الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بوليوود» صانعة المزاج الهندي

«بوليوود» صانعة المزاج الهندي
13 ديسمبر 2012
في قلب آسيا تفاخر “بوليوود” الهندية بأنها واحدة من أكبر مقرّات إنتاج الأفلام على مستوى العالم، وقبل أن يرحل العام 2012، ويسدل ستارته على أهم الأحداث الثقافية والسينمائية التي شهدتها أوساط الابداع في مختلف أرجاء الأرض، تظل “بوليوود” محط الأنظار، وتحت الأنوار الكاشفة، وهي تحتفل هذه الأيام بمناسبة مرور مائة عام على تأسيسها، بعد أن وضعتها إنجازاتها العظيمة في مجال صناعة الأفلام وصناعة نجوم التمثيل السينمائي والغناء، والنقاد والرقص الكلاسيكي والحديث في مقدمة المدن السينمائية، منافسة بقوة “هوليوود” مركز صناعة الفيلم الأميركي. أحمد علي البحيري لقد صنعت هذه المدينة التي أصبحت قبلة سياحية وثقافية أهم نجوم السينما الهندية، الذين تصدروا أهم نتاجاتها من روائع الأفلام، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: راج كابور، أميتاب باتشان، شاروخان، أشواريا راي باتشان، كارينا كابور، بريتي زينتا، رافينا تاندور، كاريسما كابور، أمير خان وغيرهم كثيرون ما زالوا يحتلون واجهة الأفلام الكبيرة، وبعضهم وصل الى السينما الأميركية والأوروبية، وأكد حضوره وتألقه، مستمدا ذلك من جهود هذه المؤسسة الوطنية الطموحة، التي يعتبرها عديد النقاد وأحدة من أهم حرّاس التراث الهندي، بل وإيصاله الى العالم بطريقة باهرة تقوم على تقنيات مبتكرة ومعاصرة، بعد أول انطلاقة لها عام 1912، بفيلم صامت بعنوان “رشا أراشا ندرا” وصنعه دادا صهيب فالكي، مؤسس وعرّاب السينما الهندية، وحقق الفيلم نجاحا شعبيا ساحقا، ومنذ ذلك الحين شهدت صناعة السينما الهندية تطورا ملموسا، لتصبح فيما بعد أضخم سينما في العالم على مستوى كمّ الانتاج، وعدد العاملين في حقولها المختلفة، وبخاصة حقل التسويق والإنتاج الذي يكاد يغطي معظم دول العالم. إن أهم قيمة للسينما الهندية في تقديري، هو نجاحها وثباتها عبر 100 عام، على تقديم أصالة المجتمع الهندي وموروثه الثقافي والاجتماعي والانساني عبر الأفلام التي تقدّم للمتفرج أينما كان (المحلية الخالصة) في إطار حضاري عالمي، كما أنها نجحت في تقديم طبيعة المكان وهويته، من خلال تأثيرات شرقية وبصمة إبداعية تبدو في الأغنيات والرقص والأزياء، والتقاليد الشعبية التي تعكس هوية الشعب في خضم التطور المتسارع التي تشهده آسيا بوجه عام، والهند بتعدد فئاته ودياناته بوجه خاص، بالإضافة الى ما تحققه أفلام السينما الهندية من متعة إضافية للجمهور، فهي في الواقع الأكثر انتشارا في العالم، لما تتميز به من خصائص كثيرة ترجع لتاريخها وثقافتها وتقاليدها العريقة التي قامت على أكتاف أبنائها المخلصين دون الاعتماد على الخبرات الأجنبية، وعلى رأسهم مؤسس حركة السينما الجديدة في الهند المخرج الراحل (سيتيا جيت راي) الذي حاز جائزة الأوسكار عن مجمل أعماله، وهو على فراش الموت. لسنا هنا بصدد الحديث عن تاريخ “بوليوود”، بقدر ما نود الإشارة الى القيمة الثقافية والفكرية والسينمائية التي تتمتع بها كمؤسسة ومركز لصناعة السينما الجديدة المتطورة، وكذلك عن الاحتفاء العربي بها، من خلال تكريمها ضمن فعاليات “مهرجان مراكش الدولي للفيلم” في دورته الثانية عشرة، التي اختتمت فعالياتها في العاشر من ديسمبر الجاري تحت شعار “مراكش مدينة السلام”، وقد تم تخصيص هذه الدورة للاحتفاء بالسينما الهندية، ومدينتها