الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حـب وغيـرة وجـوع

21 يونيو 2007 02:26
يقول راد أوليك وبرانكو راديشفيتش في كتابهما ''أغاني الغجر'' ترجمة الدكتور عبدو زعبور والصادر عن دار التكوين بدمشق: ''جمعت هذه الأغاني التي تتضمنها هذه المجموعة خلال سنين عديدة، ودونت مباشرة أثناء إنشادها من قبل مغنيها، والميزة الحاسمة فيها هي الارتجال، تم أداء هذه الأغاني بإلهام، ولم يفكروا بحفظها أو تدوينا للأجيال القادمة، والسبب الأساسي أنها كانت تستخدم من أجل اللهو أثناء التجوال أو في مناسبات الأسواق السنوية تُبدع فيها هذه الأغاني، وتتميز باللامبالاة، وبريق اللحظة والنفس القصير، القصائد الدرامية والرومانسية نادرة في أشعاره''· إذا كان الموطن الأصلي للغجر هو الهند، فهم لم يعترفوا بأي وطن، وكان المجهول وطنهم الحقيقي· والغجر كما عرفناهم في حياتنا، يظهرون فجأة محدثين بلبلة، ونسجنا عنهم قصصاً خيالية لا صلة لها بالواقع، يسرقون الأطفال ، يقرأون طالعنا وينغصون لنا حياتنا، أو يسعدونها، نصدقهم في الحالتين، يضعون لنا أسنان الذهب في فمنا ويرحلون مبتسمين· إن خصوصية الأشعار تتأتى من خصوصية تجربة الغجر، فأغانيهم تشعرنا بالطزاجة، لأنهم أقل من استعاروا من الآخرين، ولم يدونوا ما غنوه· جوي يا إلهي، ماذا فعلنا/ لقد سرقنا جياداً/ شددناها إلى العربة/ وهربنا بعيداً، بعيداً· يحكي الغجر في أغانيهم حياتهم وتجربتهم الخاصة جداً، وكأنهم شعب وصل تواً إلى طفولته، وقدرة التعبير عندهم أقرب إلى البراءة، وكأنه لا يبتعد إلا خطوات عن مهد طفولته، لذلك تبدو أغانيه في غاية الأصالة، أو صادرة مباشرة من الأحاسيس الأولية لضغط الحاجات· إيه لو كنت عصفوراَ/ وأستطيع أن أطير حيث أريد/ لتركت نفسي أسقط على وعاء،/ وعاء كبير·/ أحط على حافته/ وآكل من اللحم حتى التخمة· يجسد الغجر تراجيدياً شعباً استغنى عن العودة إلى الوطن؛ لأنه أضاع الطريق المؤدي إليه· لقد اختاروا طريقة حياتهم، وهي الطريقة التي حملتهم على طرقات القدر المجهولة، من الهند إلى أوروبا، نشروا أغانيهم· ولهم قصة أوديسيوس الغجري غير المدونة ككل التراث الغجري، لأنهم شعب لا يدون، ولكنه بطل بلا نهاية، ولن ينال الراحة أبداً، لأنه لا وطن له ليعود إليه، الشيء الدائم لديهم هو الخوض في المجهول· لذلك فهم يمسكون باللحظة الهاربة لأنهم دائماً يحاولون تثبيت هذه اللحظة لتحقيق أحلامهم· جاء الموت/ لا تتركني أموت يا ربّ·/ سأختبئ تحت السرير·/ مولاي لا تتركني أموت/ وأنا في هذا الشباب/ الموت على العتبة·/ أمانيّ لم تتحقق بعد/ موت أسود، ليل أبيض·/ الموت فقط أسود·/ لا تتركني أموت يا رب·/ حتى تتحقق كل أمانيّ· بالرغم من أن دائرة المواضيع في أغاني الغجر ضيقة ومحدودة: البؤس والجوع، السعادة، الغيرة، الحب، الوقاحة، الغيرة···إلخ وفي معالجتهم لمواضيعهم ولا كلمة فائضة، ولكنهم يوسعون عالمهم بهذه الأغاني الطفولية والمجردة من أي استطالة· وقد بقي نموذج الغجري على حاله ولم يتغير، مصنوع من ذاته، ومن القدر الذي يسوقه دائماً على الطرقات المفتوحة، وكأنه مثقل باللعنة· يحيا بشطارته، ويمضي في طريقه· ولا يسأل إلى أين؟ لا يعرف إلى أين المسير· سلاحه الهروب· يخلق الشعر الذي لا يعيه هو نفسه، ويعبر عن الحب بطريقته الخاصة· صباح الخير أيتها الجميلة!/ ألف دينار قليل من أجل نظرة منك/ ومن أجل صدرك/ أسير عشر سنوات مشياً على الأقدام/ أنسى اللغة من أجل شفتيك·
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©