب كل من يزور عدن، وأصبح له رواج كبير على مستوى اليمن في الداخل والخارج. حكاية مدينـــــــــة تنتشر صناعة البخور كإرث شعبي تقليدي، وموهبة فنية في المناطق الساحلية الجنوبية لليمن كمحافظة عدن ولحج وإبين وبعض من أجزاء تهامة، وما يميز خلطة البخور عوامل عدة، منها جودة المادة والرائحة ومهارة اليد، والخبرة التي تحتفظ بها صانعة الخلطات، وتعتبرها سر المهنة التي لا ينكشف للغرباء، وإنما يبقى رهين العائلة الواحدة يتوارث بين الأجداد إلى الأبناء، فمدينة عدن تخصصت من المدن اليمنية بأصالة هذه الصنعة الصامدة أمام عالم مستحضرات العطور والزينة البراقة، المروجة لها بالوسائل الحديثة المتطورة، وصمدت بصلابة وحنكة، ملتزمة بثوابت مواد البخور الأصيلة، وقدمت أرقى أصناف البخور، ومجموعة من العطور المطبوخة المعروفة عند النساء، والأخضرين الذي يشاع استخدمه لدى النساء اليمنيات، فالأخضرين يحضر من قلب نبات زهري يطلق عليها (ثمرة)، تضاف إليه أوراق الأوزاب وأعواد العود، وقليل من عشبة الريحان والطيب، يقوم بطحنها جميعاً ونخلها وتصفية ما تبقى من الشوائب، وتخلط بمزيج العطور الثقيلة المركزة، مثل عطر معشوقة والفاخر وليلة خميس، وغيرها، حيث يوضع المستحضر بعد تحويله لمادة عجينية في إناء دائري مجوف، يقوم بتبخيره بالبخور من أجل اكتسب الأخضرين رائحة جميلة، ويترك لفترة زمنية تتخمر معه المواد وتمزج مع بعضها بعضاً، وفي هذه الحالة يكون الأخضرين جهاز لاستخدامه ووضعه في الشعر أو دهن بالجسم مع البخور الذي لا يزال يحتفظ بمكانته حتى اليوم في الطقوس العدنية المصرة على استمرار هذه الصناعة .
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©