العريقة بحضور 50 شخصية هندية تصدرها نجم الهند الأول العالمي أميتاب باتشان، وضمّت العديد من كتاب السيناريو والنقاد وأبرز العاملين في حقل الانتاج والمونتاج السينمائي والممثلين، ومن بينهم: شاروخان، شارميلا طاغور، والناقدة السينمائية الشهيرة شوما شايتلجي. كما تمّ تكريم خاص لواحد من أهم رموز السينما الهندية وهو المخرج ياش شوبرا الذي رحل فجأة مطلع هذا العام، وتابع جمهور المهرجان على هامش التكريم فيلمه الشهير “حتى آخر أنفاسي”، فيما افتتح المهرجان وسط حضور أكثر من 1000 شخصية سينمائية من أنحاء العالم بالفيلم الهندي الذي يحمل عنوان العائلة الهندية “كابهي خوشيكا بهى غام” بحضور أميتاب باتشان، كاران جوهار، جايا باتشان، فرحان أختر. ربما أهم ما يميز أفلام السينما الهندية غير ما ذكرناه ، مضافا إليه هو نجاح “بوليوود” في إنتاج افلام بست عشرة لغة من أهمها الانجليزية، هو (صورة البطل والبطلة)، حيث كان البطل في أفلام السبعينيات، تجسد كل الامكانيات التي كان يعكسها أميتاب باتشان، ومع اختفائه في مراحل لاحقة، اختفت صورة وشخصية المرأة التقليدية، لتظهر السيناريوهات الجديدة المرأة البطلة في صورة جذابة شكلا وموضوعا، وجمعت شخصية البطلة في تلك الأفلام بين القدرة على الرقص والحركة والغناء، وتجسيد فكرة الحب الجميل كما في أفلام “الحب في المترو” و”الصفحة التالفة” وغيرها.. أما صورة البطل في السينما المعاصرة، فيشترك في تكوينها مدرب الرقص ومصمم الملابس والمخرج، والموسيقي الذي يقوم بتلحين وتجهيز الأغنيات، كذلك محترفو الدبلجة، إذ إن معظم الأبطال والبطلات يعتمدون على أداء الأغنيات الجاهزة عن طريق فن الدوبلاج. وغير ذلك فقد وصلت السينما الهندية الطليعية الى قمة أدائها بعد خروجها من شرنقة أفلام المصادفات، الى دائرة الانتاج العالمي، من خلال مواضيع تتناول قضايا الارهاب وحقوق الإنسان وغيرها، ومن أمثلة ذلك أحد أهم روائع السينما الهندية المعاصرة “المليونير المتشرد” الذي كتب قصته قنصل الهند في اليابان (فيكاس سواروب) الذي حصد الأوسكار، كونه فيلماً بوليوودياً صنع بمهارة وتقنيات متفوقة على نتاجات هوليوود في تلك الفترة ، وغير ذلك فقد نجت أفلام “بوليوود” من عاصفة الأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت بسينما العالم، من خلال تحقيق افلامها أعلى الايرادات، ونجاح شباك التذاكر في الصمود، بل والتواصل مع الجمهور دون أدنى تغيّر، بحيث ما زالت هذه السينما الرائدة محافظة على خط إنتاجها، فتبلغ قيمة حجم صناعة الأفلام الى 2 مليار دولار سنويا. في الواقع السينما الهندية ليست خارقة أو تملك عصا سحرية لكي تحقق كل هذا النجاح، لكنها في حقيقة الأمر سينما ذات لغة وسمات إنسانية، كما أنها متجددة ومتطورة، تجارية العصر، دون أن تسقط في فخاخ التجارية، وثقافة السلطة، سينما حرّة تحافظ على ثوابتها منذ انطلاقتها، مرورا بعصرها الذهبي (1985 ـ 1995) وفيلمها الرائع “جومار”، وانتهاء بسينما اليوم التي يقودها نخبة من الشباب (شاهيد خان، سلمان خان، عائشة تاكيا) الذين حققوا لهذه السينما سمعة عالمية طيبة، الى الحد الذي دفع بالمسؤولين في مدينة شتوتغارت الألمانية الى تنظيم مهرجان دولي خاص للسينما الهندية عبر خمسة أيام بعنوان (بوليوود وما بعدها)، في إشارة الى آفاق صناعة السينما الهندية التي تنفرد عن بقية سينمات العالم بتصميم تلك الأغاني الراقية والاستعراضات الفلكلورية الجميلة، حيث تحتضن “بوليوود” أكثر من 25 