الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البحث عن الهوية الغائبة

البحث عن الهوية الغائبة
13 ديسمبر 2012
مشكلة المصطلح في الممارسة النقدية العربية من أكثر المشكلات التي تواجهها تلك الممارسة، إما بسبب الاختلاف في ترجمة المصطلح، أو نتيجة لغياب التعمق في معناه ودلالاته وحدود اشتغاله، أو نتيجة الحاجة النقدية لحصر مجال الاشتغال النقدي، والذي ينطوي على استخدام غير دقيق للمصطلح، حتى غدت تلك الممارسة شائعة عند محاولة دراسة الإبداع العربي في هذا القطر العربي أو ذاك، مثل مصطلح الرواية السعودية، أو الشعر العراقي، أو الرواية المصرية، أو الرواية الخليجية، التي هي موضوع نقاشنا في إطار تناولنا لكتاب هواجس الرواية الخليجية للدكتور رشيد بوشعيرة. إن الحديث عن رواية خليجية يعني أن هناك رواية تمتلك خصائص سردية وفنية وجمالية أو لغوية، أو تتناول موضوعات خاصة ومن وجهة نظر سردية تجعلها تتميز بها، وبالتالي تستمد هويتها الخاصة منها، كما هو الحال مثلا في رواية الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية، أو الرواية الطبيعية الفرنسية، وهو ما ليس متوفرا في الأعمال الروائية الخليجية، أو في غيرها من الأجناس الأدبية الأخرى في أي بلد عربي أو إقليم عربي آخر، بل إن الأمر يكاد يطال مصطلح الرواية العربية عموما، نظرا لغياب تلك الخصوصية، التي تحملها في إطار التجربة السردية والحكائية التي تحوز عليها، ما دفع العديد من الروائيين العرب إلى البحث عن أشكال جديدة تقوم على المزاوجة بين السرد العربي القديم، ومنجزات الرواية الغربية الحديثة. إن هذه الإشكالية في المصطلح تتطلب استبدال مصطلح الرواية الخليجية القائم على التخصيص والتمايز، بمصطلح آخر هو الرواية في الخليج، لأنه لا يحمل في معناه أي دلالة خاصة، يمكن أن يفهم منها أن هناك رواية خليجية، تحمل خصائص سردية أو فنية، تميزها عن غيرها من الأعمال الروائية العربية الأخرى. في كتابه الصادر مؤخرا هواجس الرواية (الخليجية) تستوقفنا مشكلة المصلح مجددا، إذ يعود الدارس لاستخدام المصطلح في عدد من عناوين فصول الكتاب، والقائم على التخصيص لمعنى الرواية، دون أن يكون هناك ما يبرر ذلك على المستوى الأدبي (خصوصية الرواية النسوية الخليجية, ظاهرة التمرد في الرواية النسوية السعودية..). والسؤال هل ثمة صفات خاصة للرواية النسوسة، يمكن أن تجعلنا نطلق عليها هذه التسمية، وهل هناك أيضا رواية نسوية سعودية، أليست الرواية النسوية في السعودية، هي جزء أساس من المشهد الروائي النسوي في الخليج خاصة، وفي الوطن العربي عامة؟!. لاشك أن هناك غيابا للتدقيق في استخدامنا لكثير من هذه المصلحات، الدلالة على هذه التجربة الشعرية أو الروائية أو غيرهما من التجارب الأدبية، في هذا البلد العربي أو ذاك، أو في هذه الجغرافيا العربية أو تلك، وهي إشكالية ليست جديدة في الممارسة النقدية العربية، حتى أضحى تداولها عفويا، وغير خاضع للتدقيق والبحث. يتوزع الكتاب على تسعة محاور يتناول الناقد بوشعيرة فيها جوانب متعددة من البنية السردية، وهواجس الرواية في الخليج العربي، يبدؤها بدراسة خطاب العتبات في هذه الرواية، متوقفا أولا