الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر.. أحوال الحال

مصر.. أحوال الحال
13 ديسمبر 2012
“سياسة الغد”.. كتاب وضعه مؤلفه مريت بك بطرس غالي، قبل حوالي ثلاثة أرباع قرن، صدر سنة 1938، في إعقاب توقيع مصر معاهدة سنة 1936، صدر الكتاب في توقيت صدور كتاب د. طه حسين “مستقبل الثقافة في مصر”، ومع ذلك فمن يطالع “سياسة الغد” يشعر بأنه كتب الآن، في عام 2012، ليس لأن مؤلفه كان سباقا ومتنبئا بالغيب، لكن لأن الواقع كما هو، تغير الشكل، لكن يقي الجوهر، أي الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. يلاحظ مريت ان المصريين شغلوا بقضية الاستقلال التام والتحرر من الاستعمار عن قضاياهم الأخرى، فلما تحقق لهم الاستقلال بالمعاهدة -خُيلّ إليهم ذلك- وانتبهوا إلى همومهم الأخرى وكانت الصدمة، بقوله هو “كم كانت خيبتنا عظيمة حين عدنا من الشؤون الخارجية الى الشؤون الداخلية، فوجدناها في منتهى الضعف والتقهقر. ويضيف إن حالة مصر في الحقيقة لا تدعو الى الاطمئنان: فأمامنا اضطراب مستمر في الحياة القومية، وأزمة محققه في الآداب العامة، ومشاكل اقتصادية واجتماعية قد تصل في القريب العاجل الى الحد الأقصى من الخطورة. يدعو الكاتب الى ان تلقي “الأمة المصرية” نظرة اجمالية على شؤونها السياسية والإدارية وأن تبحث عن طرق الإصلاح التشريعية والاجتماعية، ذلك أن النظم العامة، مثل الدستور والقضاء والإدارة، لا تحيا إلا بتعاون الجماعات التي أسست من أجلها والعمل على تحريكها وتنشيطها ويرى أنه إذا كانت النظم غير ملتئمة مع الروح الشعبية أو عجزت الأمة عن التعاون والاشتراك في توجيهها، تعطلت ولم تلبث ان تتهدم وتتلاشى، “وهذا الذي حدث في مصر”. استقلال جزئي النظام النيابي ظهر في بلاد أوروبا، نتيجة تطور طبيعي وسياسي، لكن ظهوره في مصر ارتبط بالاستقلال الجزئي عقب ثورة 1919 ومن ثم لم يكن متجذرا، فبدا ضعيفا ومهتزا، يتلاعب به الأفراد والأهواء، فضلا عن أنه لم يكن مرتبطا ولا يتناسب مع “عقلية الشعب”. غير البرلمان هناك الأحزاب، ومن الناحية العملية كان هناك حزب الوفد، الحزب القوي والذي يسيطر على الجماهير، ويلاحظ مريت غالي ان هذا الحزب ارتبط في نشأته وتأسيسه بالقضية الوطنية، أي قضية الاستقلال، ولم يشغل نفسه ببرنامج قوي للمشاكل الداخلية من اصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي، لذا حين اتجهت القضية الوطنية الى ان تحل بالاستقلال ظهر الضعف والاختلال داخل الحزب وكثرت فيه الانشقاقات، ولم يتمكن الوفد من تقديم برنامج اجتماعي واقتصادي ينقل البلاد ويصلح حال المواطنين. ويتحقق رقي الأمم بالرأي العام القوي.. المستقل والمستنير الى اقصى حدود الممكن، لكن الرأي العام في بلادنا مازال ضعيفا ويتعرض للاهتزاز بسبب الدعاية السياسية والانتخابية “الباطلة” والتجريح الشخصي المتبادل بين الخصوم وانشغال الصحف بمناقشات لا تعتمد على أساس من الحق أو المنطق، فضلا عن الاهتمام بالصالح العام، ويناشد مريت بطرس غالي من يقومون على تشكيل الرأي العام وهم الذين يرتبطون مع الجمهور باللسان والقلم- يمكن ان تضيف اليهم الآن الصورة- وهم الصحفيون وأساتذة الجامعات والمعلمون ورجال الإدارة والسياسيون، عليهم ان يدركوا مسؤولياتهم تجاه بناء الرأي العام، لذا لابد أن يعتمدوا على النزاهة وسعة الإدراك ومراعاة تأثيرهم في المواطنين وفي الصالح العام. وللدولة دور مهم، وفيما يخص مصر يذهب الى ان دور الدولة هو أن تكون معتدلة “تسير في سبيل التجديد بحزم وتعقل، فتلزم الطريق الوسط بين المحافظة المتمسكة بالقديم والإصلاح التجديدي الجريء” والدولة في هذه الحالة قد تتعرض للنقد ممن يسميهم “الرجعيين: وقد تندفع وتغامر وراء حماس الإصلاحيين، لذا يجب ان تؤثر الاعتدال، وان تتمتع بالثقل والقوة السياسية، لأنها سوف تهاجم من أطراف عديدة، ذلك أن “المتطرفين” سواء كانوا مجددين أو محافظين سوف يتعرضون للنقد من جانب واحد، أما “السياسة الوسطي فنقادها كثيرون وخصومها متعددون”. الروح الوطنية ويتوقف الكاتب عندما يسميه الروح الوطنية أو القومية لدى المصريين، ويرجع الى تاريخ نشأتها في العصر الحديث، تحديدا منذ صعود محمد علي الى حكم مصر في سنة 1805 وما اعقب ذلك من تطورات، ويلاحظ ان المعني الوطني ليس واحدا عند المصريين، هو عند البعض يعني فقط مواجهة الأجنبي والاستعداد للجهاد والنضال في هذا الجانب وما دون ذلك لا يعنيهم، ويعترف بأن التأثر بالأجانب وبلاد أوروبا أفادنا كثيرا، لكنه سبب كثيرا من الحيرة والاضطراب لدى البعض، خاصة أولئك الذين لم يدركوا جيدا تاريخ بلادهم وثقافتهم الوطنية، الأمر الذي عطل نمو المشاعر القومية.. ويتوقف طويلا عند تاريخ مصر، ويلاحظ ان المصريين هم الذين نشروا المسيحية في شمال افريقيا وهم كذلك الذين نشروا الإسلام في هذه البلاد، ليس ذلك فقط، بل قاموا بحماية الإسلام والمسلمين من الحملات الصليبية، وقاموا بحماية الشرق والغرب على السواء من هجمات التتار، ويقول “هذا التفوق الديني والسياسي مفخرة لجميع المصريين، الا انه في الوقت نفسه يفرض واجبات كثيرة لابد منها تجاه “البلاد الاسلامية المجاورة والناطقة بالعربية” ويطالب المصريين بمسألة مهمة وهي “ان تحدد مركز مصر إزاء الشرق والغرب في شيء من الدقة، ويعني بالغرب عادة من الوجهة الجغرافية أوروبا والبلاد التي قامت على أصل أوروبي، كأميركا واستراليا وافريقية الجنوبية، أما الشرق فيراديه بقية العالم، وبعبارة أخرى افريقيا الشمالية والقارة الآسيوية”. مريت بطرس غالي هو من أسس جماعة النهضة القومية قبل ثورة 1952 مع ابراهيم بيومي مدكور، وله عدة كتب ومؤلفات في الإدارة والقانون والسياسة، ولعب دورا مهما سنة 1984 في التصدي لإحداث الفتنة الطائفية بمصر وكان من المطالبين مبكرا بالإصلاح الزراعي، وله دراسة في ذلك سنة 1945.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©