مؤسسة تعنى بتعليم الغناء والموسيقى والرقص. كما أن للشباب افلامهم المعاصرة وأبطالهم المحبوبين، ففي غمرة تقديم الافلام الكبيرة، لا يتناسى القائمون على صناعة السينما تقديم افلام عصرية جديدة تناقش قضايا شباب الجامعات، والجيل الجديد، فهم يعرضون لهم هذه الأيام كوكبة من هذه الافلام منها على سبيل المثال فيلم: “هناك من يخطب ودّ قلبي” من أفلام الشباب والمرح، وفيلم “أسكن بجوار نهر جانجا”، وعديد الأفلام ذات الصلة بالرومانسية المعاصرة. أحدث خبر حول استعدادات مهرجانات العالم للاحتفاء بمرور 100 عام على تأسيس “بوليوود”، ما قرره القائمون على مهرجان كان السينمائي ممثلا في مدير الادارة السينمائية في المهرجان كريستيان جون، بتكريم السينما الهندية خلال فعاليات الدورة 66 من المهرجان التي ستقام في الفترة ما بين 15 الى 26 مايو 2013، لتصبح الهند بعد هذا التكريم الخاص الدولة الثالثة بعد مصر (2011) والبرازيل (2012) التي يتم تكريمها، وتسليط الضوء عليها بصفة خاصة بهذه المناسبة، كونها دولة ذات تاريخ وحضارة عريقة ساهمت في تطوير صناعة السينما والارتقاء بها عالميا. وتتواصل الاحتفالية في أكثر من بلد حول العالم، لكن يهمنا الاشارة الى الاحتفالية الضخمة التي نظمتها الهند بهذه المناسبة من خلال (مهرجان الهند السينمائي الدولي) في دورته الثالثة والأربعين في الفترة ما بين 20 الى 30 نوفمبر الماضي، وتضمن المهرجان مسابقة للافلام الروائية، كما أدخل الى نظام جوائز المهرجان جائزة جديدة تحت عنوان (جائزة المئوية)، وستمنح لأفضل فيلم روائي يستخدم أساليب جددية ومبتكرة في التصوير الحركي، من حيث النواحي الجمالية والتقنية والابداعية. يذكر أن المهرجان يتضمن أقساما عديدة للسينما العالمية، والافلام التاريخية الأجنبية، وقسم البانوراما الهندية، كذلك بازار الأفلام الذي يطرح للجمهور أفلاما متنوعة من السينما الهندية والعالم، كما تم توقيع وإعادة قراءة وتحليل لكتاب الناقد الهندي الشهير “بريميد راناث مازامدر” بعنوان “مئوية السينما الهندية”. قال الزعيم الهندي الماهاتما غاندي: “أميركا قوية بهوليوود ووكالة المخابرات سي آي إيه”، فيما أكد أحفاده أن الهند قوية ببوليوود، وتقاليدها العريقة، وبهذا الوعي نجحت مدينة صناعة الأفلام في زيادة إشعاع الهند على العالم. صحيح أن ألأفكار والموارد والسياسات مختلفة، ولكن الابداع الحقيقي والانساني أغلى على الدوام من المال، والدليل على ذلك أن “بوليوود” ومنذ انطلاقتها الأولى ظلّت المنافس الأقوى والوحيد لهوليوود الأميركية، وبخاصة في سوق الفيلم في الوطن العربي ودول أفريقيا، ولا يمكن أن ينسى أحد ما حققه فيلم “اسمي خان” من شعبية لدى المشاهد العربي، لقرب مضمونه وجدانيا وثقافيا وإنسانيا من الانسان في أي مكان. ليظل بذلك الفيلم الهندي في الصدارة لأسباب كثيرة أهمها: السرد القصصي الواضح والبسيط المفهوم لكل شرائح المتفرجين، المحافظة على حياء المتفرج من الخدش والابتذال، من خلال عرض فن الغرام المحبب الى النفس دون إبتذال جسدي، التصوير في الفضاء الواسع الذي يبرز طبيعة الهند الخلابة وأمكنتها وهويتها، من خلال الفن المعماري التقليدي، بما يسمح للمتفرج من مشاهدة طبيعة ومعالم وتقاليد هذا البلد، من خلال الفيلم، دون صدم الوجدان الجمعي، عرض أنيق للتصاميم في مجالات الرقص والاستعراض والغناء لتحقيق أعلى درجات الفرجة والمتعة البصرية للمتلقي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©