عند بعض المصطلحات التي تشكل مفاتيح مهمة لدراسة خطاب العتبات، وهي الخطاب والعتبة والمقدمة، مشيرا إلى بواعث هذه الدراسة التي تنطلق من غياب التناول النقدي لها، ثم يقوم بتحديد أنماط هذه العتبات مثل نمط العتبة الذاتية ونمط المقدمة الموضوعية ونمط مقدمة النشر، لكنه قبل البدء بعملية تصنيف لوظائف المقدمات في الرواية (الخليجية) ينبِّه إلى علاقة هذا الخطاب بوظائف أخرى، يتداخل معها، ما يجعل هذا الخطاب يتجاوز في الغالب الوظيفة الأحادية. ويجمل الناقد تلك الوظائف في الوظيفة التاريخية، التي تشمل جميع الجوانب الاجتماعية والسياسية والسيكولوجية والاقتصادية والثقافية مدللا على ذلك، من خلال نماذج تطبيقية مستمدة من أعمل روائية مختلفة يتناولها في سياق هذا البحث، إضافة إلى الوظيفة التمهيدية، والوظيفة النقدية التي تنقسم عنده إلى نموذجين هما الوظيفة النقدية الصحفية، والوظيفة النقدية الأكاديمية. ويعيدنا عنوان الفصل الثاني من الكتاب إلى مشكلة المصطلح، ولكن هذه المرة مع التأكيد عليها، عندما يفتتح العنوان بالحديث عن هذه الخصوصية، التي تمتلكها الرواية النسوية في الخليج، على الرغم من أن بوشعيره يحاول في بداية الدراسة أن يعرِّف مفهوم الخصوصية الدال على تلك الملامح التي تميز هذا الأدب وتمنحه هويته، مشيرا في السياق ذاته إلى محاولات بعض الدارسين الغربيين لرصد تلك الملامح التي اختلفوا عليها. وكما هو واضح من العرض الذي يقدمه لرواية الفردوس المفقود للروائية السعودية ليلى الجهني فإن المقصود بمفهوم الخصوصية يقوم على الموضوع الذي تشتغل عليه تلك الأعمال ، كما يكشف عن ذلك بعد قليل عندما يعرض لخصوصية الموضوع فيها، وهنا تتأكد تلك الخصوصية بحسب ما يراه في خصوصية الرؤية وخصوصية الشكل، التي يجدها ماثلة في رواية الجهني. الروايات الأخرى التي يتناولها هي رواية “المرأة والقطة” لليلى العثمان وهي من أضعف أعمالها الروائية، و”الطواف حيث الجمر” لبدريه الشحي, و”حلم كزرقة البحر” لأمنيات سالم, و”النواخذه” لبدريه شويش. وبغض النظر عن القيمة السردية والجمالية التي يمكن أن تميز هذه الروايات عن بعضها البعض، فإن المشكلة تكمن في الخلاصات التي حاول الدارس أن ينتهي إليها في تلك الأعمال، والتي يجملها في ثلاثة سطور، يؤكد فيها على أن تلك الخصوصية تقتصر على أمشاج التجارب والمواقف والرؤى المتفردة، لكنها لا تتجاوز ذلك إلى الأشكال الفنية التي تعد إرثا جماليا، إلا أن الفارق يتمثل في أن بوشعيرة يتحدث في الصفحة السابقة عن خصوصية الشكل في رواية “النواخذه”. في المبحث الثالث يتناول جانبا آخرا من جوانب الكتابة الروائية في الخليج، هو شعرية التصوير الذي يرى أنه يشكل عنصرا عضويا من عناصر طبيعة الأدب ومواصفاته، التي لا يمكنه الاستغناء عنها. وبعد مقدمة مطولة يجمل الوظائف التي يؤديها الوصف للأماكن عند كتاب روائيين من الخليج في الوظيفة الاستهلالية التي لا نجدها تخرج عن إطار خطاب المقدمات في الرواية الواقعية على وجه التخصيص ثم الوظيفة الإيهامية التي يجد أنها تقوم بوظيفة رئيسة في التصوير الروائي بوصفها آلية من آليات الإقناع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©